ليلة 16 ماي 2003 اهتزت مدينة الدارالبيضاء على وقع أعمال إرهابية أودت بحياة عشرات الأشخاص، بعد استهداف عدد من المواقع الحيوية في وقت متزامن من طرف إرهابيين مطوقين بأحزمة ناسفة، ما خلف حالة ذهول وسط المغاربة. كان العالَم وقتذاك مازال تحت تأثير صدمة تفجيرات 11 شتنبر 2001، التي استهدفت برجي التجارة العالمية في مدينة نيويوركالأمريكية، وتبنّاها تنظيم "القاعدة". وكان المغاربة يعتقدون أن بلدهم في منأى من أن تطاله يد الإرهاب، قبل أن يتبدد هذا الاطمئنان يوم 16 ماي. التفجيرات الإرهابية التي كانت العاصمة الاقتصادية للمملكة مسرحا لها دفعت الدولةَ إلى إعادة تنظيم وضبْط وهيْكلة الحقل الديني، من أجل سد الثغرات والمنافذ التي ينفذ منها الفكر المتطرف، الذي هو وقود الإرهاب، إلى عقول المغاربة. ورغم الإصلاح الشامل الذي خضع له الحقل الديني، طيلة ما يزيد عن خمسة عشر عاما، مازالت الأجهزة الأمنية تفكك "خلايا إرهابية نائمة"، ما يعني أن "ثمة حاجة إلى استمرار المراقبة الصارمة للمجال الديني، لوجود خطر الذئاب المنفردة"، حسب محمد قمار، رئيس المرصد المغربي لنبذ الإرهاب والتطرف. وأشار قمار إلى أن الأجهزة الأمنية تقوم بعمل كبير في سبيل اجتثاث جذور الإرهاب، من خلال العمليات الاستباقية لتفكيك الخلايا الإرهابية، وزاد مستدركا: "لكننا مازلنا بحاجة إلى التحلي باليقظة، والاستمرار في إصلاح الحقل الديني، لأن بعض الأشخاص يستغلون أماكن عبادة غير مرخصة لإشاعة ثقافة التطرف والكراهية". في هذا الإطار دعا المرصد المغربي لنبذ الإرهاب والتطرف، في بيان بمناسبة ذكرى الأحداث الإرهابية لسادس عشر مايو، إلى العمل على نشر ثقافة التسامح الديني، ونشر ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة على صعيد كافة أطوار التعليم، وفي كل قنوات الحياة الاجتماعية. ونبّه محمد قمار، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن اقتلاع جذور الفكر المتطرف يقتضي استمرار التعبئة الجماعية لتحقيق هذه الغاية، لأن الجماعات الإرهابية لم تعد تركّز على التنظيم لتنفيذ مخططاتها، إذ لجأت إلى الاستعانة بما تسمى "الذئاب المنفردة" بعد تشديد الخناق عليها، وهو ما يصعّب محاصرة هذه الظاهرة. وشدد المتحدث ذاته على أن المدخل الأساس لاجتثاث جذور التطرف والإرهاب من العقول هو التعليم المتفتح، الذي يمكّن من تنشئة مواطن محصّن فكريا ضد خطر الاستقطاب من طرف الجماعات الإرهابية، وضدّ الأفكار المتطرفة التي تبثها عبر مختلف قنوات التواصل. رئيس المرصد المغربي لنبذ الإرهاب والتطرف أكد أيضا على ضرورة الاستمرار في إصلاح الحقل الديني، "من أجل تقديم صورة حقيقية عن الإسلام السمح، وجعل المواطنين محصّنين ضد الفكر المتطرف، ومسلّحين بقيمة التعايش والتسامح".