بدا واضحا للعيان، بشكل لا يمكن أن يختلف عليه اثنان أن دولة الإمارات التي يعيش حكامها في رفاه اقتصادي، تلعب في الآونة الأخيرة أدوارا بعضها مفضوح في الشرق الأوسط وبعضها الآخر غامض يثير الشكوك حول أهدافها السياسية والاقتصادية في المنطقة المغاربية وإفريقيا. وكانت مجلة “التايمز” الأمريكية، قد ذكرت كيف أن هذه الدولة قدمت الدعم للرموز الانقلابية في ليبيا، بل وشاركت بطائراتها وسلاحها الجوي في مساندة الانقلابيين والمتمردين ضد إرادة الشعب وحكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج، في انتهاك لحظر إرسال الأسلحة إلى هناك، الذي فرضته الأممالمتحدة بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بمعمر القذافي في العام 2011. والمتمعن، ولو بشكل سطحي في تحركات دولة الإمارات نحو المنطقة المغاربية، وتدخلاتها في شؤون بعض الدول، يتضح له أن هناك رغبة لصناع القرار في الإمارات بالتدخل في الشأن المغربي وخصوصا في قضية الصحراء المغربية، عن طريق البوابة الليبية، وذلك بعد أن فشلت في تقزيم دوره في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن طريق عرض أموالها على العديد من وسائل الإعلام المغربية. ويرى متتبعون أن الإمارات عن طريق دعمها للجنرال خليفة حفتر، الذي يحمل أفكارا لا تتماشى مع مقترح الحكم الذاتي المغربي والذي أقرته الأممالمتحدة، تهدف إلى زعزعة الأمن في المنطقة التي تعرف أوضاعا كارثية بسبب النهب والترهيب الذي تمارسه ميليشيات البوليساريو على المحتجزين في تندوف، والبحث عن النفوذ على حساب المواطنين المدنين، بهدف عزل المملكة في الزاوية وإضعاف دورها في المنطقة. ويرى خاطري، الشرقي الخبير في العلاقات الدولية في تصريح ل”برلمان.كوم” أن الأزمة الليبية يمكنها أن تؤثر بشكل قوي على مسار المنطقة المغاربية ككل، “إذا ما أخذنا في الحسبان مسار المفاوضات في قضية الصحراء المغربية، الذي يقترب من إيجاد حل جذري لنزاع الصحراء، من خلال تخصيص مجلس الأمن في الآونة الأخيرة لأربع جلسات للملف”. أوضح المدير التنفيذي لمركز الجنوب للدراسات والأبحاث، أن حفتر ما هو إلا جنزال متقاعد يخدم مجموعة من الأجندات السياسية، مشيرا إلى أن الولاياتالمتحدة والدول الداعمة للاستقرار الليبي لم تخرج بتصريحات تشجب هذه التدخلات، و"بالتالي هذا التدخل سيؤثر على المصالح الجيوسياسية للمغرب، والتي من ضمنها استقرار المنطقة. وحفتر يحاول في إطار هذا التوجه فرض واقع ما على المغرب عن طريق الابتزاز، وتقويض مصالح المغرب بإيعاز من التمويل الإماراتي والسعودي”. وبخصوص مدى نجاح حفتر وحلفائه في الوصول إلى تلك المساعي، أوضح الشرقي أن النتائج غير واضحة المعالم، وهذا ما يفسر تحفظ الدول الإقيليمة على اتخاذ موقف واضح من الأزمة الحالية “وبالتالي ما يمكن أن نشير إليه في هذا الإطار هو أن المغرب وضع إطارا خاصا به، ولن يسمح لأي دولة بأن تتعارض مع مصالحه الجيوسياسية، وتجلى ذلك في اتخاذه لتدابير احترازية، وتغيير استراتيجية التعاطي مع الملف على المستوى الأممي”. وبالتالي فالمرحلة الحالية هي إعادة بلورة قواعد جديدة في التعامل مع أي طرف أو أي توجه يمكنه أن يشكل خطرا على الوحدة الترابية للمغرب، والدليل على ذلك تصريح وزير الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة لصحيفة جنوب إفريقية، داعيا جنوب إفريقيا إلى محاولة إعادة توجهاهتها بما يتلاءم مع المصالح الجديدة على المستوى الإقيليمي والدولي، من خلال البحث عن مسوغات تفاهم وتقاطع مصالح. وفق تعبير الخبير في العلاقات الدولية. والجدير بالذكر أن ملف الأزمة الليبيىة شهد العديد من الإرهاصات الأساسية، التي ترتبط أساسا بالمناخ المغاربي، هذا المناخ عرف مجموعة من التغيرات التي همت مختلف الأطراف، والدول المرتبطة به، خاصة بعد ثورة الياسمين، وما تلاها من أحداث في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومنها تحول ليبيا إلى دولة فاشلة بعد انهيار النظام الليبي من خلال هيمنة العديد من الميليشيات عليها. هذا الوضع دفع الدول الإقليمية المجاورة، من بينها المغرب، إلى البحث عن قنوات دبلوماسية لمحاولة البحث عن مخرج للأزمة الليبية، تمخض عن هذا التدخل وضع اتفاق الصخيرات حيث تم وضع خارطة طريق، التي من خلالها سيكون هناك انتقال سلس وسليم للسلطة، ولكن الجزائر حاولت تقويض هذا الاتفاق ليستمر نفس النهج مع بداية دعم حفتر من قبل النظام المصري لتدخل الإمارات والسعودية، هذا الأمر دفع بالمغرب إلى التعبير عن امتعاضه وأفرز أزمة صامتة بين المملكة وبعض دول الخليج.