نشرت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج مساهمتها في أشغال اللجنة المكلفة بإعداد النموذج التنموي الجديد، والتي تبتغي من خلالها طرح تصورها حول ما ينبغي أن يكون عليه النموذج التنموي الجديد في شقه المتعلق بالسجون، كما تسلط الضوء على أهم الإكراهات التي تعيق جهود إصلاح نظام السجون على المستوى الجنائي والمالي والتنظيمي والاجتماعي؛ واستعرضت أيضا تصورها لسجون الغد وسبل إدراجها في النموذج التنموي الجديد. إكراهات مرتبطة بالسياسة الجنائية وبالتنظيم والميزانية المخصصة من بين أهم الإكراهات التي تواجهها المندوبية يبرز الاكتظاظ الذي يعد أحد أبرز المشاكل المزمنة التي تعاني منها السجون المغربية، وهو ناتج أساسا عن الزيادة المستمرة في عدد نزلاء السجون، حيث ارتفع هذا الأخير من 74.039 إلى 86.384 سجينا بين سنتي 2015 و2019، أي بمعدل زيادة 16.67 بالمائة. وذكرت المساهمة التي توصل "برلمان.كوم" بنسخة منها، أن مشكل الاكتظاظ يعيق تنفيذ البرامج المتعلقة بأنسنة ظروف الاعتقال والتنفيذ الأمثل لبرامج إعادة تأهيل السجناء، كما يزيد من حدة هذه التداعيات استقرار الاعتمادات المالية السنوية المرصودة لقطاع السجون. وتواجه المندوبية إكراهات مرتبطة بالصفة شبه الحكومية التي تميزها، بحيث أنها لا تمنحها قدرا كافيا من الصلاحيات لجعل القطاعات المعنية بالشأن السجني، تلتزم ببرامجها الإصلاحية تجاه الساكنة السجنية، والتي تظل مسؤولية مشتركة بين الجميع. ويتجلى ذلك بوضوح في ضعف تفاعل القطاعات التي تتشكل منها اللجنة المشتركة بين الوزارات. وأفاد المصدر أن استقلالية المندوبية العامة تبقى أمرا نسبيا، ذلك أنها تتحمل مسؤولية تنفيذ مقررات الاعتقال التي تصدرها السلطات القضائية بصرف النظر عن واقع المؤسسات السجنية. مشيرا في اتجاه آخر إلى أن المندوبية تواجه إكراهات مرتبطة بالموارد البشرية، الأمر الذي قد يحول دون التركيز على الجوانب النفسية والعقلية للسجين وتعزيز رغبته في الاندماج في المجتمع بعد الإفراج عنه. تصور المندوبية العامة لسجون الغد وسبل إدراجها في نموذج التنمية الجديد وفي سياق الحلول التي قدمتها المندوبية للنهوض بالمجتمع السجني، أبرزت أن التصدي لإشكالية الاكتظاظ يجب أن يتم في إطار سياسة عقابية واضحة المعالم. وعلى الرغم من الضرورة الملحة التي يكتسيها الاعتقال الاحتياطي في بعض الحالات، إلا أن السلطات القضائية مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى مضاعفة الجهود من أجل ترشيد اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي، فلا بد من أن يكون التهديد حقيقيا وفوريا من أجل إقرار حرمان شخص ما من حريته، كما يجب وضع حد فاصل بين قرينة البراءة والتي تضمن حرية الأشخاص واللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي، مع ربط هذا الأخير بمدة تكون غير قابلة للتمديد، ينبغي بعد انقضائها البت في القضية كما هي، وإلا وجب إخلاء سبيل المتهم. وفي سياق آخر قالت الوثيقة، إن طبيعة المهام الموكلة لقطاع إدارة السجون والطابع العرضي لعمله، يستدعي إعادة النظر في موقعه الحالي في أفق توسيع صلاحياته على مستوى التسيير بما يكفل لها استقلالية أكبر في اتخاذ القرارات. كما أن إصدار قوانين بشأن تحديد مساهمة القطاعات الحكومية كفيل بتعزيز عمل قطاع السجون. وفيما يتعلق بالبرامج التأهيلية، دعت المندوبية إلى إعادة النظر في السبل التي يتم وفقها تنفيذها من طرف القطاعات الوصية بالمؤسسات السجنية، علما بأن هذه الأخيرة تعاني من إكراهات عدة على مستوى التنسيق والتأطير، ويتعلق الأمر خاصة ببرامج التعليم والتكوين المهني ومحو الأمية. ولذلك، ينبغي الإجابةعن السؤال التالي: هل من الأجدر أن تتحمل السجون المسؤولية الكاملة عن تنفيذ هذه البرامج من حيث الموارد البشرية والمادية أم أنه من الضروري تطوير الأساليب الحالية لتحقيق المزيد من الفعالية في الأداء؟ وفي سياق مغاير أبرزت المندوبية أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص تعد آلية هامة لتخفيف العبء عن خزينة الدولة والحصول على خدمات عالية الجودة، مع ضمان التمويل اللازم وتنفيذ المشاريع المبرمجة من طرف شركاء القطاع الخاص. وفيما يتعلق بالموارد البشرية أكدت أن تعزيزها يعد ذو أهمية بالغة، مما سيتيح تحسين نسبة التأطير والتكيف بشكل أفضل مع تطور المهام الموكلة إلى المؤسسات السجنية، حيث تعتبر تنمية المهارات عنصرا أساسيا في تحسين أداء الإدارة، مما يستوجب تعزيز الجانب المتعلق بالتكوين. وينبغي كذلك إعادة النظر في التعويضات الممنوحة لموظفي السجون، من أجل رفع الحيف الذي يطالهم، وذلك من خلال مماثلة أجورهم مع باقي القطاعات التي لها نفس طبيعة المهام وتمكينهم من التعويض عن السكن، وهو ما من شأنه جذب الكفاءات والاحتفاظ بها.