في مثل هذا اليوم من عام 2003 تعرضت الدارالبيضاء لضربية إرهابية مؤلمة، أدت إلى وفاة 45 شخصا، حيث نفذ متطرفون عمليات تفجير بأحزمة ناسفة استهدفت عددا من المرافق بالعاصمة الاقتصادية للمملكة، ولم يغادر الحدث الذاكرة الجماعية للمغاربة لما خلفه من أثار. ونفذ الإرهابيون العمليات التفجيرية التي أودت بحياة العشرات من الأشخاص، بكل من فندق “فرح” ومطعم “دار إسبانيا”، ومطعم إيطالي بالقرب من دار أميركا، ومركز اجتماعي لليهود المغاربة كان مقفلا في ذلك اليوم، ومقبرة يهودية قديمة، كما فجر انتحاري نفسه أمام قنصلية بلجيكا وتسبب في مقتل شرطيين. وكان العالَم في ذلك الوقت مازال تحت تأثير صدمة تفجيرات 11 شتنبر 2001، التي استهدفت برجي التجارة العالمية في مدينة نيويوركالأمريكية، وتبنّاها تنظيم “القاعدة”. وفي تلك الأونة ظن المغاربة أن بلدهم بمنأى من أن تطاله يد الإرهاب، قبل أن يتبدد هذا الاطمئنان يوم 16 ماي. وهو الأمر الذي دفع الدولة إلى إعادة تنظيم وضبط وهيْكلة الحقل الديني. ورغم مجيئ الذكرى 17 على الأحداث الإرهابية الدامية، إلا أنها مازالت تلقي بظلالها على البلاد كلما حلت، بسبب المآسي العديدة التي خلفتها لدى عائلات الضحايا، فيما كانت هذه الأحداث مؤشرا لبداية تحديث وعصرنة في طريقة اشتغال الأمن في المغرب، عبر وحدات خاصة لمكافحة الإرهاب. وبعد تلك الأحداث، اعتمد المغرب سياسة أمنية استثنائية، كان عمادها الاستباق والتحصين، منحت المغرب كافة الضمانات اللازمة لتحقيق نجاح لافت في التصدي للإرهاب، واستباق ظهوره. إلى أن أضحت تجربة المغرب الناجحة في محاربة أكثر الآفات التي أقضت مضجع العالم بالسنوات الأخيرة، نموذجا يحتذى به لإجهاض المخططات الإرهابية في مهدها. ولا تقتصر الاستراتيجية الأمنية المغربية على المقاربة الاستباقية، بل تتجاوزها إلى تحصين الفئات المرشحة للانخراط في أنشطة ذات طبيعة متطرفة، من خلال إصلاح المجال الديني، وتنمية المناطق المهمشة التي يمكن أن تفرخ الإرهاب والفكر المتطرف، ومن ملامح المقاربة الاستباقية التي اعتمدتها الأجهزة الأمنية، تفكيك خلايا إرهابية قبل وصولها إلى مرحلة التنفيذ، حيث فككت السلطات أكثر من 200 خلية إرهابية منذ 2003، بمعدل خلية شهريا، وفق معطيات من وزارة الداخلية. وامتدت هذه الاستراتيجية إلى السجون، من خلال برنامج خاص بالمعتقلين على خلفية قضايا التطرف والإرهاب، سمي ب “مصالحة”، بدأ في 2017، ويهدف إلى تأهيلهم تمهيدا لإعادة إدماجهم في المجتمع، وأشرف على البرنامج المندوبية العامة لإدارة السجون، بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وبنيت على ثلاثة محاور هي: المصالحة مع الذات، والمصالحة مع المجتمع، والمصالحة مع النص الديني.