تأخر ممثل السلطة الفلسطينية في دكار مدة سنتين، ليعود الى استئناف العلاقات المغربية الاسرائيلية، وَ ليُثبت بلا مدعاة للشك أنه ليس أهلا لتناول موضوع لا يفقه في حيثياته شيئا. كما أنه لم يستغل تأخره في الاطلاع الجيد على نقطه وتفاصيله وترتيباته التي تمت مع قادته ورؤسائه والفاعلين الحقيقيين في الديبلوماسية الفلسطينية. لقد ضيع فرصة أولى للفهم، كما ضيع فرصة ثانية للصمت، وفرصة ثالثة لاحترام شعب كبير مثل المغرب.. يثبت فيها أنه فعلا يستحق أن يكون ديبلوماسيا.. الشيء الذي يتطلب توضيحات على هامش الانحراف الديبلوماسي لرجل مفترض فيه أن له قضيةً يدافع عنها، وأنه، بناء على ذلك يعرف أصدقاء قضيته، واعداءها الحقيقيين ويعرف تفاصيل كل الرهانات حولها. وبمعنى جامع مانع، كان عليه أن يقضي الوقت الذي لديه في الدفاع عن حقيقة قضيته عوض البحث عن مثالب وأخطاء وهمية عند المغرب..السيد صفوت إبراهيم عبد العزيز إبريغيث وهذا اسمه بالكامل يشغل منصب "سفير دولة فلسطين"، وحقيقة منصبه أنه ممثل السلطة الوطنية الفلسطينية، لدى السينغال، قادما اليها من باريس، التي شغل فيها منصب التمثيلية في فرنسا. وعمل في اليونسكو كما أنه يمثل السلطة الفلسطينية في دول الجوار السينغالي في غامبيا والراس الاخضر وغينيا بيساو. ومع كل هذه المهام لم يثبت أن الرجل ترك بصمة من البصمات التي تركها رجال فلسطينيون مثلوا بلادهم وقضيتهم في المناطق الافريقية، بل لعل هذه الوضعية التي تضعه في عداد المجهولين هي التي تفسر خروجه الاخير ضد المغرب، ربما تسلط الاضواء عليه في زحمة الاخبار وطبول الحرب.... والتهافت على عواصم المال!وسيظل الاولى أن تعيده القيادة الديبلوماسية ورؤساؤه في السلك الديبلوماسي إلى جادة الصواب، ونعتقد بأنهم سيفعلون بما يرضي الشعب المغربي والحكومة المغربية والملكية المغربية، التي كانت ضحية بهلوانياته الطافحة بالجهل.لقد اعتاد الرجل أن يَزنَ الدول والمواقف بالمنطق التجاري بحيث يرى في كل شيء صفقة، و بناء على ذلك صرح لموقع صحافي في العاصمة دكار، رتبوا له لقاء معه :« لقد كانت صفقة: التطبيع مع إسرائيل وتعترف (واشنطن) بالصحراء كأراضي مغربية». أولا: الصحراء اراضي مغربية، كانت وستظل، من قبل و من بعد وإلى أن يرث الله الاراضي كلها ومن عليها، أحب من أحب، وكره من كره. ثانيا : ليست مناسبة للحديث عن الصفقات كما اعتادها المشارقة الذين يدفعون بالقضية الفلسطينية الى درجة تحويلها «عملة للصرف»، وقد توالت الانظمة والحكومات والجنرالات أمثال الذين وصفهم بقيادة الدولة الكبيرة في افريقيا، وفي الدول العربية، هؤلاء الذين كانوا يدفعون .. حتى حولوا القضية الى بورصة للقيم المالية، وصلت حدا أن قتل الفلسطيني اخاه ورفع القادة السيوف في وجه رفاقهم وهاجم الفصيل الفصيل في دروب وشعاب ووديان الشرق الاوسط...!وهي مرحلة لا اعادها الله على الفلسطينيين ولا على الشعوب التي تساندهم... بلا شرط ولا سلاح!،وعليه، فإن المغرب لا يوجد في موقع الدفاع عن نفسه، فنحن الذين لم نطلب ابدا مقابلا، لا سياسيا ولا ديبلوماسيا ولا أدبيا لمواقفنا المبدئية، وإن كنا نعرف من دفع ... ومن قبض! أما بالنسبة للنقاش الجدي لما اعتبره الممثل الفلسطيني في دكار صفقةً، فلا بد من التذكير بالثوابت التي صاحبت الاعلان عن استئناف التبادل الديبلوماسي بين دولة ذات سيادة اسمها المغرب ودولة اسرائيل. وهو تبادل في واضحة النهار، وبدون لغة مزدوجة ولا نفاق «قومجي» أو ديني أو عرقي أو سياسوي. لقد تم في واضحة النهار، وعرف الفلسطينون ، قبل غيرهم بالقرار.وللممثل في دكار أن يتأمل العناصر التالية، كما كررتها واعلنتها القنوات الديبلوماسية المغربية ... الموقف السيادي المغربي تم ابلاغه، بما يكفي من المعطيات والتفاصيل الى اعلى السلطات الفلسطينية، في «اطار المشاورات القبلية»، إذا كان المعني بالامر يعرف ماذا تعني هذه العبارة في القاموس الديبلوماسي.. جلالة الملك، رمز الدولة وممثلها الاسمى والمعبر عن وجدانها ورئيس لجنة القدس وحامي مؤسساتها أطلع، شخصيا، الرئيس الفسلطيني محمود عباس، في 9 دجنبر 2020 علي الاتفاق الثلاثي كموقف سيادي وإرادي وحر للمغرب، كما أطلعه على الموقف الثابت من القضية كإرث وطني مغربي وقضية لا تموت إلا بحل عادل لها! يدعي ممثل السلطة الفلسطينية، أن اقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل هي عدم نضج سياسي (كذا) وخروج عن مبادرة السلام العربية في 2002، والحال إن الديوان الملكي قد أصدر بلاغا في حينه وفي يومه «أبرز فيه جلالة الملك أن المغرب مع حل الدولتين، وأن المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي هي السبيل الوحيد للوصول إلى حل نهائي ودائم وشامل لهذا الصراع" وفق المبادرة العربية لعام 2002 التي أقرتها القمة العربية في بيروت.» لقد قامت الديبلوماسية المغربية، كما اعتادت بمجهود تواصلي كبير، مؤسساتياً واعلاميا وفي كل مناسبة لكي تضع الاتفاق الثلاثي، بين الولاياتالمتحدة والمغرب واسرائيل، في سياقه وفي منطقه الذي تحكم فيه، وكانت أبرز النقط التركيز على أن الاعتراف الامريكي في عهد الرئيس دونالد ترامب جاء تتويجا لمواقف الادارات والرئاسات السابقة عليه، مما جعله قرارا مفكرا فيه، نضج على نار هادئة، فصار موقف الدولة الامريكية.. وكما ورد في بلاغ السفارة المغربية في دكار «بأن هذا القرار، هو قبل كل شيء قرار سيادي، ونتيجة لعملية مفاوضات قبل وقت طويل مما يسمى باتفاقات أبراهام. ونتيجة هذه العملية تعكس نهجا جديدا، يجذر التأكيد أنه لا يكتنفه أي ضرر على القضية الفلسطينية التي تظل في صميم اهتمامات الشعب المغربي ».. وعدم الأخذ بهذا المعطى المركزي الدقيق، يجعل كل من يتبنى موقف ممثل السلطة في دكار، خارج فهم مجريات ما حدث وما يحدث. يدعي صفوت إبراهيم إبريغيث، في حواره المشبوه :«نحن لم نعد أشقاء. لا يمكن للمرء أن يكون صديقا للفلسطينيين وصديقا للإسرائيليين" (...)، بالانفتاح على إسرائيل، لم يعد بإمكان المغرب اتخاذ مواقف قريبة من فلسطين«. وهو، أولا يعطي لنفسه الحق في ما لا يملكه، وهو أن يحدد صلاحية الأُخوَّة والدم، ويوزعها حسب هواه، كما لو أنها سلع (اليس هذا هو منطق الصفقات الحقيقية ؟) تعبر الحدود ومراكز التفتيش والجمارك، كما يريده هو لا كما يريد التاريخ واللغة والمقومات الروحية. وهو موقف لم يعبر عنه أي ذي عقل، ولو كان عدوا للشعب الفسلطيني نفسه ! يتساءل ممثل السلطة في دكار، وبلغته التي تفتقر الى الحد الأدنى من اللباقة الديبلوماسية، ولا تعكس الاحترام الذي يكنه القادة الفلسطينيون «الناضجون» على اختلاف توجهاتهم للمغرب: « ماذا فعلتم لإنقاذ آلاف الفلسطينيين الذين تعرضوا للضرب داخل المسجد الأقصى بطريقة مذلة، ... ماذا فعل المغرب للاحتجاج ؟ لا شيء سوى الإدانة من خلال بيان صحفي..»؟..والسؤال الحقيقي هو : هل قرأ الممثل، كما يفترض فيه، البيانَ الذي اصدره المغرب، هل وضعه في سياقه هل »فهمه« حقا حقَّ الفهم واعطاه حق قدره؟لا نعتقد بأنه كذلك...إن اللغة الاستنكارية، التي يبدو أنها تلقى هوى في نفس الممثل إياه، تستحق أن نعيدها الى صاحبها: ماذا فعلت كل الدول التي يستشهد بها، في الوقت الذي حرك المغرب آلته الديبلوماسية لفائدة ابناء المقدس وسرع وتيرة عمل وكالة بيت المال القدس لصالحهم؟ماذا فعلت أكثر مما قام به المغرب، عندما تحدث بوضوح تام «عن قوات الاحتلال» وعن حماية المقدسيين وعن الدفاع عن المدنيين والابرياء والتشديد علي إيجاد فرص السلام واستئناف الطريق الى الحل النهائي؟لقد اختارت منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الوطنية الفلسطينية منذ أمد بعيد «نار السلام» الهادئة على براكين الثورات العنترية، وتبنت خيار السلام بحدوده الدنيا، وما زالت تعيش تحت سقفه المنخفض للغاية، وما زالت تتعاون مع القوات العسكرية والامنية، في ظروف تكون مناهضة للفلسطينيين احيانا كثيرة، ومع ذلك، ما زالت قيادته في غزة والقطاع تقبل بشروط الوجود الصعبة، ولا تثقب سقف الوفاق السياسي مع اسرائيل بناء على اتفاقيات أوسلو.. ولم يحدث أن تغيرت قواعد اللعب الى حد الساعة، في جوهرها وطبيعتها.. من السماح بإجراء الانتخابات إلى صرف الضريبة على القيمة المضافة بال«شيكل» الاسرائيلي ! لهذا يبدو أن هذا «المُناقش» الكبير لا يفهم ما تريده بلاده في صراعها الحالي ولا الطريق الذي اختارته مند اوسلو 1993 !أما «الصفقة»، فإذ كانت هناك «صفقة» فعلا فهي التي عبر عنها المغاربة في الشوارع والدروب والجامعات عندما هبوا كرجل واحد ينشدون ويرددون :« الصحراء مغربية، فلسطين عربية..»! «صفقة» روحية، وجدانية وانسانية تحرك مشاعرهم وخطواتهم، دوما وأبدا الى أن يحصل الشعب الفلسطيني على دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية..وكل متمنياتنا أن يحصل ذلك، ويكون للدولة القادمة ممثلون غير هذا الذي اختاروه في دكار!