أثارت تصريحات منسوبة للقنصل المغربي في وهران، أحرضان بوطاهر ، تضمنها فيديو مسرب لم تتبث صحته، ضجة إعلامية كبيرة في الجزائر وصلت إلى مستوى توقع أزمة ديبلوماسية بين المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية. وفي وقت اعتبرت فيه تصريحات الموظف المغربي مسيئة للعلاقات بين الدولتين خاصة حين سمع من خلال الفيديو لفظة تصنف الجزائر ب”البلد العدو”، اتجهت تحليلات أخرى إلى أن بوطاهر كان واضحا في تصريحاته التي ظهر فيها اثناء لقائه ببعض المواطنين المغاربة الراغبين في العودة إلى وطنهم حين طلب منهم الالتزام بالهدوء لأنهم في بلد آخر ويجب احترام إجراءات رئاسة الجمهورية التي تمنع التجمهر في الشارع العام. ومهما أثارت تصريحات الموظف المغربي من استياء لدى بعض الجهات الجزائرية، فإن الذاكرة الإعلامية والديبلوماسية لا يمكنها وضع هذه التصريحات في نفس الكفة مع ما قاله الجنرال الجنرال سعيد شنقريحة، قائد الناحية الثالثة قطاع تندوف، أثناء المناورات العسكرية التي قامت بها وحداته في المنطقة سنة 2016، وهو اليوم رئيس أركان الجيش الجزائري، حين وصف المغرب بالدولة العدوة للشعب الجزائري و”الشعب الصحراوي”. وبينما تقول بعض الجهات المسؤولة في الجزائر في تصريحات لبعض الصحف، بأن كلام الموظف المغربي خطير وغير مسبوق، تتناسى أن درجة المسؤولية لموظف بسيط في الخارجية المغربي لا يمكن وزنها بنفس درجة مسؤولية رئيس الدولة او الجنرالات الجزائريين، اللذين داسوا فيها على كل القيم والأخلاقيات، بل ويمكننا تصنيفها ضمن الممارسات الصبيانية التي تتلاعب بالقيم الديبلوماسية. فكيف يمكن طي التصريحات العدوانية الشرسة التي تفوه بها الجنرال المذكور في حدث عسكري رسمي وعالي الموقع والمرتبة ضمن أنشطة الدولة؟ وكيف يمكننا أن نتسامح ونغض الطرف عن تطاوله الوقح على ثوابت الأمة المغربية ورموزها(الفيديو رفقته)؟ ولا تصدر التصريحات المسيئة للمملكة المغربية من مسؤول او جنرال واحد في الجزائر، بل سبق للجنرال المتقاعد عبد العزيز مجاهد، أن اعتبر أن عدو الدولة الجزائرية في مرحلة ما بعد بوتفليقة هو المغرب لوحده. وقال في تصريحات فوضوية وضعيفة المحتوى والمستوى، أدلى بها في برنامج إذاعي علني، أن “الجزائر مُطالبة بضرورة حسن اختيار الدول الحليفة والصديقة، بل وأيضا الدول الشريكة للنظام”. وأضاف في كلامه المعتوه، أن المغرب يهدد استقرار المنطقة برمتها، وأنه يجب على الجيش الجزائري أن يكون في قمة يقظته، وهو ما يمكن تشبيهه بإعلان الحرب من طرف واحد، خاصة وأن قوة هذا الجنرال هي أن قبضته ظلت مستمرة على الجيش والنظام حتى بعد تقاعده حينها. وفي كلام يؤكد التنسيق الموجود بين أقطاب وأذناب النظام العسكري الجزائري، استرسل عبد العزيز مجاهد في توجيه اتهامات مسيئة ومتشابهة مع ما قاله الجنرال سعيد شنقريحة، حين قال بوضوح إن أكثر ما يهدد الجزائر هو النظام المخزني المغربي، وجعله وراء معاناة الجزائر. ولم تنحصر الإساءة الجزائرية عند حدود الجنرالات العسكريين، بل تعدتها حيث بلغت وزارة الخارجية الجزائرية حين زعم رئيسها آنذاك عبد القادر مسهل أن شركة الخطوط الملكية المغربية تنقل المخدرات في رحلاتها عبر العالم. بعد ذلك تم اتهام المملكة المغربية ظلما وعدوانا بالتشويش على العلاقات الجزائرية-الفرنسية دون تقديم أدنى حجة لذلك.وذهبت هذه الإساءة أبعد إذ وصلت قمة هرم السلطة عند الجارة الجزائر حين تمادى رئيس الدولة الجديد عبد المجيد تبون في الكذب عن السلطات المغربية، واتهمها بالإساءة لمواطنين جزائريين “لولا افراد من الشعب المغربي الذين ساعدوهم على اجتياز الحدود”.إنها اتهامات تحمل الضغينة والحقد والاستهتار، لانها خرافية ولا يمكن تصديقها من طرف الشعب الجزائري، خاصة ان إخواننا الجزائريين اثناء زياراتهم المتكررة للملكة يتحركون شمالا وجنوبا بدون عدوانية ولا اي مضايقات. واستسرسل رئيس الدولة الجزائرية في التحامل على المغرب حين طلب اعتذارا رسميا من المملكة بخصوص مسألة إقفال الحدود -الذي قررته الجزائر- وهذا ما يتنافى قطعا مع حسن الإرادة، ومع حسن التعامل بالمثل مع ما عبر عنه ملك المغرب محمد السادس، الذي أكد في اكثر من خطاب على اليد الممدودة للجزائر، من اجل العمل على طي صفحة الخلاف، والمساهمة مع المغرب في بناء مغرب عربي قوي السواعد والموارد. واليوم، وأمام هذا الوضع الذي لايرقى إلى مستوى التاريخ والقيم المشتركة بين الدولتين الجارتين والشعبين الشقيقين؛ فإن أحسن وأرقى ما يمكن أن يقدمه النظام الجزائري لشعبه وللمنطقة المغاربية برمتها في هذه الظروف العصيبة والتي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، هو الجلوس حول طاولة المفاوضات مع المغرب لطي جميع الخلافات المصطنعة منها والباطنية، والحد من التصريحات المتبادلة التي لا تخدم المستقبل، وقطع الطريق عن الذين يصبون الزيت فوق النار، قصد المصالحة وفتح صفحة جديدة في علاقات البلدين مبنية على الثقة والصدق. وفي علاقات فرنسا و ألمانيا خير مثال، إذ أصبح البلدان أكبر وأقوى الحلفاء داخل الاتحاد الأوروبي، بعد عدة حروب عبر التاريخ دامت عقود طوال.