أعلن صباح اليوم وفاة الوزير الأول الأسبق في حكومة التناوب عبد الرحمان اليوسفي، في إحدى مستشفيات الدارالبيضاء، عن عمر ناهز 96 عاما بعد معاناة طويلة مع المرض. وقد خلفت وفاته تفاعلا كبيرا نظرا إلى المسار السياسي والنقابي الحافل للرجل. نشأة عبد الرحمان اليوسفي ولد عبد الرحمان اليوسفي في 8 مارس 1924 بمدينة طنجة، تلقى تعليمه الأولي في ذات المدينة حيث تربى في كنف والده ومعلميه على احترام الغير والدفاع عن حقوقه، في عام 1937 حصل على الشهادة الابتدائية والتحق بصفوف الحركة الوطنية في ريعان شبابه وهو تلميذ بثانوية مولاي يوسف بالرباط. حصل اليوسفي على دبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية، وفي وقت لاحق، حصل على دبلوم من المعهد الدولي لحقوق الإنسان، وساهمت الدراسات التي تحصل عليها في توجهه إلى العمل السياسي والحقوقي والنقابي، حيث انخرط في الفترة ما بين 1944-1949 في تأطير وتنظيم الطبقة العاملة بالدارالبيضاء، كما عمل كمحام لدى محاكم طنجة ما بين 1952 و1960 وعين نقيب المحامين في عام 1959. بداية النظال السياسي والانضمام للحركة الوطنية ساهم عبد الرحمان اليوسفي في الحركة الوطنية والمقاومة بين سنتي 1953 و1956 بعد نفي السلطان محمد الخامس إلى جزيرة مدغشقر من قبل سلطات الحماية الفرنسية. وقام اليوسفي، إلى جانب مجموعة من السياسيين من زملائه سنة 1959 بتأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وهو حزب منشق عن حزب الاستقلال، والذي تحول فيما بعد إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1975، كما تولى رئاسة تحرير لسان الحزب جريدة “التحرير” بين عامي (1959 – 1965). تم انتخابه في المكتب السياسي للحزب في المؤتمر الوطني الرابع 1984، وأصبح كاتباً أول في 15 يناير 1992 بعد وفاة عبد الرحيم بوعبيد، وفي 29 يوليوز 1995 تسلم إدارة جريدة الاتحاد الاشتراكي. تعرض اليوسفي الذي يعد من أبرز رجال السياسية في المغرب في محطات نضاله السياسي للإعتقال عدة مرات، حيث تم اعتقاله مع جميع أعضاء اللجنة الإدارية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية المجتمعة في 16 يوليوز 1963 وحكم عليه بسنتين مع وقف التنفيذ، كما حكم عليه غيابيا في جلسات محاكم مراكش 1969 – 1975، وطالبت النيابة العامة بإصدار حكم الإعدام في حقه. وفي سنة 1993، احتج على ما اعتبرها عيوبا شابت الانتخابات التشريعية واستقال من مهامه السياسية، كما عاش فترة في المنفى بفرنسا، قبل أن يعود إلى المملكة ويرأس ما سمي بأول “حكومة تناوب” ديمقراطي، سنة 1998. اليوسفي.. من المعارضة إلى رئاسة حكومة التناوب كلف المغفور له الملك الحسن الثاني عبد الرحمان اليوسفي في ال 4 فبراير 1998 بتشكيل حكومة التناوب، التي قدم تشكيلتها إلى الملك الراحل في 14 مارس من نفس السنة، وعلقت آمال وصفت بالكبيرة على التجربة السياسية الأولى من نوعها في البلاد، لأن قائدها تحول من معارض إلى وزير أول في الحكومة، وبعد وفاة الملك الحسن الثاني احتفظ به الملك محمد السادس على رأس الحكومة، وخصه بتكريم خاص. وحظيت حكومة التناوب التي تشكلت أواخر التسعينيات، باهتمام واسع في المغرب، بمشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي لأول مرة، بعدما كان التنظيم السياسي من أشد المعارضين في المغرب. في مرحلة أخرى تم تعيينه وزيرا أول في الحكومة التي تم تشكيلها في 6 شتنبر 2000، وهو المنصب الذي ظل يشغله إلى غاية 9 أكتوبر 2002، ليقرر تقديم استقالته و اعتزال السياسة في أكتوبر 2003 بسبب ما أسماه الخروج عن المنهجية الديمقراطية بعد تعيين تكنوقراط على رأس الحكومة، على الرغم من تزعم الاتحاد الاشتراكي للانتخابات التشريعية آنداك. تنويه ملكي بوطنية اليوسفي وفي سنة 2016، أشرف الملك محمد السادس بطنجة على تدشين شارع يحمل اسم الراحل، تكريما لما يتحلى به من خصال وطنية بعدها بأربع سنوات في عام 2019، ترأس الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، بتطوان حفل أداء القسم من طرف 1839 ضابطا متخرجا من مختلف المعاهد والمدارس العسكرية وشبه العسكرية، وبهذه المناسبة، أطلق الملك على هذا الفوج إسم “الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي” تكريما لمبادئه الثابتة في حب الوطن، والتشبث بمقدسات الأمة، وبالوحدة الترابية للمملكة. حضي الراحل بعناية واهتمام خاصين من الملك محمد السادس وتجسد ذلك من خلال الزيارة المفاجئة التي خصصها له الملك في أكتوبر 2016 عندما كان على فراش المرض، في إحدى المصحات الخاصة بمدينة الدارالبيضاء للاطمئنان على صحته. اليوسفي.. الأيام الأخيرة وحتى أيامه الأخيرة واضب اليوسفي على حضوراللقاءات والندوات الوطنية، حيث يحظى باحترام الجميع، ومشهود له بإرثه السياسي الكبير، والذي يشهد له به أبرز رجالات السياسة في المغرب. وكان آخر ظهور للراحل الأحد الماضي حيث ثم نقله إلى مصحة الشيخ خليفة بالدارالبيضاء، على إثر وعكة صحية ألمت به حيث وضع في قسم الإنعاش.