نقطة النهاية. كل "القصص الممنوعة" باتت مفضوحة. هل كان ضروريا كل هذا الالتفاف والدوران؟ تارة حول الملك وتارة حول الرئيس الفرنسي وأُخَرٌ حول جنرالات الجزائر وصحافيين وحقوقيين (بهويات مزيفة)، قبل ان تصل بنا القصص المفتعلة حول تجسس المغرب إلى محطتها الأخيرة؛ عبد اللطيف الحموشي المدير العام لجهاز الاستخبارات الداخلية يتصدر صفحات ونشرات الإعلام الفرنسي نفسه الذي ظل طيلة الاسبوع الماضي يشن حملته ضد المغرب بادعاءات واتهامات واهية حول امتلاك برنامج تجسس بيغاسوس.. تطلب الأمر كل هذا الوقت والافتراء والزج بأسماء وشخصيات حتى تبدأ الجوقة الفرنسية انشودتها الاخيرة! لم يتأخر الأمر كثيرا. وسرعان ما نفذ صبر الإعلام الفرنسي ومن يحركه في الكواليس الاستخباراتية، وبدأ ينسج الروايات عن الحموشي وأصبحت كل "القصص مباحة" حول هذا الرجل. يرويها تارة صحافيون وتارة أخرى أبواق جاهزة لفعل الكلام. منذ البداية، لم يكن خافيا داخل دوائر الدولة أن المستهدَف الحقيقي من كل هذه الضجة ضد المغرب هو شخص عبد اللطيف الحموشي؛ في ولاءه: حينما اختبروا ثقة الملك فيه بادعاء وجود هاتف الملك وأفراد من عائلته ومحيطه ضمن قائمة بيغاسوس. وفي وطنيته: بادعاء التجسس على المغاربة. وفي مهنيته: عبر هذا الجمع المقصود (في الكتابات الصحفية الفرنسية) بين صلاحياته كمدير لمديرية مراقبة التراب الوطني (جهاز مخابرات داخلية) وصلاحيات الاستخبارات الخارجية التي يتولاها جهاز آخر ليس من اختصاصاته. التحامل على شخص عبد اللطيف الحموشي هو تحامل على أمن المغاربة. ومحاولة لضرب الجدار الأول الذي بنته المملكة بفضل التحولات التي عرفها العقل الامني المغربي وشراكاته الواسعة مع بلدان ذات تقاليد راسخة في العمل الاستخباراتي. بفضل المقاربة الامنية المغربية تحولت المملكة الى واجهة لتصدير استراتيجيات مكافحة الارهاب والتعاطي مع العنف المتطرف، العرض الأمني شكل واجهة لبناء صورة المغرب بوصفه شريك ذو مصداقية لدى اجهزة الاستخبارات العالمية، وعبر هذه الشراكة نجح المغرب في اختراق أسواق اقتصادية واستمالة مواقف سياسية لصالح قضايا وطنية ومصالح عليا للبلاد، فعبر الشراكات الأمنية شكل المغرب نموذجه الخاص به في محيط جيوستراتيجي مضطرب وسط "مركب أمني جهوي" مليء بالتحديات في الساحل كما في الضفة المتوسطية. العقدة الفرنسية من التفوق الأمني المغربي، لم تعد خافية على أحد . وسلوكات أجهزة الأمن الفرنسي تفضح هذه العقدة كل يوم. تارة باختلاق قصص وتسريبها عبر صحافتها وعبر وكلائها في المغرب عن القيادة الأمنية، وتارة بالاختباء وراء تعليمات القضاء (في ملفات مصطنعة) لابتزاز الدولة في شكل رسائل مشفرة إلى من يهمه الامر. يمكن أن نسوق هنا نماذج كثيرة حول "لعبة المخابرات الفرنسية"؛ في سنة 2014 استدعى القضاء الفرنسي عبد اللطيف الحموشي بالتزامن مع جولة ملكية ناجحة في افريقيا، استدعاء لم يراعي لا الاعراف ولا القنوات الدبلوماسية ولا اتفاقيات التعاون القضائي الثنائي. كان الغرض هو التشويش على الجولة الملكية وأفضل وسيلة، في التقدير الاستخباراتي الفرنسي، هو استهداف رجل ثقة الملك عبد اللطيف الحموشي. فهِم الجميع مما كانوا رفقة الملك، في جولته بافريقيا، الرسالة، لكن الرد المغربي جاء قاسيًا وأكثر من تقديرات الأجهزة الفرنسية. فأصبح الحموشي منذ يومها مرهوب الجانب في فرنسا (حسب تعبير موقع ميديابارت نفسه الذي يشن حملة ضد المغرب في ادعاءات التجسس). النموذج الثاني للعقدة الفرنسية تكمن إخفاء مسؤولين فرنسيين ووسائل الاعلام هناك، حقيقة التعاون/ الدعم المغربي لباريس في مجال مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة. فبخلاف اسبانيا مثلا نهجت السلطات الامنية الفرنسية نهج التضليل في الإخبار عن العمليات الأمنية المشتركة في مجال مكافحة الارهاب. في ابريل الماضي أجهضت المصالح الأمنية الفرنسية ضواحي مونبولييه عملية انتحارية كانت إحدى السيدات تستعد للقيام بها ضد كنيسة في منطقة "بيزييه" لصالح تنظيم الدولة الاسلامية. بفضل المعلومات التي وفرتها الاستخبارات المغربية لنظيرتها الفرنسية تم تحييد الخطر الارهابي واعتقال المتهمة قبل ساعات فقط من التنفيذ. لم تفصح الداخلية الفرنسية عن المساهمة المغربية ودورها الحاسم في إفشال المخطط، وتطلب الأمر أسبوعا بالكامل قبل ان يتحدث عن ذلك وزير الخارجية الفرنسية جون ايف لودريون في مكالمة هاتفية مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، ورغم ذلك لم يشر بلاغ الخارجية الفرنسية صراحة إلى هذا الاعتراف! هذه العقدة تعودتها المصالح الأمنية المغربية ، وربما هذا سبب اخر على استهداف قيادتها من قبل الصحافة الفرنسية. النموذج الثالث؛ ان العديد من العمليات الأمنية الخاصة بحجز شحنات المخدرات المهربة الى السواحل الفرنسية جاءت بناء على معلومات وفرتها المصالح المغربية في اطار اتفاقيات التعاون واجراءات "التسليم المراقب". غير أن تسويقها في الاعلام الفرنسي يركز، بشكل مقصود، على ان الشحنة قادمة من المغرب دون ذكر ان حجزها كان بناء على معلومات قدمها المغرب، كدائما. وحتى حينما علم العالم بأسره ان المخابرات المغربية هي من حددت مكان تواجد المنفذ الرئيسي لهجمات باريس سنة 2015، المسمى عبد الحميد أباعوض، في ضواحي العاصمة الفرنسية. سربت جهات فرنسية إلى الإعلام ان جهاز المخابرات الخارجية المغربية (لادجيد) هو من وفر المعلومات للفرنسيين. فكانت محاولة لافتعال "صراع الاجهزة" داخل المصالح الأمنية المغربية في وقت تحدث العالم برمته عن دور جهاز "الديستي" المغرب في تجنيب الشعب الفرنسي حمام دامٍ. ضمن هذا السياق القديم يبدو استهداف مدير عام الامن عبد اللطيف الحموشي لا حدث لأنه لا يحمل جديدا. وان استهداف شخصه قصة اخرى من القصص المفضوحة ترويها لنا هذه المرة منظمة أمنيستي بإخراج من "فوربيدن ستوريس". لا شك أن كل القصص باتت مكشوفة الآن. وأن الجهات التي تقف وراءها سرعان ما فضحت نفسها بسبب سوء التقدير، لكن يبقى على المغرب ان يركز على التحولات الجارية في محيطه.