دعا رئيس الحكومة عزيز أخنوش يوم 21 من شهر فبراير الماضي المركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب إلى عقد أول جلسة للحوار الاجتماعي للشروع، حسب دعوته، "في التفكير الجدي والمسؤول في كيفية مأسسة الحوار الاجتماعي ليكون عقده ملزما ومنتظما، والاتفاق على ميثاق وطني للحوار الاجتماعي يحدد حقوق وواجبات مختلف الفاعلين ويضع قواعد للهياكل ومؤسسات الحوار وينظم أساليب الاشتغال والتعاون بين مختلف الشركاء الاجتماعيين". ومادامت الدعوة التي أعلنها رئيس الحكومة أثناء افتتاحه لأشغال المنتدى البرلماني الدولي السادس للعدالة الاجتماعية تضمنت كلمات ثقيلة ما ووزنا وهي "التفكير الجدي والمسؤول"، فمن حقنا كإعلاميين متابعين لأولويات الشأن الوطني أن نطرح أسئلة مفتوحة وموضوعية ومنها: من هي الجهة التي لم تكن مسؤولة ولم تكن جدية أثناء هذا الحوار الذي استغرق أكثر من شهرين كاملين وتولد عنه أقل مما تولد عن الجمل حين ولد فأرا؟. وقد تنفعل العديد من النقابات مع وصفنا لنتائج الحوار بأنها بحجم فأر، فتجيبنا بالتأسي والتحسر قائلة: يا ليتها كانت بحجم فأر او أضعف! لأن الكارثة فيما يبدو أن العرض الحكومي تضمن شيئا من "الابتزاز..المفضوح النوايا" كما ورد في بلاغ اقوى نقابة في المشهد السياسي والاجتماعي، الاتحاد المغربي للشغل. ولم تتوقف الكارثة، حسب بلاغ الاتحاد المغربي للشغل، عند حدود الابتزاز والتوجيه المسبق والمفضوح النوايا، بل تضمن بعض المغريات غير المسبوقة وغير المتفق حولها، بما يفهم أنه رغبة من الحكومة في شراء ضمائر النقابات. وهو ما سجله بلاغ النقابة المذكورة بدهشة واستغراب، ومنه أن الحكومة تقدمت بعرض لرفع مبلغ الدعم المخصص للمركزيات النقابية بنسبة 30 في المائة. يمكن ان تكون حكومة عزيز أخنوش مكونة في مجملها من رجال اعمال يؤمنون كثيرا بأساليب البيع والشراء وخطط التحكم في السوق ،ولكنهم صدموا بأجوبة النقابات وخاصة الاتحاد المغربي للشغل، فالمطالب الاجتماعية لبشعب المغربي المغربي لا يجب أن تكون موضوع مزايدة او مقايضة او مساومة او بيع وشراء. وبهذه الخلاصة المدوية، يبدو الجواب واضحا عن السؤال المطروح أعلاه حول من هو الطرف الذي رفض التحلي بخصال المسؤولية وصفات الجدية، أثناء جلسات الحوار الاجتماعي، التي لم يصدر عنها لحد الساعة أي تصريح واضح أو بلاغ يذكر عن الحكومة. فأخنوش يعلم جيد -حسب ما نعتقده والله أعلم- بحساسية الوضع الاجتماعي الحالي في المغرب، بسبب موجة الغلاء غير المسبوقة في تاريخه، ويعلم -والله أعلم- مليا ايضا مدى غضب المغاربة وحنقهم الشديد عن جمود حكومة عزيز أخنوش ازاء هذه الأوضاع، وهو جمود كاد يصبح للأسف نوعا من التفرج والاستئناس بمعاناة المغاربة، التي تزداد يوميا عمقا وسوءا. وهاهي الحكومة تتمادى في تجاهلها لمطالب الشرائح الاجتماعية، وللجهات التي تمثلها داخل البرلمان، بالرغم من الهشاشة العليا التي تعاني منها النقابات حاليا. لقد صدّقت المركزيات النقابية رئيس الحكومة حينما أعلن في دعوته إلى الحوار الاجتماعي أنه يرغب في "التداول بشأن الأولويات الاجتماعية التي تحظى باهتمام ممثلي الطبقة الشغيلة على مستوى القطاعين الخاص والعام وكذا ممثلي رجال الأعمال سواء على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد ". كما صدقته حين قال إنه يرغب في تعزيز موقع الفاعلين النقابيين الوطنيين في هذا المجال وأنه يسعى إلى المساهمة في انبثاق ميثاق اجتماعي جديد، كما دعا إلى ذلك جلالة الملك، بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين يساهم في استقرار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ويؤدي إلى تحقيق التنمية الاجتماعية والى دعم التعاضد والتعاون لربح رهاناتها وترسيخ السلم الاجتماعي، وبما يكفل العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية كأهم مقومات الدولة الاجتماعية التي أرسى أسسها عاهل البلاد. نعم، لقد صدقت النقابات دعوة واقوال رئيس الحكومة، كما صدق المغاربة وعوده الحزبية وتصوراته الواردة في البرنامج الحكومي، ولكن العبرة تكون دائما بالنتائج. وهاهي خيبة الأمل المريرة تطفو على سطح الواقع الاجتماعي على بعد ساعات قليلة من عيد العمال الذي يحق لهم أن يرفعوا فيه بيت المتنبي كشعار فصيح لمآل الاحوال: "عيد وبأي عيد عدت ياعيد". وبينما كشف الاتحاد المغربي للشغل في بلاغ صادر عنه مضمون العرض الحكومي في إطار الحوار الاجتماعي "الغريب الذي لم يسبق له أن طالب أو تقدم به والمتعلق برفع مبلغ الدعم المخصص للمركزيات النقابية بنسبة 30%"، فقد رفع رفضه لمثل هذه الممارسات والسلوكيات غير المسؤولة، وطالب مجددا بالانكباب المسؤول على الاستجابة لمطالب النقابات الممثلة في العمل على تحسين القدرة الشرائية للأجراء والموظفين التي أنهكتها الزيادات المتتالية والمتكررة في أسعار عدد من السلع والمواد الاستهلاكية على رأسها المحروقات.