"نحن كاهل الأعراف. لا في الجنة ولا في النار" ..هكذا وصف محمود رمضان حال أهل غزة "المغضوب عليهم" لأسباب باتت تستعصي على كل ذي عقل . ولعل التحذيرات الأممية بأن غزة أصبحت مكانا غير صالح للعيش، عندما أعلنت في 2012 كان يشوبها تفاؤل حذر بإمكانية رفع الحصار وانهاء الانقسام الفلسطيني. ولكن ما يحدث على الأرض من انهيار متسارع، يجعل من تقارير الأممالمتحدة غير ذات صلة في ظل الانهيارات المتسارعة في منظومة البنى التحتية في غزة المنكوبة. يقول محمود عياد ل"سما "،إن "الآلاف من سكان غزة يشكون من طفح جلدي وحساسية تصيبهم بعد الاستحمام في البيوت، وعند مراجعته الطبيب، قال بأن هذه الحساسية من تلويث مياه الآبار لمياه المجاري القادمة من البحر ومن تسلل المياه العادمة الى الخزان الجوفي بغزة". ويضيف "لا يعقل أن نستحم ونغتسل في بيوتنا بمياه المجاري والصرف الصحي بسبب الكهرباء والحصار والسياسة"، مضيفا " رضينا بملوحة المياه وتلوثها للشرب ونشتريها من محطات التحلية، ولكن لا يمكن لنا أن تشتري للاستحمام وغسيل الملابس". المواطن علي حسن 55 عاما يقول، ل"سما" إن "هناك شيء مخيف حدث خلال الأيام الماضية، وهو أن هناك رائحة كريهة في المياه التي تصل الى البيوت متسائلا عن خطورة ما يحدث على مستقبل الأجيال في غزة؟. ويضيف " إن ما يحدث في غزة هو انتحار جماعي بطئ لأكثر من 2 مليون فلسطيني لا أفق ولا أمل لهم، ويتم الآن تحطيم منظومتهم الحياتية البسيطة في أساسياتها مثل الماء والكهرباء والصرف الصحي ". ويطالب المواطن محسن حماد، "كل الأطراف المتصارعة على وهم السلطة بالتدخل العاجل لإنقاذ غزة من الخراب" موضحا " لا يعقل أن نستحم بمياه الصرف الصحي ويجب أن يعرف الجميع الرئيس وحماس وفتح بأننا نموت في هذا السجن وإن ما يحدث أكبر من السياسة والخلاف". ويعتبر الأستاذ عادل أبو سعيد ، إن ما يحدث هو أمر طبيعي وواضح علميا، لأن مياه البحر تتدفق الى المياه الجوفية لانخفاض مستوى الخزان الجوفي وأصبحت مياه الصرف الصحي الآن تتدفق الى المياه الجوفية. من جهته، حذر اسعد حمود مدير الاعلام في مصلحة المياه في غزة المواطنين من السباحة على شاطئ بحر غزة هذا الصيف؛ بسبب تفاقم أزمة التيار الكهربائي، وعدم تمكن مصلحة المياه والبلديات من معالجة مياه الصرف الصحي قبل أن يتم ضخها لمياه البحر ، مؤكدا أن المياه الغير معالجة يتم صبها في البحر ومليئة بالميكروبات والجراثيم التي تؤدي الى مشاكل صحية. وقال حمود أن تقليص ساعات وصل التيار الكهربائي تسبب بتداعيات وآثار سلبية كبيرة على مجمل خدمات المياه والصرف الصحي في قطاع غزة، فلا يمكن معالجة مياه الصرف الصحي خلال ساعات فقط من الكهرباء بالشكل الأمن والصحيح. وأكد أن هناك بعض المواقع لا يجوز فيها السباحة مطلقاً، لعدم اكتمال معالجة مياه الصرف الصحي، وخشية على صحة الأطفال وكبار السن الذين هم الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض والفيروسات والأوبئة. وأوضح "نحن ندرك أن البحر هو الملجأ الوحيد أمام المواطنين، في ظل استمرار الحصار والخناق على قطاع غز" مشيرا الى أن هناك الكثير من المواطنين لم يلتزموا بالإرشادات والتحذيرات التي أطلقناها، ولا نستطيع منعهم من السباحة في البحر إلا بأمر أمني وشرطي. وكانت وزارة البيئة الاسرائيلية قد أصدرت قرارا قبل أسبوعين بمنع حفر اي آبار في المناطق المجاورة لقطاع غزة بسبب تلوث المياه الجوفية بمياه الصرف الصحي . وقالت إن المياه الجوفية في غزة ومحيطها خطيرة للغاية ولا تصلح لأي نوع من الاستخدامات البشرية وتحتاج الى معالجات مكلفة قبل السماح باستخداماتها البشرية. وكان مركز الميزان لحقوق الإنسان حذر الأسبوع الماضي من تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة مع تواصل أزمة التيار الكهربائي، ما ينذر بكارثة إنسانية نتيجة الأوضاع الحالية. وأشار المركز في بيان له، إلى ظروف الأوضاع بغزة واستمرار انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 20 ساعة بشكل متواصل يوميًا، ما تسبب في حدوث شلل شبه تام في معظم الخدمات الأساسية الحيوية المهمة لسكان القطاع، ولا سيما الصحية والبيئية منها، ومن أبرزها تلوث مياه البحر بشكل غير مسبوق ما يهدد بوقوع كارثة بيئية محدقة. وتقدر كميات مياه الصرف الصحي التي يتم ضخها في بحر قطاع غزة بأكثر من 110 آلاف متر مكعب يوميًا، حيث تضخ مياه الصرف الصحي من محطات المعالجة إلى مياه البحر بشكل مباشر من (23) مصرفًا تمتدّ على طول شاطئ القطاع، دون معالجة مسبقة. وقال المركز أن الطفل محمد أحمد السايس (5 سنوات)، من سكان حي الزيتون شرق مدينة غزة، توفي يوم السبت 29 يوليو الماضي جراء إصابته بجرثومة في الدماغ، وهي أول حالة لطفل يعتقد أنها نتيجة تلوث مياه بحر غزة، مطالبًا المجتمع الدولي بتحرك عاجل لوقف تدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع. وبحسب التقرير الطبي الصادر عن مستشفى الدرة للأطفال بمدينة غزة، فقد أصيب الطفل بتسمم مجهول، بالإضافة إلى متلازمة أكيري (داء الشغيلات) المؤدية للتسمم القاتل والتلف الدماغي. وكان الطفل السايس قد سبح في بحر منطقة الشيخ عجلين غرب غزة برفقة ذويه قبل وفاته بعشرة أيام، حيث بدأت تظهر على الطفل وبعض أفراد عائلته مظاهر الإعياء والمرض في اليوم التالي للسباحة، ما استدعى نقلهم للمستشفى لتلقي العلاج. وكان رئيس قسم العناية المركزة في مستشفى الشهيد محمد الدرة للأطفال د. زياد المصري قد أوضح أن الطفل السايس وصل إلى قسم الاستقبال والطوارئ في المستشفى مصاب بحالة تسمم ووضعه حرج جدا مع وجود تشنجات واضطراب شديد في درجة الوعي حيث تم عمل صورة مقطعية عاجلة تبين عدم وجود نزيف دموي في الدماغ. وكان رئيس قسم الكلي في مستشفى الشفاء في غزة عبد الله القيشاوي قد حذر في تصريحات له من زيادة في عدد مرضى الفشل الكلوي ‘ناتجة عن تلوث المياه خاصة في ظل ظروف الحصار الحالي'. وأوضح أن مياه القطاع تحتوي على ‘نسبة مرتفعة من النيترات والكلورايد تعتبر سببا من أسباب الفشل الكلوي في قطاع غزة' مشيرا أيضا إلى نسب مرتفعة في المياه ‘لبعض المعادن الثقيلة الأخرى، مثل الرصاص والكبريت التي تؤثر على صحة الناس'. وعبرت الممثلة الخاصة لليونيسف في فلسطين جون كنوغي، عن قلقها إزاء مشاكل المياه في القطاع قائلة إن ‘قضية المياه الصالحة للشرب مصدر قلق كبير للمجتمع الدولي وللفلسطينيين'. من جهته مدير عام مصلحة بلديات الساحل منذر شبلاق أن القطاع مقبل على كارثة مائية وبيئية فعليا، موضحا أن أكثر من 97% من المياه الجوفية لا تصلح للاستخدام المنزلي. وأضاف شبلاق أن نسبة الملوحة في المياه في ارتفاع دائم، و"مياهنا باتت لا تصلح للاستخدام الآدمي"، ولا حلول في ظل الحصار الإسرائيلي. وتفرض إسرائيل منذ عشر سنوات حصارا بريا وبحريا وجويا مشددا على القطاع الذي تديره حركة حماس. وأضاف أن "الحصار هو أحد أهم المشاكل التي تواجهنا، وفي حال لم يتم الضغط على الجانب الإسرائيلي للبدء بالحلول قبل عام 2020، نكون فعلا هذه المرة قد وصلنا إلى كارثة إنسانية.