من يتمعّن في التدوينات المتواترة لحسن بناجح بشأن الاعتداء الذي طال الطالب عصام لحسيني، المحسوب على فصيل العدل والإحسان بالكلية المتعددة التخصصات بسلوان بضواحي الناظور، يخرج بقناعة راسخة مفادها أن الدعوات التي ما انفك يروّج لها بشأن "احترام المحاكمة العادلة وافتراض البراءة والمتابعة في حالة سراح ..." هي مجرد شعارات للاستهلاك الإعلامي، وليس ثقافة يتشبّع بها أو يتملّكها الرجل ومعه فلول العدل والإحسان. فطالما انبرى حسن بناجح يزايد على القضاء المغربي في قضية سليمان الريسوني وعمر الراضي وسعيدة العلمي وغيرهم، مناديا بضرورة متابعتهم في حالة سراح وعدم تقييد حريتهم في مرحلة ما قبل المحاكمة، من منطلق أن الأصل في الإنسان هو البراءة والأصل في الأشياء هي الإباحة! فعلى سبيل المثال لا الحصر، نشر حسن بناجح في التاسع من نوفمبر من سنة 2021 تدوينة حول سريان محاكمة سليمان الريسوني، تساءل فيها باستنكار "أما يكفي كل هذا لتمتيع هذا الصحافي بحقه في السراح؟" ثم عاد مجددا بتاريخ 29 من نفس الشهر وذات السنة ليكتب تدوينة مماثلة جاء فيها "غدا سيكمل سليمان الريسوني 18 شهرا في الاعتقال الاحتياطي في ضرب صارخ لقرينة البراءة". كما دأب حسن بناجح على نفس الأسلوب في المزايدة على القضاء في قضية عمر الراضي، إذ نشر تدوينة ثالثة في شهر نوفمبر من السنة المنصرمة كتب فيها بكثير من التجاسر والادعاء "لقد تم رفض السراح المؤقت في تناقض صارخ مع الخطابات المعلنة للنيابة العامة ووزير العدل حول التوجه للتقليص من الاعتقال الاحتياطي إذا ما توافرت الضمانات". فحسن بناجح يكون "متشبعا" بثقافة حقوق الإنسان عند مناكفة الدولة والمزايدة عليها، لكن إذا كان الضحية المفترض هو أحد مريدي الجماعة، فإنه يتنصل من كل الشعارات ذات الحمولة الإنسانية، ويتجرد من جميع لوازم انتحال "الصفة الحقوقية"، ويكشف في المقابل عن حقيقته كشخص وكممثل لجماعة غارقة في الانتقام، متشبثة بالقصاص، مزدرية للصفح ومتلهفة للاعتقال والإيداع وراء القضبان. فهذا هو حال حسن بناجح على سجيته الحقيقية، وهذا هو حال جماعة العدل والإحسان على سليقتها، أما ما دون ذلك من مساحيق "التقية" فهي مجرد أدوات للتوجيه المعنوي ودغدغة مشاعر الناس. ولمن يشكك في هذا الكلام عليه أن يطالع ما كتبه حسن بناجح حول شكاية عصام لحسيني، الطالب المريد، الذي تعرض للضرب والجرح المبرح من طرف فصيل القاعديين في الجامعة بسبب "التعبير" الفايسبوكي. فقد كتب حسن بناجح، عكس ما كان يقوله سابقا، مناقضا ذاته وكاشفا حقيقته، عندما تساءل: "لحد الآن تم اعتقال اثنين فقط ممن اشتكى بهم الطالب عصام بالاسم. وهنا تطرح أسئلة مهمة تقتضي جوابا مستعجلا ومقنعا: لماذا لم يتم اعتقال الآخرين؟ هل يحق للسلطة المعنية اعتقال البعض وعدم اعتقال الآخرين؟ وعلى أي أساس ومعيار يتم الاستثناء؟ هل يوجد مانع لعدم اعتقالهم لحد الآن مثل الفرار وتعذر الوصول إليهم؟ في حالة وجود الفرار هل تم اعتماد مسطرة التعقب والبحث، أم إن هذا لم يتم تفعيله؟ أكثر من ذلك، حاول حسن بناجح أن يظهر بمظهر الخبير القانوني الذي يكيّف الجرائم المنسوبة للطلبة القاعديين المشتبه فيهم، عندما قال "المعلوم أن الطالب المشتكي يتهم المشتكى بهم بجريمة التعذيب التي تطالها مقتضيات اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادق عليها المغرب وهو ما يلزم بوجوب إعمالها. فلماذا التأخر في ذلك رغم مرور 10 أيام على حادث الاعتداء؟" وبصرف النظر عن "الجهل المركب والمفرط" عند حسن بناجح، على اعتبار أن جريمة التعذيب هي من جرائم الصفة حسب منطوق الفصل 231 من القانون الجنائي المغربي، الذي يشترط أن يكون مرتكب التعذيب أو المحرض عليه هو موظف عمومي، وأن تكون الغاية منه هي تخويف شخص أو إرغامه على الاعتراف أو الادلاء بإفادات، إلا أن المهم عندنا هنا ليس هي سطحية الرجل القانونية، وإنما "نفاقه" وتعامله الإزدواجي بين قضايا الجماعة والرهط من جهة، وقضايا من هم دون الجماعة وبني العترة من جهة ثانية. فحسن بناجح لم يستحضر "افتراض البراءة" عندما طالب في تدوينة جديدة، منشورة صباح اليوم الجمعة، بالتسريع ب"معاقبة العصابة" التي قال أنها "اختطفت واحتجزت وعذّبت المواطن المغربي الطالب عصام لحسيني بالناظور". فالرجل لم يتنكر فقط لمبدأ البراءة هي الأصل وإنما التحف رداء النيابة العامة وجبة القاضي وقام بتكييف الأفعال المرتكبة وأوجب لها العقاب! فأين هي الضمانات المفترى عليها في تدوينات سابقة؟ وأين هي المحاكمة في حالة سراح التي كان يطالب بها للآخرين؟ أم أن الجماعة هي أولى من باقي أبناء الشعب؟ وأن الشعارات لا تصلح سوى للتراشق الإعلامي مع القضاء وأجهزة العدالة؟ وبعيدا عن برغماتية حسن بناجح المسرفة في النفاق وازدواجية الخطاب، يستحضرني هنا "حصلة" المعطي منجب الذي حاول في البداية إلصاق تهمة الاعتداء على الطالب "العدلاوي" عصام لحسيني على المخزن لتبرئة الطلبة القاعديين! فماذا عسى المعطي منجب أن يقول اليوم وهو يرى رفيقه حسن بناجح يطالب بالقصاص والاعتقال والانتقام من الطلبة القاعديين الذين "نزّههم" الأول عن هذه الجرائم؟ وهل سيتمادى في اتهام المخزن أم سينكفئ على نفسه إلى أن تنتهي هذه القضية؟ كما تفرز قضية الطالب عصام لحسيني كذلك العديد من التساؤلات المشروعة من قبيل : هل ستستمر "الهدنة" و"تقاطع المصالح" القائمة حاليا بين النهج الديموقراطي والجمعية المغربية لحقوق الإنسان من جهة، وجماعة العدل والإحسان من جهة ثانية، رغم العراك الطلابي بين فلولهما في الجامعة؟ وهل سيصمد "ائتلاف الجبهة الاجتماعية" في ظل إصرار حسن بناجح، ومعه جماعة العدل والإحسان، على القصاص من النهج الديموقراطي ممثلا في الطلبة القاعديين المشتبه فيهم؟ الجواب بالطبع لا، فكما تصدعت حركة 20 فبراير سابقا سوف تتشرذم الجبهة الاجتماعية حاليا. لأن ما بني على باطل فهو باطل. والدليل أن فلول الجبهة الجديدة تطاحنوا في الكلية المتعددة التخصصات بسلوان بالناظور بسبب عدم احترام حرية التعبير فيما بينهم!!! فمن يتقاتل من أجل تدوينة فايسبوكية لا يصلح أن يكون مناضلا ولا منافحا عن احترام حقوق الإنسان.