كل من يقرأ البلاغ الصادر عن قمة الخليج في موقفها الرائع من وحدة المغرب الترابية و سيادته على صحرائه، وفي خلاصاتها الاستراتيجية ، لا بد أنه سيتذكر ما قاله ملك البلاد في القمة الخليجية المغربية في أبريل 6102 وقتها، كانت منطقة الخليج على فوهة بُركان، بسبب الخلاف الذي سيزعزع التعاون الخليجي ، بين قطر وباقي دول الخليج أو أغلبها. وفي حينها اتخذ المغرب الموقف السليم والمنطقي والأخوي بالسعي لتوحيد وجهة النظر ، والبقاء على مسافة متوازية ومتوازنة من طرفي النزاع. حفاظا على العقلانية الديبلوماسية ، من جهة وعلى وحدة الموضوع الخليجي من جهة ثانيا. لنبدأ من البداية: أولا، نذكر أن البلاغ الصادر عن المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أكد على «مواقفه وقراراته الثابتة الداعمة لمغربية الصحراء والحفاظ على أمن واستقرار المملكة المغربية ووحدة أراضيها». البيان الختامي الذي توج أعمال القمة الثانية والأربعين لمجلس التعاون الخليجي المنعقدة بالرياض برئاسة المملكة العربية السعودية، أشاد بقرار مجلس الأمن رقم 2602 الصادر بتاريخ 29 أكتوبر 2021 بشأن الصحراء المغربية. كما أنه ثانيا، أكد على أهمية «الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين مجلس التعاون والمملكة المغربية وتنفيذ خطة العمل المشتركة» ثالثا ، الجميع سيتذكر ، بالأساس قولة جلالته من كون « الشراكة المغربية الخليجية، ليست وليدة مصالح ظرفية، أو حسابات عابرة. وإنما تستمد قوتها من الإيمان الصادق بوحدة المصير، ومن تطابق وجهات النظر، بخصوص قضايانا المشتركة». في هذه الفقرة تلخيص قوي ودال على وجود أرضية أثمرت مع الزمن وسقاها الوعي المشترك. وهي تضع، قبل سنوات خلت الزاوية الحقيقية للنظر الى هذه الشراكة.والتعريف المنتج لها ... ومن جهة أخرى ، تكتسي قمة مجلس التعاون الخليجي أهمية خاصة ، بالنظر إلى السياق الإقليمي والدولي التي تنعقد فيه: فهي أولا ،القمة الأولى لقادة الخليج بعد قمة المصالحة في يناير الماضي. و هي ثانيا قمة سبقتها تحركات لتطبيع العلاقات في المحيط العربي والاقليمي لمجلس التعاون، شملت العلاقة مع سوريا والامارات والمصالحة بين هذه الاخيرة وتركيا ، اضافة الى تطبيع العلاقات مع دولة اسرائيل من طرف دول من المنطقة.، كما سبقتها جولات مكوكية لولي العهد السعودي للاعداد لها، لا سيما اللقاء مع أمير دولة قطر. والواضح، استنتاجا مما سلف، أن دول الخليج تسعى من خلال تحركها المشترك التأثير في وعلى التطورات التي تقع في المنطقة ( صراع النفوذ مع تركيا، وملف إيران النووي )، وتفعيل وزنها الاقتصادي والسياسي في ميزان القوى في قضايا المنطقة وقضايا الصراع الدولي حولها،بين توجهات روسيا والصين من جهة وتوجهات الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة ثانية. وكان خطاب الملك واضحا قبل سنوات عندما قدم قراءته الجيوستراتيجية لتحولات العالم العربي في شرق وغرب المتوسط و يتضح ذلك من خلال القول« أن هناك تحالفات جديدة، قد تؤدي إلى التفرقة، وإلى إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة. وهي في الحقيقة، محاولات « لإشعال الفتنة، وخلق فوضى جديدة، لن تستثني أي بلد. وستكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة...» وقتها دقق ملك البلاد ما يعنيه بالخارطة الجيوسياسية التي يتم رسمها عبر محاور الصراع وخلفياتها، ونبه قبل أوان الاشتعال الى« أن العالم العربي يمر بفترة عصيبة. فما تعيشه بعض الدول ليس استثناء، وإنما يدخل ضمن مخططات مبرمجة، تستهدفنا جميعا»، ولربما كان بعض القادة في المنطقة قد آخذوا على المغرب وعيه المبكر بهذه المفارقات الجيوستراتيجية، وساد بعض البرود ، إن لم نقل الجفاء، في علاقات بعض العواصم بالرباط، غير أن التاريخ وجدليته أنصفا المغرب وملكه من حيث دقة التحليل لمستجدات الخليج والعالم العربي.. لقد زكت الظروف الوعي الاستباقي للملك عندما ذكر في ذات الخطاب امام قمة الخليج والمغرب والأردن بأن المحطة الفارقة تنبئ بأن مخططات التفكيك والتدمير التي شملت جسد من المنطقة العربية شرقا وغربا لا تتعلق ب«قضية في دولة معينة»، وإنما تتعلق بحاجة إلى «وعي جماعي بهذه التحديات »، وبإرادة حقيقية لتجديد العقد الاستراتيجي مع الشركاء، «بناء على محددات واضحة المعالم ، تضبط علاقاتنا خلال العشريات المقبلة». وهو ما يتم اليوم ، عكس كل الخطاطات المعتادة في الشرق وفي الغرب،بحيث وقعت تطورات لم تخطر بالبال، كما هو حال اللقاء بين القيادتين السورية والاماراتية ... كما لا يمكن أن نسقط من قراءة الخارطة الحالية بُنْد السياق الذي صاحب الاتفاق الثلاثي بين المغرب وامريكا واسرائيل.. وغالبا ما يتم اسقاط الخليج من مجرياته، بالرغم من أن جلالته اعتبر وقتها، في المكالمة التاريخية بينه وبني الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب الامر لا يقل أهمية عن مستجدات القضية الوطنية الأولى. فقد عبر جلالته بالمناسبة عن « أمله في أن تفضي التطورات الإيجابية المسجلة إلى تحقيق المصالحة الخليجية المنشودة، بما يساهم في استتباب الأمن والاستقرار بمنطقة الخليج العربي، وتحقيق الأمن العربي الشامل، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لما فيه صالح شعوب المنطقة العربية». وكل ذلك كان أساسه «الروابط الأخوية القوية، ووشائج المحبة الصادقة والتقدير المتبادل»، التي تجمع جلالة الملك بملوك وأمراء دول الخليج العربي.. ولذلك يكون الخليج حاضرا في كل مشاريع المغرب الكبرى،كما أن المغرب حاضر في التوجهات الاستراتيجية الكبرى لدول الخليج.. والربط هنا ليس عفويا، ولا هو بروتوكوليا، بل هو أعمق من ذلك، ويبشر من الآن بفشل محاولات عزل المغرب ، باسم قضية العرب والمسلمين المقدسة ، قضية القدسفلسطين، والتي أبانت عن محدودية تأثيرها في العواصم العربية القوية.. ولا يمكن أن تخفى، راهنا دلالة الحديث عن كتلة «جيو إقليمية » في السياسة العالمية ، بين دولتين، إحداهما قوة عظمي لها حضور قوي في المنطقة والأخرى ذات روابط خاصة جدا بها. ولعل أحد عناصر القوة في المستجد الخليجي هو أن مجلس التعاون الذي يجمعه يجعل منه التكتل العربي الأقوى في الدائرة العربية الاسلامية، لاسيما في صموده غير المسبوق في وجه العواصف التي زعزعت الكيانات في العالم العربي.