المغاربة ومعهم شريحة واسعة من الشعب الجزائري يتساءلون اليوم بكثير من الحسرة لماذا وصل الرئيس عبد المجيد تبون والطغمة العسكرية الحاكمة في حقدهما وعدائهما للمغرب إلى هذه الدرجة السفلى من الدناءة والضغينة والغل، لمجرد اعتراف إسبانيا بالسيادة المغربية على أقاليمه الصحراوية ودعمها لمشروع الحكم الذاتي. استدعاء السفير الجزائري في مدريد للتشاور يطرح أكثر من سؤال حول الخطوات القادمة لحكام الجزائر. هل سيستدعي تبون بأمر من الكبران الحاكم الفعلي، شنقريحة، سفراءه للتشاور، في واشنطنوباريس ولندن وفي دول الاتحاد الأوربي ومجموع دول العالم الداعمة لمشروع الحكم الذاتي؟ هل سيعقد تبون وشنقريحة جلسة عاجلة لا أظنها إلا خمرية، لقطع العلاقات مع تركيا لأنها استعادت علاقاتها الوطيدة مع إسرائيل، واستدعاء سفرائها في مصر والإمارات لعقد بلادهم قمة ثلاثية مع إسرائيل؟ نبرة العداء الجزائري للمغرب بدأت منذ استرجاعه لأقاليمه الصحراوية سنة 1975، وما خلفه ذلك الحدث من مواقف عدائية دشن لها الرئيس الراحل هواري بومدين بترحيله، في قرار جنوني، 350 ألف مغربي، أي ما يماثل عدد المغاربة الذين شاركوا في المسيرة الخضراء. وزاد منسوب الحقد الجزائري عند إغلاقها الحدود عام 1994. غير أن الحدث الذي صب زيت العداء على نار العلاقات المغربية الجزائرية المشتعلة منذ عقود، هو إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، اعتراف بلاده بسيادة المغرب على الصحراء، ثم عودة العلاقات بين المغرب وإسرائيل. والمغرب الذي تحمل اليوم ما يكفي من زندقة سياسية دأبت عليهما الطغمة الحاكمة في الجزائر، لم يعد له من خيار سوى الانتقال من طور الدبلوماسية المدافعة عن عدالة القضية الوطنية في المحافل الدولية، إلى طور الدبلوماسية الهجومية القاضية بمجابهة الجزائر بنفس المبادئ التي تتشدق بها، وعلى رأسها مبدأ تقرير المصير وحق الشعوب في اختيار مستقبلها، مما يعني اعتراف المغرب بحق شعب القبائل في تقرير مصيره. ومن شأن هذا الاعتراف الذي يحظى بإجماع المغاربة من مختلف الفئات والمشارب، أن يعزز مكانة الدبلوماسية المغربية كدبلوماسية فاضحة لأطماع رؤساء الجزائر من الهواري بومدين إلى الوقح عبد المجيد تبون الذي تطاول على المغرب وعلى المؤسسة الملكية بعبارات دنيئة لا تليق برجل دولة. فاعتراف المغرب بحق شعب القبائل في تقرير مصيره ودعم هذا الحق بفتح سفارة له في الرباط، من شأنه أن يدفع دولا إفريقية وأوربية صديقة بالإضافة إلى دول الخليج الشقيقة وباقي الدول العربية الأخرى وفي مقدمتها مصر التي تدعم بشدة مغربية الصحراء، إلى الاعتراف بالقبائل كشعب له الحق في إقامة دولته المستقلة على حدوده الوطنية المشروعة. مثل هذه الدبلوماسية الهجومية التي سبق أن دعا إليها ممثلنا الدائم في الأممالمتحدة، عمر ربيع، بقدر ما هزت أركان النظام الجزائري وبعثرت أوراقه، لقيت للأسف تجاوبا باهتا، إن لم أقل منعدما، من صناع القرار السياسي المغربي، وتم وضعها في رفوف الخزائن الدبلوماسية إلى حين الرجوع إليها عند الاقتضاء. استدعاء الجزائر لسفيرها في مدريد للتشاور، يُحتم على الدبلوماسية المغربية الإصغاء لضمير الشعب المغربي الداعي، فيما يشبع الإجماع، إلى تبني دبلوماسية هجومية جديدة تُفضي إلى دعم علني لثمانية مليون شخص عاشوا منذ عقود تحت وطأة الحكم الجزائري المتسلط، أي منذ أن أُحدثت دولة اسمها الجزائر سنة 1960، من قبل السلطات الفرنسية. ويتوجب في هذا السياق أن نثير انتباه السيد ناصر بوريطة، فارس الدبلوماسية المغربية، إلى أن مثل هذا التوجه الدبلوماسي الهجومي هو وحده الكفيل بإرغام حكام الجزائر على تبني منهجية سياسية تكف من خلالها عن التشدق الهيستيري بمبدأ حق تقرير مصير الشعوب، فيما تدوس حق الشعب القبائلي في تقرير مصيره وإجهاض تطلعه إلى دولته المستقلة تحت سيادته الوطنية. عبد المجيد تبون والحاكم الفعلي للجزائر، الكبران شنقريحة، ومن يدور في فلكهما من مستشارين سياسيين وعسكريين، لا يفهمون إطلاقا لغة حسن الجوار والتحاور بما يخدم روابط التاريخ والمصير المشتركين. هم يفهمون وينصاعون لسياسة الردع واعتماد نفس الأساليب التي ينهجونها. فكما حق تقرير المصير عزيز عليهم، هو أيضا حق ثابت لشعب القبائل، حتى وإن تخلى عنه المغرب لعقود طويلة مراعاة لروابط الإخاء وتقاليد حسن الجوار، والتزاما منه بمبدأ الحياد الإيجابي الذي يُغلب التحاور على التصادم. فيما القنوات الجزائرية والإعلام المكتوب الرسمي وأيضا المأجور يتسارعون إلى تنويم أفراد الشعب الجزائري من خلال تزويدهم بأقراص حاقدة على جارهم المغرب، بما يكرس التضليل ويغذي الحقد والكراهية وانعدام الثقة بين أبناء البلدين الجارين. موقف إسبانيا الداعم لسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية ولمشروع الحكم الذاتي، أدخل القنوت والمنابر الإعلامية التي تدور في فلك السلطة الجزائرية، في حملة هستيرية من الأكاذيب والمغالطات والأخبار الزائفة التحريضية والعدائية بعناوين منحطة ومستفزة تكاد تشبه الحملة التي أسس لها وزير الإعلام النازي، جوزيف جوبلز، والقائمة على نظرية "كيّفوا الكذبة وضخموها حتى يكون لها مفعول أقوى" أو "كلما كبرت الكذبة كان تصديقها أسهل"، وأيضا "أعطني إعلاما كاذبا أعطك شعبا عديم الوعي". نظرية جبولز، وزير الدعاية في عهد هتلر المعروف بمقولته الشهيرة "ضميري هو أدولف هتلر" (ma conscience est Adolf Hitelr) ، تنطبق بشكل كبير على مافيا الإعلام الرسمي الجزائري الذي أصيب بالسعار وهو يحاول النيل من المغرب ومن رمزية ومشروعية المؤسسة الملكية، موظفا خطابا نازيا تحريضيا ينهل من قاموس شوفيني متطرف، مستغلا القضية الفلسطينية كمطية لتحويل النظر عن مواقفه وسياساته العدائية. ويغيب عن بارونات الإعلام الجزائري أنه مهما نطقت أفواههم القذرة بعبارات متعفنة تجاه المغرب، ومهما بلغت شدة العداوة والتضليل، فإنها لن تنال، بشكل أو بآخر، من وهج الارتباط الاجتماعي العميق بين الشعبين المغربي والجزائري، في ظل بروز جيل جديد من الجزائريين تؤرقه الحدود المغلقة ويصعب عليه فهم دعم بلاده لمليشيات البوليساريو والمبالغ الباهظة التي تصرفها من أموال الجزائريين لخدمة أطروحة زائفة مفتعلة وغير ذات شرعية.