رئيس منتدى تشويسول إفريقيا للأعمال: المغرب فاعل رئيسي في تطوير الاستثمارات بإفريقيا    رويترز: قوات إسرائيلية تنزل في بلدة ساحلية لبنانية وتعتقل شخصا    مسؤول سابق في منصة "تويتر" يهزم ماسك أمام القضاء    فيضانات إسبانيا تصل إلى 207 قتلى    حزب الله يقصف الاستخبارات الإسرائيلية    المغرب يحبط 49 ألف محاولة للهجرة غير النظامية في ظرف 9 شهور    "سيول فالنسيا" تسلب حياة مغربيين    هلال: قرار مجلس الأمن يعتبر مخطط الحكم الذاتي "الأساس الوحيد والأوحد" لتسوية قضية الصحراء المغربية    أسعار السردين ترتفع من جديد بالأسواق المغربية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    تكريم بسيدي قاسم يُسعد نجاة الوافي        ساعف: نعيش سياقا إقليميا ودوليا مفتوحا على كل الاحتمالات و"الدولة" عادت بقوة    نقابة إصلاح الإدارة تنضم لرافضي "مشروع قانون الإضراب"    مطار الناظور العروي: أزيد من 815 ألف مسافر عند متم شتنبر    بسبب غرامات الضمان الاجتماعي.. أرباب المقاهي والمطاعم يخرجون للاحتجاج    المغرب يزيد صادرات "الفلفل الحلو"    هيئة: 110 مظاهرة ب 56 مدينة مغربية في جمعة "طوفان الأقصى" ال 56    الأمم المتحدة: الوضع بشمال غزة "كارثي" والجميع معرض لخطر الموت الوشيك    نيمار يغيب عن مباراتي البرازيل أمام فنزويلا وأوروغواي    صدور أحكام بسجن المضاربين في الدقيق المدعم بالناظور    شاب يفقد حياته في حادث سير مروع بمنحدر بإقليم الحسيمة    اعتقال عاملان بمستشفى قاما بسرقة ساعة "روليكس" من ضحية حادث سير    بهذه الطريقة سيتم القضاء على شغب الجماهير … حتى اللفظي منه        أنيس بلافريج يكتب: فلسطين.. الخط الفاصل بين النظامين العالميين القديم والجديد    الجمعية المغربية للنقل الطرقي عبر القارات تعلق إضرابها.. وتعبر عن شكرها للتضامن الكبير للنقابات والجمعيات المهنية وتدخلات عامل إقليم الفحص أنجرة    ارتفاع تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج مقارنة بالسنة الماضية    وزارة الشباب والثقافة والتواصل تطلق البرنامج التدريبي "صانع ألعاب الفيديو"    الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة طنجة تطوان الحسيمة تحصد 6 ميداليات في الجمنزياد العالمي المدرسي    فليك يضع شرطا لبيع أراوخو … فما رأي مسؤولي البارصا … !    نظرة على قوة هجوم برشلونة هذا الموسم    هذه مستجدات إصلاح الضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة    فتح باب الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية الوطنية    الأسبوع الوطني التاسع للماء..تسليط الضوء على تجربة المغرب الرائدة في التدبير المندمج للمياه بأبيدجان    بدون دبلوم .. الحكومة تعترف بمهارات غير المتعلمين وتقرر إدماجهم بسوق الشغل    "الشجرة التي تخفي الغابة..إلياس سلفاتي يعود لطنجة بمعرض يحاكي الطبيعة والحلم    مركز يديره عبد الله ساعف يوقف الشراكة مع مؤسسة ألمانية بسبب تداعيات الحرب على غزة    قمة متكافئة بين سطاد المغربي ويوسفية برشيد المنبعث    الفيضانات تتسبب في إلغاء جائزة فالنسيا الكبرى للموتو جي بي    الحكومة تقترح 14 مليار درهم لتنزيل خارطة التشغيل ضمن مشروع قانون المالية    "تسريب وثائق حماس".. الكشف عن مشتبه به و"تورط" محتمل لنتيناهو    مناخ الأعمال في الصناعة يعتبر "عاديا" بالنسبة ل72% من المقاولات (بنك المغرب)    "البذلة السوداء" تغيب عن المحاكم.. التصعيد يشل الجلسات وصناديق الأداء    الأميرة للا حسناء تدشن بقطر الجناح المغربي "دار المغرب"    منْ كَازا لمَرْسَايْ ! (من رواية لم تبدأ ولم تكتمل)    اختتام الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي النسخة 45    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    الأشعري يناقش الأدب والتغيير في الدرس الافتتاحي لصالون النبوغ المغربي بطنجة    "ماكدونالدز" تواجه أزمة صحية .. شرائح البصل وراء حالات التسمم    دراسة: الفئران الأفريقية تستخدم في مكافحة تهريب الحيوانات    دراسة: اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان    ثمانية ملايين مصاب بالسل في أعلى عدد منذ بدء الرصد العالمي    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشأن السجني وسجون الغد مساهمة المندوبية العامة في أشغال اللجنة المكلفة بإعداد النموذج التنموي الجديد
نشر في فبراير يوم 19 - 08 - 2020

عمدت المندوبية العامة لإدارة السجون، إلى إعداد ورقة تحت عنوان " الشأن السجني وسجون الغد، مساهمة المندوبية العامة في أشغال اللجنة المكلفة بإعداد النموذج التنموي الجديد".
وتناولت الورقة المذكورة الإكراهات التي يواجهها قطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج على مستويات عدة من جهة، ومن جهة أخرى، مقترحات المندوبية العامة حول سبل معالجة هذه الإكراهات وتصورها بشأن سجون الغد وكيف يمكن إدراجها في النموذج التنموي الجديد.
وتأتي هذه المبادرة التفاعلية كخطوة سابقة للمساهمات التي سيعمل نزلاء المؤسسات السجنية على تقديمها في هذا الموضوع بناء على الاستشارة التي تم إطلاقها مؤخرا لفائدتهم من طرف اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، حيث ستسهر لجنة مختصة على اختيار أفضل المساهمات ونشرها في مجلة "دفاتر السجين" التي تنشرها المندوبية العامة.
خضع الإطار القانوني والمؤسساتي للمملكة خلال العقدين الأخيرين للعديد من الإصلاحات الجوهرية، وبفضل الرعاية المولوية الخاصة التي ما فتئ يوليها الملك محمد السادس لقطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج، فقد شهد هذا الأخير تحولا جذريا تجلى بالأساس في تعزيز ترسانته القانونية وتحديث إدارته.
وقد سجل القانون رقم 98/23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، والذي دخل حيز التنفيذ سنة 1999، قفزة نوعية في مجال تسيير السجون وذلك من خلال إقرار الحقوق الأساسية للسجناء واعتماد القواعد الدنيا لمعاملة السجناء ومناهضة العنف والتعذيب والممارسات المماثلة، وإرساء قواعد السلوك لموظفي القطاع.
تم إنشاء مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء سنة 2002 تنفيذا لاستراتيجية الملك محمد السادس الرامية إلى توفير الدعم والمواكبة لفائدة السجناء المفرج عنهم – علما أن المهمة الرئيسية لإدارة السجون تقتصر على تأهيل السجناء لإعادة الإدماج. ولأن الصلاحيات المخولة لمؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء تهم بالأساس مرحلة ما بعد الإفراج، فإن هذه المؤسسة تعتبر طرفا فاعلا وشريكا رئيسيا للمندوبية العامة من خلال التعاون والتنسيق في مجال إعادة إدماج السجناء المفرج عنهم.
وقد عبر الملك في الخطاب الملكي السامي الذي ألقاه يوم 29 يناير 2003 بأكادير بمناسبة افتتاح السنة القضائية عن "الرعاية الشاملة التي يوليها للبعد الاجتماعي في مجال العدالة (والذي) لا يستكمل إلا بما يوفره من الكرامة الإنسانية للمواطنين السجناء التي لا تجردهم منها الأحكام القضائية السالبة للحرية ".
تم إحداث المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج سنة 2008، بعد أن كانت تابعة لوزارة العدل. وانسجاما مع التوجيهات الملكية بشأن أنسنة ظروف الاعتقال، تعمل المندوبية العامة جاهدة، بفضل استقلاليتها، على تحديث طريقة عملها بسجون المملكة كجزء من استراتيجية متكاملة تنتهجها المؤسسات السجنية التي تسهر على تسييرها.
وقد حث الملك من خلال توجيهاته السامية سنة 2011 كذلك على بناء "مركبات سجنية مدنية وفلاحية بمعايير حديثة"، فضلاً عن نقل السجون المتهالكة المتواجدة بالمناطق الحضرية إلى مناطق شبه حضرية.
أولا- السياق العام:
تضطلع المؤسسات السجنية بمهمة مزدوجة، حيث تسهر على تنفيذ الأحكام السالبة للحرية، وذلك بتحقيق التوازن بين العقوبة وردع الجانحين وبين تأهيلهم لإعادة الإدماج لتمكينهم من عيش حياة مسؤولة وللحيلولة دون معاودة ارتكابهم للجرائم.
وتستوجب المهمة المزدوجة التي تضطلع بها السجون من هذه الأخيرة السهر على تكريس احترام حقوق وكرامة السجناء، باعتبارهم أشخاصا كاملي المواطنة يتمتعون بالحقوق التي يكفلها لهم القانون، بما في ذلك الحق في التنمية.[1]
ويعتبر هذا الحق تجسيدا صريحا للسياسات العمومية، والتي تشكل سياسات إعادة الإدماج ملمحا أساسيا من الملامح التي يكتسيها بعدها الاجتماعي، وذلك بغض النظر عن الفئة المستهدفة. ومما لا شك فيه أن تنزيل هذه السياسات على أرض الواقع وتكييفها بشكل يستجيب لحاجيات السجناء، سينعكس إيجابا على إعادة الإدماج الاجتماعي للسجناء بعد الإفراج.
إن إشراك السجناء في التنمية لا يقتضي التهيئ لإعادة الإدماج فحسب، بل يستلزم أيضًا تمتيعهم بشكل كامل من حقوق الإنسان العالمية، والتي تعتبر لبنة أساسية لأية سياسة تنموية.
ومع ذلك، فإن استدامة المكاسب التي حققها قطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج بالنظر إلى التحديات المرتبطة بالتغيرات التي تشهدها المملكة بشكل عام والإكراهات التي يعاني منها هذا القطاع على وجه الخصوص، تسائل قصور المقاربة الحالية وتبرز ضرورة مباشرة المزيد من الإصلاحات تروم تحقيق رؤية تتماشى مع نموذج التنمية الجديد الذي تنشده بلادنا.
وفي هذا الصدد، تتوخى المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج من خلال الجزء الأول من هذه الورقة طرح تصورها حول ما ينبغي أن يكون عليه النموذج التنموي الجديد في شقه المتعلق بالسجون، كما تسلط الضوء على أهم الإكراهات التي تعيق جهود إصلاح نظام السجون على المستوى الجنائي والمالي والتنظيمي والاجتماعي؛ بينما يستعرض جزؤها الثاني تصور المندوبية العامة لسجون الغد وسبل إدراجها في النموذج التنموي الجديد.
ثانيا – الإكراهات القائمة:
1 – إكراهات مرتبطة بالسياسة الجنائية :
يعد الاكتظاظ أحد أبرز المشاكل المزمنة التي تعاني منها السجون المغربية، وهو ناتج أساسا عن الزيادة المستمرة في عدد نزلاء السجون، حيث ارتفع هذا الأخير من 74.039 إلى 86.384 سجينا بين سنتي 2015 و 2019 ، أي بمعدل زيادة 16.67٪.
ويكفي أن المغرب قد سجل سنة 2019 معدل اعتقال بنسبة 0.23٪ [2]، وهي نسبة لا تزال من بين أعلى المعدلات في العالم.
ويرجع الاكتظاظ في السجون بالأساس إلى الزيادة في عدد المعتقلين، لكنه يبقى مرتبط أيضًا ب:
– اللجوء المفرط للاعتقال الاحتياطي، والذي هو استثناء يكاد أن يكون قاعدة عامة، ذلك أن جنحا بسيطة يمكن أن تكون أيضا وراء الاحتفاظ بالمتهم في إطار الاعتقال الاحتياطي، ويتضح ذلك من خلال العدد الكبير للأحكام القاضية بالبراءة والعقوبات بالغرامات أو مع وقف التنفيذ[3]؛
– كثرة الأحكام بالمدد القصيرة[4]، وهو توجه ينعكس سلبا على عملية إعادة تأهيل السجناء لإعادة إدماجهم الاجتماعي، فغالبًا ما تتكون فئة المحكومين بهذه المدد من ذوي السوابق والمتابعين من أجل جرائم صغرى وهي فئة لا يكون للسجن أي تأثير ردعي عليها. وبالتالي، يبقى من الصعب إعداد برامج تأهيلي أو إصلاحي خاص بها.
– غياب عقوبات بديلة للسجن. ويتضمن مشروع القانون 73.15 المعدل والمكمل للقانون الجنائي أحكاماً جديدة تروم إصدار عقوبات بديلة للعقوبات السالبة للحرية بالنسبة للجرائم التي يعاقب عليها بالسجن لمدة تقل عن سنتين؛ غير أن هذا المشروع لم يدخل بعد حيز التنفيذ.
ولمواجهة آفة الاكتظاظ وتحسين ظروف الاعتقال، يتم اللجوء إلى توسيع حظيرة السجون ببناء مؤسسات جديدة بمعايير حديثة، غير أن فعالية هذا الإجراء تبقى غير كافية أمام التزايد المهول لعدد السجناء[1] إعلان الحق في التنمية الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1986.
[2] عدد المعتقلين / العدد التقديري للسكان.
[3] بلغ عدد السجناء الذين لم تصدر في حقهم أحكام نهائية سنة 2019، حوالي 40٪ من نزلاء السجون، بينما شكلت عدد أحكام البراءة والغرامة أو وقف التنفيذ نسبة 11٪ من أسباب الإفراج
[4] 51٪من النزلاء محكوم عليهم بالسجن لمدد تقل عن سنتين (المصدر: تقرير أنشطة العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج لسنة 2019).
وتجدر الإشارة إلى أن مشكل الاكتظاظ يعيق تنفيذ البرامج المتعلقة بأنسنة ظروف الاعتقال والتنفيذ الأمثل لبرامج إعادة تأهيل السجناء. كما يزيد من حدة هذه التداعيات استقرار الاعتمادات المالية السنوية المرصودة لقطاع السجون.
1. إكراهات ذات طبيعة تنظيمية ومالية
وضع قطاع السجون وإعادة الإدماج: استقلالية غير كاملة
تم إنشاء المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج في 29 أبريل 2008، حيث أصبحت منذئذ مستقلة عن وزارة العدل وتابعة مباشرة لرئاسة الحكومة.
ولا شك أن استقلالية قطاع السجون وإعادة الإدماج كان له أثر إيجابي على تحديث القطاع وتحسين صورة المملكة على المستوى الدولي، كما كان له دور بارز على مستوى التدبير واتخاذ القرار، وكذا تكريس حقوق المعتقلين من خلال تعزيز الرقابة الإدارية والقضائية. من ناحية أخرى، فإن الطابع الأمني للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج يستدعي اليوم التفكير في مدى ملاءمة هذا الوضع المؤسساتي.
كما أن الصفة شبه الحكومية التي تميز المندوبية العامة لا تمنحها قدرا كافيا من الصلاحيات لجعل القطاعات المعنية بالشأن السجني تلتزم ببرامجها الإصلاحية تجاه الساكنة السجنية، والتي تظل مسؤولية مشتركة بين الجميع. ويتجلى ذلك بوضوح في ضعف تفاعل القطاعات التي تتشكل منها اللجنة المشتركة بين الوزارات[1].
وتبقى استقلالية المندوبية العامة أمرا نسبيا، ذلك أنها تتحمل مسؤولية تنفيذ مقررات الاعتقال التي تصدرها السلطات القضائية بصرف النظر عن واقع المؤسسات السجنية.
تمويل مشاريع قطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج: معضلة حقيقية
تنص مشاريع قوانين المالية على تخصيص اعتمادات مالية سنوية مباشرة لقطاع السجون، وذلك منذ إلحاق هذا الأخير برئاسة الحكومة. إلا أن الاعتمادات المرصودة لا تواكب الارتفاع المضطرد لعدد المعتقلين والمشاريع الإصلاحية التي انخرطت فيها المندوبية العامة، لا سيما فيما يخص أنسنة ظروف الاعتقال وتعزيز برامج التهييء لإعادة الإدماج[2]. إن الرغبة في مواصلة تنفيذ هذه المشاريع الإصلاحية والاجتماعية تصطدم بضعف الميزانية.
وما يزيد من حدة هذه الإكراهات المالية الاحتياجات الأمنية المرتبطة برعاية فئات خاصة من المعتقلين لا سيما أولئك المحكومين بموجب القوانين الخاصة (التطرف والإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للقارات والجرائم الإلكترونية والاتجار بالمخدرات وما إلى ذلك) وكذا الاحتياجات الخاصة لكل سجين، وفقًا لمبدأ تفريد العقوبة على مستوى التنفيذ.
الموارد البشرية: عدد محدود من الموظفين بمهام ثقيلة
لا تقتصر أوجه القصور المذكورة أعلاه على ميزانية الاستثمار، ولكنها تؤثر كذلك على المناصب المالية المخصصة سنويًا لقطاع السجون، في الوقت الذي تبذل فيه جهود كبيرة لتحسين نسبة تأطير الساكنة السجنية التي تعرف ازديادا مضطردا، طبقا للمعايير الدولية المتعارف عليها في هذا الشأن، أي حارسا واحدا لكل ثلاثة سجناء. ولم تتجاوز هذه النسبة على المستوى الوطني سنة 2019 نسبة حارس واحد لكل 14 سجينًا[3]، مع العلم أن هذا المتوسط يخفي مفارقات حسب المؤسسات السجنية وكذا أوقات العمل.
في نفس السياق، يبقى موظفو السجون في حاجة إلى التحفيز بالنظر إلى عدم التلاؤم بين التعويضات الممنوحة لهم وطبيعة المهام الموكلة إليهم وكذا حجم المخاطر التي يتعرضون لها.
1. إكراهات ذات طابع اجتماعي:
تهيئ المعتقلين لإعادة الإدماج: ضرورة تكثيف الجهود
ولضمان أثره الإصلاحي، يتطلب تنفيذ العقوبة التعامل مع السجناء وفق مبدأ التفريد. ولا يقتصر الأمر فقط على أنسنة ظروف الإيواء وإنما يتوجب التركيز أيضا على الجوانب النفسية والعقلية للسجين وتعزيز رغبته في الاندماج في المجتمع بعد الإفراج عنه.
ويرتكز التهيئ لإعادة الإدماج في المغرب حاليا على أنشطة وبرامج متعددة ومتنوعة، غير أن هذه الأخيرة تعاني من ضعف مشاركة الفاعلين المؤسساتيين المعنيين بهذا القطاع. ويبقى احتمال العودة للجريمة أمرا واردا في ظل انعدام سياسة وطنية واضحة المعالم في هذا الشأن وغياب تدابير كافية من شأنها تعزيز برامج إعادة الإدماج والنهوض بها.
ويجدر الذكر أيضا أن مساءلة الرأي العام للمؤسسات السجنية بخصوص إعادة تأهيل السجناء أمر لا أساس له، ذلك أن السجناء هم في الأصل نتاج سياسات عمومية فاشلة.
وتشكل الأحكام قصيرة الأمد عقبة حقيقية أمام بلورة برامج لإعادة إدماج السجناء، فأكثر ما يبقي المعتقلين في حالة ترقب خلال فترة الاعتقال الاحتياطي[4] هو مآل القضايا المتابعين بشأنها، وهو ما يفسر عزوفهم عن المشاركة في برامج إعادة الإدماج، كما يبقى انخراطهم في هذه البرامج رهينا بتوفر الإرادة لديهم لفعل ذلك.
إعادة الإدماج بعد الإفراج: مهمة تم التقليل من شأنها
لا تكتسي عملية إدماج السجناء المفرج عنهم بالضرورة طابعا شموليا، ذلك أن الطابع بين الوزاري غائب عن سياسات إعادة الإدماج، وهو ما من شأنه أن يعيق تنزيل هذه السياسات على النحو المرغوب فيه.
وتبذل مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء جهوداً قيمة في مجال الرعاية اللاحقة للسجناء، حيث قامت بإحداث نظام لإعادة الإدماج الاجتماعي والمهني يروم دعم السجناء السابقين ومواكبتهم عن طريق توفير فرص للشغل لفائدتهم سواء داخل القطاع الخاص أو عن طريق دعمهم في إنجاز مشاريع صغرى مدرة للدخل.
غير أن الإحصائيات المتعلقة بالمستفيدين من البرامج الإدماجية مقارنة بعدد المعتقلين المفرج عنهم سنويًا تعكس نقصا في هذا الخصوص ، مما يستدعي إضفاء الطابع المؤسساتي على الرعاية اللاحقة دعما لجهود المؤسسة فيما يتعلق بمواكبة وتتبع السجناء المفرج عنهم أثناء إعادة إدماجهم الاجتماعي، بما يساعد في الحد من حالات العود.
السجل العدلي: قطيعة بين خطاب إعادة الإدماج والواقع القانوني
لا شك أن التشغيل له دور بارز في إعادة الإدماج الاجتماعي للسجناء، إلا أن السجل العدلي يؤدي في بعض الحالات إلى عرقلة مسار هذه العملية، وذلك بسبب مساهمته في التقليص من فرص تشغيل السجناء المفرج عنهم. فعلى الرغم مما تكتسيه هذه الوثيقة من أهمية بالغة في سير نظام العدالة الجنائية، إلا أنها في صيغتها واستخداماتها الحالية بمثابة عقبة حقيقية أمام جميع أنظمة العقوبات عبر العالم، كما تعكس قطيعة بين خطاب إعادة الإدماج والواقع القانوني.
السجناء السابقون والرأي العام: الأحكام المسبقة تعيق إعادة الإدماج الاجتماعي
يستفيد النزلاء داخل السجن من برامج كثيرة ومتنوعة لإعادة الإدماج، لكن معظمهم، وبمجرد الإفراج عنه، يعاني من نظرة المجتمع له مما يخلق لديه الرغبة في العودة إلى السجن من جديد، ومن هنا تبرز أهمية تعزيز دور وسائل الإعلام والمجتمع المدني في توجيه وتنوير الرأي العام من أجل تصحيح الصورة المغلوطة عن السجن والسجناء.
ثالثاً– تصور المندوبية العامة لسجون الغد وسبل إدراجها في نموذج التنمية الجديد
مكافحة الجريمة لوقف الارتفاع المستمر في عدد السجناء
من المعلوم أن المفهومين الماكرو-اقتصاديين المرتبطين بنظريات علم الجريمة هما الفقر وعدم المساواة، حيث أن ارتكاب الجرائم، حسب هذه النظريات، يعزى في الغالب إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية. ويقتضي التصدي للجريمة بلورة سياسة تعليمية أكثر نجاعة تروم تكوين جيل متعلم واعٍ بحقوقه وواجباته، يتصف بالمواطنة واحترام القانون. كما ينبغي تنويع برامج التكوين المهني ضمانا للمزيد من الاحترافية في هذا المجال، وذلك حتى تتمكن الفئات الشابة من الاستفادة من هذه البرامج بشكل يجعلهم قادرين على صقل مواهبهم وتنمية روح المقاولة لديهم استعدادا لولوج سوق الشغل. وموازاة مع ذلك، يتم وضع سياسة تأهيل مهني لفائدة السجناء الذين لم يتمكنوا من مواصلة تعليمهم والحرص على تشجيع الاستثمارات الخاصة والمقاولات الصغرى والمتوسطة من أجل خلق فرص شغل كافية ومناسبة قادرة على امتصاص البطالة والقضاء على الفقر، بالإضافة إلى تحسين القطاع الصحي من أجل تكوين جيل يتمتع بصحة جيدة حتى يكون قادرا على المساهمة في تنمية البلاد.
السياسة الجنائية: ضرورة تكثيف الجهود للتصدي للاكتظاظ بالسجون
إن التصدي لإشكالية الاكتظاظ رهين بمعالجة المشاكل السالفة الذكر، في إطار سياسة عقابية واضحة المعالم. وعلى الرغم من الضرورة الملحة التي يكتسيها الاعتقال الاحتياطي في بعض الحالات، إلا أن السلطات القضائية مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى مضاعفة الجهود من أجل ترشيد اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي. فلا بد من أن يكون التهديد حقيقيا وفوريا من أجل إقرار حرمان شخص ما من حريته، كما يجب وضع حد فاصل بين قرينة البراءة والتي تضمن حرية الأشخاص واللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي، مع ربط هذا الأخير بمدة تكون غير قابلة للتمديد، ينبغي بعد انقضائها البت في القضية كما هي، وإلا وجب إخلاء سبيل المتهم.
كما ينبغي إعادة النظر في العقوبات المفروضة على الجنح والجرائم الصغرى كجزء من نهج متعدد الأبعاد لتقييم الآثار المترتبة عن اعتقال مرتكبي هذه الجرائم، حيث يمكن إلغاء تجريم بعض الجنح الأقل خطورة على المجتمع واستبدالها بتدابير أخرى تروم إعادة التأهيل والتهييء لإعادة الإدماج.
إن مراجعة المعايير التي تنص عليها المقتضيات الجديدة بشأن التدابير البديلة للاعتقال تكتسي أهمية بالغة، حيث ستمكن فئة عريضة من المعتقلين من الاستفادة من هذه التدابير، كما من شأنها أن تساهم في إلغاء العقوبة بالمدد القصيرة كونها لا تشكل رادعا فعالا ضد الجانحين.
ومن شأن هذه الإصلاحات الجنائية المطلوبة بشدة، أن تعزز تعديل قانون 98/23 المنظم للسجون، وهو ورش إصلاحي انخرطت فيها المندوبية العامة قبل سنوات من أجل ضمان حماية أوسع وأكثر فعالية لحقوق السجناء.
الحكامة السجنية: من أجل عمل فعال وشفاف وذي طابع مجالي
إن طبيعة المهام الموكلة لقطاع إدارة السجون والطابع العرضي لعمله يستدعي إعادة النظر في موقعه الحالي في أفق توسيع صلاحياته على مستوى التسيير بما يكفل له استقلالية أكبر في اتخاذ القرارات. كما أن إصدار قوانين بشأن تحديد مساهمة القطاعات الحكومية كفيل بتعزيز عمل قطاع السجون.
وموازاة مع ذلك، ينبغي إعادة النظر في السبل التي يتم وفقها تنفيذ البرامج التأهيلية من طرف القطاعات الوصية بالمؤسسات السجنية، علما بأن هذه الأخيرة تعاني من إكراهات عدة على مستوى التنسيق والتأطير، ويتعلق الأمر خاصة ببرامج التعليم والتكوين المهني ومحو الأمية. ولذلك، ينبغي الإجابة عن السؤال التالي: هل من الأجدر أن تتحمل السجون المسؤولية الكاملة عن تنفيذ هذه البرامج من حيث الموارد البشرية والمادية أم أنه من الضروري تطوير الأساليب الحالية لتحقيق المزيد من الفعالية في الأداء؟
وجدير بالذكر أن العناية بالصحة الجسدية والنفسية للسجناء تثقل كاهل المؤسسات السجنية في الوقت الذي يفترض أن تركز فيه هذه الأخيرة على المهام الملقاة على عاتقها المتمثلة في الأمن والتأهيل لإعادة الإدماج. وبالتالي، فقد حان الوقت للتفكير في مآل الرعاية الصحية المقدمة بالمؤسسات السجنية وإعادة النظر في تبعيتها الإدارية الحالية.
وتنفيذا للتوجيهات الحكومية بشأن اللاتمركز الإداري، فقد قام قطاع السجون منذ سنوات، بإحداث المديريات الجهوية كإجراء هام في إطار مسلسل الإصلاحات الإدارية التي انخرط فيها هذا القطاع[5]. وسيتم تركيز الجهود على مدى السنوات القليلة القادمة على توسيع صلاحيات هذه المديريات وذلك بتمكينها من استقلالية أكبر في التسيير واتخاذ القرارات.
كما يجب تدارس السبل الكفيلة بإدراج البعد المجالي في تسيير الشأن السجني، وذلك من خلال إدراج المؤسسات السجنية في مخططات التنمية سواء على المستوى الجهوي أو الإقليمي أو المحلي، مع مراعاة طبيعة مهام هذه المؤسسات التي تستند إلى محورين أساسيين، أحدهما اجتماعي والآخر أمني. وينبغي أن تشكل هذه الازدواجية في المهام أساساً لأي إصلاح تنظيمي يرتكز على إدراج السجون ضمن اختصاصات الفاعلين المعنيين، وذلك على المستويات الثلاثة للتسيير العمومي، وهو ما من شأنه توفير موارد إضافية للسجون من أجل تخفيف العبء عن ميزانية الدولة.
وينبغي أيضا اعتبار السجن مرفقا عموميا منتم لمجاله الترابي، وذلك على الرغم من غياب نصوص قانونية في هذا الشأن، بالإضافة إلى وجوب تخصيص حيز لقطاع السجون في مخططات التنمية التي تهدف إلى القضاء على الهشاشة الاجتماعية، وذلك على غرار باقي مؤسسات الدولة (المدرسة، المستشفى، إلخ)، حيث يعاني معظم السجناء من هشاشة اجتماعية قبل ولوج السجن متبوعة بهشاشة إضافية عند الإيداع بالمؤسسة السجنية.
وبنفس منطق الحكامة، ينبغي تبني نهج تفكيري يروم استشفاف العوامل الرئيسية التي يتم على أساسها بناء السجون. وحيث أن نشطاء حقوق الإنسان يعتبرون عدد المؤسسات السجنية من المؤشرات التي تعكس السياسة العقابية في بعض البلدان، فإن هذا العدد لا يمكن أن يكون دالا إلا إذا تم الأخذ بعين الاعتبار حجم المؤسسة السجنية وقربها الجغرافي.
يتم بناء السجون في المغرب في الوقت الحاضر بغرض التصدي للعدد المتزايد للساكنة السجنية والاستجابة لمعيار القرب من المرتفقين وكذا من المحاكم، كما تعتبر نوعية المؤسسات السجنية عاملا حاسما في توجيه الخيارات في هذا الباب.
وينبغي منذ الآن، إعادة النظر في المقاربة متعددة الأبعاد المعمول بها حاليا والعمل على تطويرها بهدف تحديد عوامل أخرى يتم على أساسها بناء السجون، وذلك تعزيزا لفعالية العمل السجني.
تمويل مشاريع قطاع السجون: ضرورة توفير موارد مالية إضافية
على مستوى التمويل، قد تكون ميزانية الدولة غير قادرة على الاستجابة على النحو الأمثل لاحتياجات الساكنة السجنية التي يتزايد عددها بشكل مضطرد. ولسد هذا العجز، بات من الضروري إيجاد موارد مالية إضافية من أجل تعزيز ميزانية التسيير والاستثمار الخاصة بقطاع السجون.
فبالإضافة إلى الاعتمادات المالية المرصودة في إطار قانون المالية، ستشكل الشراكة بين القطاعين العام والخاص آلية هامة لتخفيف العبء عن خزينة الدولة والحصول على خدمات عالية الجودة، مع ضمان التمويل اللازم وتنفيذ المشاريع المبرمجة من طرف شركاء القطاع الخاص.
كما يمكن الاقتداء بمجموعة من التجارب الدولية الرائدة للتمويل الذاتي بالاستفادة من جوانبها الإيجابية، حيث ترتكز هذه التجارب على جعل السجن مؤسسة منتجة بفضل تشغيل السجناء. وسيكون لخلق نموذج مغربي أهمية بالغة في تمكين القطاع السجني من التمويل الذاتي، وفي الإعداد الأمثل للسجناء لإعادة الإدماج الاجتماعي والمهني من خلال التشغيل في احترام تام لكرامتهم وحقوقهم الاجتماعية كما تنص على ذلك المقتضيات الجاري بها العمل.
العنصر البشري: حجر الزاوية لأي مشروع إصلاحي
يكتسي تعزيز الموارد البشرية من حيث العدد والكفاءة أهمية بالغة، مما سيتيح تحسين نسبة التأطير والتكيف بشكل أفضل مع تطور المهام الموكلة إلى المؤسسات السجنية، حيث تعتبر تنمية المهارات عنصرا أساسيا في تحسين أداء الإدارة، مما يستوجب تعزيز الجانب المتعلق بالتكوين. وينبغي كذلك إعادة النظر في التعويضات الممنوحة لموظفي السجون، من أجل رفع الحيف الذي يطالهم وذلك من خلال مماثلة أجورهم مع باقي القطاعات التي لها نفس طبيعة المهام وتمكينهم من التعويض عن السكن، وهو ما من شأنه جذب الكفاءات والاحتفاظ بها.
التكفل خلال مرحلة الاعتقال: أنسنة الفضاء السجني ولكن أيضا التهييء لإعادة الإدماج
تلعب ظروف الاعتقال دورًا حاسمًا في تنفيذ مشروع إعادة التأهيل وبالتالي في وضع مسار إعادة الإدماج، حيث أن فعالية البرامج المسطرة رهينة بتحسين ظروف الاعتقال.
ولقد تم إطلاق مشروع أنسنة السجون منذ سنوات وسيتواصل على مدى السنوات القادمة من أجل الاستجابة بشكل أكبر للمعايير المنصوص عليها والمبادئ المتعلقة بالحفاظ على الكرامة الإنسانية للسجناء، وذلك من خلال الرفع من الطاقة الاستيعابية لحظيرة السجون وتعزيز ولوج السجناء للحقوق الأساسية، وهو ما لن يكون سهل التحقيق إلا من خلال تعزيز الموارد البشرية والمادية لقطاع السجون.
وفيما يخص التهيئ لإعادة الإدماج، فإن هناك حاجة ملحة لتعزيز برامج التأهيل لإعادة الإدماج الاجتماعي. وحتى يسير هدف إعادة الإدماج جنبا إلى جنب مع الهدف الأمني، يجب إدراجه في أعلى مستوى ممكن في عمل المنظومة السجنية. ويبقى من الضروري بلورة سياسة واضحة تهدف إلى التصدي لحالات العود وتحدد اختصاصات الجهات المعنية، كما تكتسي صياغة مشروع قانون في مجال إعادة الإدماج أهمية بالغة في غياب إطار قانوني ينظم هذا الجانب.
علاوة على ذلك، يجب تعزيز مهمة إعادة الإدماج في السجن بشكل أكبر من خلال جعل التعليم والتكوين المهني والعمل السجني دعائم حقيقية لإعادة الإدماج. كما أن هناك حاجة ماسة لتعزيز آليات المواكبة لفئات معينة من المعتقلين، لا سيما الأشخاص المدانين في قضايا التطرف والإرهاب. ومن أجل تدبير أمثل لشؤون هذه الفئة من السجناء قبل وبعد الإفراج، يتعين إعداد برامج خاصة لإعادة الإدماج الاجتماعي من أجل تفادي حالات العود، بالإضافة إلى إحداث مركز لمكافحة التطرف يعهد إليه بلورة وتنفيذ هذه البرامج.
إعادة الإدماج من خلال تشغيل السجناء: من أجل فعالية أكبر في التصدي لحالات العود
من شأن التشغيل في الوسط السجني أن يساهم في خفض حالات العود، وبالتالي التقليل من مشكل الاكتظاظ. وينص القانون حاليا على صيغتين من صيغ التشغيل؛ الأولى تتعلق بأعمال الصيانة والأشغال الداخلية حيث أن شروطها ومقتضياتها واضحة، بينما تتعلق الصيغة الثانية بالعمل في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والذي لم تتضح معالمه بعد، وذلك بسبب غياب مقتضيات قانونية تحدد شروط التنفيذ الخاصة به.
في هذا السياق، وجب سد هذا الفراغ القانوني من أجل تكريس العمل السجني كرافعة أساسية للتهيئ لإعادة الإدماج، وقد يتحقق ذلك على أرض الواقع من خلال إحداث وحدات صناعية داخل المؤسسات السجنية في إطار عقود بين القطاعين العام والخاص وعلى أساس المواصفات التي تحدد متطلبات كل طرف مع توفير بعض الضمانات للسجناء العاملين (أجر لائق، تكوين، تعويضات اجتماعية، تقاعد، إلخ.)، كما تمكن هذه العقود من حماية الشركات المتعاقدة مع المؤسسات السجنية. ولكن ينبغي أولا معالجة إشكالية عزوف بعض الشركات عن الاستثمار في مجال العمل السجني بسبب الصورة النمطية للسجون، وهو ما يستدعي إدراج بنود اجتماعية في الصفقات العمومية وعقود تفويض الخدمات العمومية وذلك لفائدة الشركات التي تشغل السجناء.
وينبغي في الوقت ذاته التفكير في اعتماد صيغ أخرى للعمل خارج السجن وفقًا لبرنامج يومي دقيق ومتكامل في إطار نظام مفتوح يتم تحديد إطاره القانوني و طرق وآليات تنفيذه من طرف المشرع.
إن الخدمة من أجل الصالح العام هي شكل آخر من أشكال العمل التي تندرج في إطار العقوبات البديلة، والتي لم يتم المصادقة عليها لحد الآن. ومن شأن هذا النوع من العقوبات توفير تكاليف تدبير شؤون النزلاء وتخفيف العبء عن ميزانية الدولة، على اعتبار أن هذه الخدمة ستتم لفائدة أشخاص اعتباريين أو للجمعيات التي تتمتع بصفة المنفعة العامة.
الرعاية اللاحقة: مسؤولية مشتركة
لا تكتمل استراتيجية مكافحة الجريمة إلا بوضع تدابير فعالة للتصدي لحالات العود. لذا، ينبغي مأسسة مهمة إعادة الإدماج والرعاية اللاحقة على غرار معظم إدارات السجون على المستوى الدولي، وذلك دعما لمصالح المواكبة بعد الإفراج التابعة لمؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء.
ومن أجل مواجهة الإكراهات المرتبطة بالإدماج المهني والناجمة عن خلفية المعتقل السابق، ينبغي إدخال بعض التعديلات على السجل العدلي المعتمد حاليًا للتوفيق بين ضرورات العدالة الجنائية وتلك الخاصة بإعادة التصنيف الاجتماعي، حيث يمكن اعتماد إجراء يروم إعادة التأهيل السريع أو المباشر لفائدة السجناء الذين يبدون استعدادا لتحسين سلوكهم وتكيفهم، كما يمكن اللجوء إلى تقليص استعمال هذه الوثيقة على المحاكم أو السلطة الإدارية المختصة في الحالات التي يحددها القانون.
وبما أن سياسة إدماج السجناء السابقين تندرج بحكم طبيعتها في إطار السياسات الاجتماعية، فإن غايتها الرئيسية اجتماعية صِرْفَة، ولذلك ينبغي تنفيذها على غرار باقي السياسات ذات طابع اجتماعي، شأنها في ذلك شأن السياسات المشتركة بين الوزارات، من أجل إضفاء طابع الشمولية على الإجراءات المتخذة وضمان انسجامها مع الاستراتيجية المحددة والأهداف المسطرة توخيا للمزيد من الفعالية.
ومن أجل تعبئة مؤسسات الدولة على نحو كاف من المسؤولية، ينبغي تدارك غياب آلية مشتركة بين الوزارات موجهة لسياسات الإدماج، والمترتبة أيضا عن ضعف مشاركة الجماعات الترابية.
كما ينبغي اللجوء لوسائل الإعلام بجميع أشكالها لتصحيح الصورة المغلوطة عن السجن والسجناء، وذلك من خلال دعوة الرأي العام والمجتمع المدني على حد سواء لتبني موقف بناء يمكن من دعم ومساعدة السجناء السابقين في التغلب على الوصم الاجتماعي والآثار السلبية المرتبطة بالسجون وكذا العراقيل الكثيرة التي قد يواجهونها في محاولتهم الاندماج في المجتمع.
البحث العلمي في مجال السجون: مسار أكاديمي نحو الارتقاء بمنظومة السجون
إن الوقاية من المخاطر النفسية والاجتماعية والتي تعد من أهم أسباب الانحراف والجنوح تستحق أن تكون موضوعًا حقيقيا للبحث العلمي، حيث أن من شأن البحوث التي تتطرق للقضايا السجنية المساعدة على تشخيص دقيق للنظام الجنائي وتوفير فرص حقيقية لتحسين نظام السجون، لا سيما من خلال تطوير آليات العمل والاستراتيجيات المعمول بها في تدبير الشأن السجني.
وقد أطلقت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بالفعل مبادرة في هذا الشأن في إطار شراكات مع الجامعات الوطنية تهدف إلى تعزيز البحث في الشأن السجني وإعادة الإدماج. وسيتطلب تعزيز هذه المبادرة إقرار العلوم السجنية وإدراجها في المسارات الجامعية كمسلك قائم بذاته. كما أن إنشاء مركز للبحوث في هذا المجال له أهميته البالغة، حيث أن خلاصات البحوث الأكاديمية ستعود بالنفع على صناع القرار والممارسين والإداريين، كما ستساهم في تنوير وسائل الإعلام والجمهور العريض على حد سواء.
تحفيز المجتمع المدني على المشاركة في عملية إعادة إدماج المعتقلين
تعد فعاليات المجتمع المدني، خاصة تلك التي تتمتع بالمصداقية والمهتمة بالدفاع عن قضايا حقوق الإنسان وإصلاح السجون فاعلا أساسيا يمكن الاعتداد به في مسلسل الإصلاح المنشود.
ويساهم هؤلاء الفاعلون حاليا بتنظيم أنشطة متنوعة داخل السجون لفائدة النزلاء، غير أنهم مدعوون إلى بذل المزيد من الجهود بوضع برامج لإعادة الإدماج تكون معدة مسبقًا، تتضمن تدابير محددة بوضوح وجدولة زمنية دقيقة من أجل مشاركة أكثر فعالية.
وبما أن عملية إعادة الإدماج تمتد إلى ما بعد الإفراج، ينبغي أن تعمل المنظمات المعنية على دعم ومواكبة السجناء المفرج عنهم في مجالات الصحة والأسرة والعمل تعزيزا لفرص إعادة إدماجهم الاجتماعي.
ولا شك أن تصور المندوبية العامة لقطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج من خلال هذه الورقة يجسد رغبتها والتزامها بالحفاظ على صورة المملكة كدولة متمسكة بتكريس ثقافة حقوق الإنسان والدفاع عنها كخيار لا رجعة فيه.
[1] الفصل 2 من الظهير الشريف عدد 1-08-49 والذي يحدد مقتضياته بشأن التأليف والمهام المرسوم رقم 2.13.607 بتاريخ 18 يوليوز 2014)
[2] بين سنتي 2010 و 2020 ، تراجعت ميزانية الاستثمار بنسبة 50٪ مقابل زيادة عديد الساكنة السجنية بنسبة 33٪.
[3] يتم احتساب هذه النسبة على أساس عدد موظفي المراقبة الأمن / الساكنة السجنية. إذا أخذنا بعين الاعتبار طريقة عمل الموظفين كل حسب مركزه (نهارًا / ليلًا)، فإن هذا المعدل يختلف في المؤسسات السجنية من حارس واحد لكل 30 نزيلًا أثناء النهار إلى حارس واحد لكل 300 نزيل ليلاً (المصدر: تقرير أنشطة المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج لسنة 2019).
[4] متوسط مدة الاعتقال الاحتياطي هو حوالي 9 أشهر (المصدر: قاعدة البيانات الإحصائية للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج لسنة 2020)
[5] طبقا للمادتين 2 و 11 من المرسوم الخاص بتحديد اختصاصات المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج ، فقد تم إنشاء 9 مديريات جهوية في مختلف مناطق المملكة. وتماشيا مع التقسيم الجغرافي الجديد الذي صادقت عليه الحكومة سنة 2015، تم الرفع من عددها إلى 10 مديريات جهوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.