واعجباه ما أصبح عليه حال المنظمات الدولية التي تدعي دفاعها عن حقوق الإنسان في العالم بزعمها أنها "تطارد" الظالمين الذين يهضمون حقوق الآخرين، في حين أنها تتحول بين عشية وضحاها من مناصرة للمظلوم إلى مدافعة عن الظالم في قضايا تستخدم فيها أسلوب الانتقائية دون التحري، لتشويه سمعة الدول، وفي محاولة لابتزازها والضغط عليها لربح النقاط في مجالات أخرى، وذلك خدمة لأجندات القوى الإقليمية أو الدولية. وهنا يجرنا الحديث أعلاه، إلى دخول منظمة العفو الدولية "أمنسيتي" على خط القضية التي يتابع فيها محمد منير، مغني "الراب" الملقب ب"الكناوي"، حيث أصدرت بيانا فضح نيتها المبيتة، إذ زعمت فيه أن "توقيف الكناوي جاء على خلفية تأديته أغنية انتقد فيها النظام بشكل لاذع"، معتبرة ذلك أنه "اعتداء صارخ على الحق في حرية التعبير"، في حين أن الحقيقة المؤكدة هي أن اعتقال "الكناوي" جاء بناء على مذكرة بحث وطنية بتهمة الإساءة لموظفي الأمن في شريط فيديو يتضمن السب والقذف واستخدام أقبح النعوت في حق رجال الشرطة وأمهاتهم وزوجاتهم وبناتهم وأخواتهم، وذلك قبل أسبوع من إصداره للأغنية. ويبدو أن من خط بيان المنظمة لم ينتبه جيدا بأنه كتب اعترافا ضمنيا بأن المدعو "الكناوي" ارتكب جرما قانونيا قبل إصداره للأغنية، وذلك على لسان مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا حين قالت في البيان ذاته إنّ "الكناوي ربما استخدم لغة مسيئة للإشارة إلى الشرطة" أي في شريط الفيديو الأول، دون أن تذكر ما هي هذه "اللغة" التي نترفع عن ذكرها احتراما لقرائنا ولأسرة الشرطة الساهرين على أمن وأمان المغاربة. وفي تناقض تام حولت المنظمة الظالم إلى مظلوم عندما اعتبرت أنه "من حق الفرد التعبير عن آرائه بحرية، حتى وإن كان رأيه صادماً أو مسيئاً، فهو مكفول بموجب (القانون الدولي لحقوق الإنسان)، ولا ينبغي لأحد أن يعاقب بسبب تعبيره عن آرائه بحرية". وهنا لابد أن نذكر المنظمة ومعها مديرتها الإقليمية أن الحرية تحدها قيود وضعها "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" والذي يلزمها هي أيضا، حيث تنص المادة 19 ب"ستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة الثانية من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: لاحترام حقوق الآخرين وسمعتهم، ولحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة”. واعترفت المنظمة في بيانها أيضا بالقول إن "الكناوي اعتقل في الأول من نونبر، ووجهت إليه تهمة "إهانة" موظفين عموميين وهيئات منظمة بقانون، بسبب شريط فيديو يهين فيه الشرطة"، وهذا ما يضعها في موقف محرج أمام الرأي العام الوطني والدولي إذ بدت وكأنها تُطبع مع أعمال الاعتداء اللفظي والإهانة باسم حرية التعبير. وليس غريبا على منظمة "أمنيستي" أن تصطاد في الماء العكر لضرب سمعة المغرب كلما أتيحت لها الفرصة لذلك، آخرها دفاعها عن الصحفية هاجر الريسوني ومن معها في واقعة الإجهاض، رغم أن القضية ثابتة قانونيا على أنها فعل جرمي يستوجب المتابعة، لكنها ولغرض في نفس يعقوب قالت بأن المتابعة سياسية، تماما كما فعلت مع معتقلي أحداث الحسيمة المدانين على خلفية تهم خطيرة ثابتة بالحجج والدلائل أبرزها "التآمر من أجل المس بأمن الدولة، وتلقي أموال من أشخاص في الخارج ينشطون ضمن حركة تسعى لفصل الريف عن المغرب"، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 600 رجل أمن، وتسجيل خسائر مادية أثناء الاحتجاجات غير المرخص لها التي عطلت الحياة المعيشية بمدينة الحسيمة ونواحيها طوال أشهر. وفي الختام، لابد أن نطرح سؤالا على منظمة "أمنيستي"، التي يعد لها البعض تقاريرا مدفوعة الأجر، هل حرية التعبير تعني الاعتداء اللفظي عن طريق الكلام النابي والتجريح والقذف في أعراض الناس، وهل للحرية كوابح أم لا، أم أن بيانها هذا هو تطبيع مع الاعتداء اللفظي والسب والكلام النابي الذي وجب ترجمته لأعضائها حتى يفهموا ما تفوه به المدعو "الكناوي" في حق أمهات وزوجات رجال الشرطة المغربية.