يحل اليوم الوطني للمهاجر هذه السنة في ظرفية خاصة بعد الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى عيد العرش، والذي خص جانبا كبيرا من حيزه لإشكالات أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج متعددة الأوجه ومعاناتها في قضاء أغراضها. خطاب جلالة الملك كان واضحا وضوح الشمس في فصل الصيف الذي يشهد عبور عشرات الآلاف من مغاربة المهجر بعد أشهر من الكد والعناء والصبر والادخار، فقد أماط اللثام عن خلل يصيب ركنا جوهريا في مقومات الهوية الوطنية ألا وهو الوثائق الثبوتية، والتي لا يزال إخواننا بالمهجر يلقون جراء تعقيداتها متاعب ومشاكل لا حصر لها. جالية في الجحيم، ذلك ما يمكن استخلاصه. فقد سبق للملك أن نبه سابقا وفي إحدى خطبه إلى ضرورة تجديد العمل الدبلوماسي وإعادة النظر في آليات تدبير الخدمات الدبلوماسية وضرورة التحلي بالمسؤولية والمهنية في تصريف الواجب انطلاقا من الوازع الوطني، لكن يبدو أن الجهات المعنية لم تحسن قراءة الرسائل الملكية السابقة. حديث الملك عن غياب التنسيق بين المؤسسات والقطاعات المعنية بقضايا المهاجرين واقع مرير يتحمل تبعاته أفراد الجالية في المقام الأول، بعد أن استبد كل مسؤول بقطاعِه وصمّ آذانه ضد دعوات التكامل والتفاعل الإيجابي. فوزارة الشؤون الخارجية والتعاون غارقة في بيروقراطيتها الإدارية وروتينها الممل المتجسد في الترقب وانتظار التعليمات عند كل كبيرة وصغيرة، وتحيُّن حركية القناصلة والموظفين والأعوان نحو بلدان العالم للاستفادة من أحسن المواقع، مما دفع بأحد الدبلوماسيين السابقين إلى وصف بعض أطر وزارة الخارجية ب” الحراكة الشرعيين” تعبيرا منه على استحواذ فكرة السفر على ذهن ونفسية الموظف على حساب تفانيه في العمل وأداء التزاماته، إضافة إلى تقوقع النمط الإداري لوزارة الخارجية ورفضها فتح المجال أمام إلحاق أطر وكفاءات جديدة من وزارات وإدارات ومؤسسات عمومية اكتسبت تجارب معتبرة في التسيير والتدبير وفي التعاطي مع ملفات تدبير الأزمات والتواصل مع شؤون الجالية، وهذا ما يدفع إلى طرح تساؤل حول دور الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية التي لا تزال ترفض استقبال أطر من خارج وزارة الخارجية للاستفادة من التكوين والتأهيل في أفق تولي مسؤوليات بالإدارة أو في البعثات الدبلوماسية والقنصلية بالخارج؟ أما على صعيد الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، فيبدو أن أكبر خطأ ارتُكب في حقها وفي حق مغاربة العالم هو انسلاخها عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون بعد انصرام ولاية نزهة الشقروني كوزيرة منتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون مكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، بحكم وحدة الاختصاص والمهام وآليات العمل. فإلقاء نظرة سريعة على الهيكلة الإدارية لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون يكشف توفر هذه الأخيرة على وزارة صغيرة للجالية ممثلة في مديرية الشؤون القنصلية والاجتماعية التي تضم أقساما ومصالح كلها موجهة لخدمة شؤون ومصالح مغاربة العالم !! ومما زاد الطين بلة هو “إسراع” وزير الجالية والهجرة أنيس بيرو في إصدار هيكلة إدارية لوزارته تضم العشرات من الأقسام والعشرات من المصالح ضمن مديريات، كلها تتجاوز بكثير حجم الموارد البشرية المؤهلة التي تتوفر عليها الوزارة والتي لا ولن تكفي لملأ جميع مناصب المسؤولية، مما يطرح علامات استفهام كثيرة حول هذه الهرولة الإدارية التي سعت إلى مأسسة استقلالية الوزارة لقطع الطريق عن أي محاولة جادة لإعادة الأمل في الوحدة الإدارية والوظيفية وللتنسيق والتكامل مع الوزارة الأم ( وزارة الخارجية)، وهذا ما يثير الشكوك حول مدى ” تورط” شريكيه في الحكومة والحزب المعنيين بهذا الملف، وهما وزير الاقتصاد والمالية الذي وافق وأقر له سريعا الهيكلة الإدارية لوزارته التي لا تتلاءم مع حجمها ووظيفتها المحدودة والموسمية إضافة إلى ما يترتب عن ذلك من استنزاف مالي ضخم وغير مبرر لميزانية الدولة (عشرات الأقسام وعشرات المصالح)، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون الذي غض الطرف عن ازدواجية المهام مع الوزارة المنسلِخة وأغمض عينيه عن جدوى الهيكلة والتكرار الوظيفي الذي يزيد في إرهاق المالية العامة ويسيء إلى مفهومي الالتقائية والانسجام، دون الحديث عن المراكز الثقافية بالخارج التي تفتقد إلى الجدوى والغاية من الإحداث بالشكل الذي ولدت به والغموض الذي يلف تعيين مدرائها ومسؤولي وحداتها؟ أكيد أن المسؤولية في تكريس اللاتنسيق وتمييع الجهد والعمل يتحملها أيضا رئيس الحكومة الذي لم يحرك ساكنا تجاه هذا المسلسل من التضارب الوظيفي والاجترار الإداري، وهذا أيضا إشكال في حد ذاته ما دامت رئاسة الحكومة بنفسها لا تتوفر على قطب يتكلف بتتبع قضايا وشؤون مغاربة العالم ويشرف على ما يجري ويدور لدرء الاختلالات ووقف التناقضات وتقويم وإصلاح ما يجب إصلاحه. أما مجلس الجالية فقد تاهت بوصلته بعد اللامبالاة التي تُعامله به وزارتا الجالية والخارجية ومعهما رئاسة الحكومة، وجميع الفعاليات بالمهجر تنتظر التعيين الملكي لرئيس جديد وأمين عام جديد له بعد أن انتهت ولايتهما، وذلك لإعطاء انطلاقة جديدة للمجلس الذي تديره إدارة صغيرة مكلفة بتصريف الأشغال نيابة عن الأعضاء المُغَيبين؟ فالخطاب الملكي كان عبارة عن توجهات وتوجيهات ينبغي فهم كنهها وقراءة إيحاءاتها والإحاطة بسياقاتها ضمن مقاربة شاملة ومندمجة للعمل الدبلوماسي، الإداري والتقني والسياسي والاجتماعي والثقافي والتواصلي وغيره، ولا ينبغي التسرع في تصريف هذه التوجيهات وبالتالي تنزيلها بشكل ارتجالي قد يحمل في طياته إجراءات تعسفية وتصفية حسابات وقرارات اعتباطية تحت غطاء ” تنفيذ التوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش”؟؟ يوم المهاجر إذن هو مناسبة للتأمل في الحصيلة وتقييمها وإعادة النظر في الاستراتيجية الموجهة لمغاربة العالم وتجديد النخب المؤهلة والانفتاح على مختلف الطاقات وتوحيد النظم الإدارية وتفادي الازدواجية وإرساء قواعد للتنسيق الفعال في أفق اعتماد خارطة وظيفية واضحة الاختصاصات والأهداف والمعالم للقطاعات والمؤسسات المعنية بملفات الهجرة والمهاجرين تقطع مع الفوضى السائدة في هذا المجال. ------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------ الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن مواقف صاحبها ولا تلزم موقع برلمان.كوم