هل تقترب ليبيا من نهاية نفق الفوضى؟ إتفاق باريس وتخلي فرنسا عن تأييد إستراتيجية واشنطن * بقلم // عمر نجيب يوم الثلاثاء 25 يوليو 2017 عقد لقاء في قصر "لا سيل سان كلو" التابع لوزارة الخارجية الفرنسية قرب العاصمة باريس بين كل من المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي التابع للحكومة الليبية المنبثقة عن البرلمان الليبي المنتخب، وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق الليبية التي اسست بناء على اتفاق الصخيرات والمدعومة من طرف الأممالمتحدة، أعلن في ختامه عن إتفاق من عشر نقاط لتسوية الأزمة الليبية. وجاء الاتفاق عقب لقاء جمع ماكرون بكل من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، فائز السراج، والجنرال خليفة حفتر، قائد القوات التابعة لمجلس النواب المنعقد بمدينة طبرق. وحضر الاجتماع أيضاً وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، ومبعوث الأممالمتحدة الجديد لدى ليبيا، غسان سلامة. المجتمعون أعلنوا عن اتفاق سياسي يقضي بوقف إطلاق النار والالتزام بحل سياسي للأزمة القائم في البلاد وإطلاق حوار شامل يشمل جميع الأطراف الليبية، بما فيها مجلسا النواب والدولة، إضافة إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في أسرع وقت ممكن. ردود الفعل على الإتفاق واللقاء تباينت، غير أن المسجل أنه بالنسبة لأطراف لها تأثير كبير على مسار الأحداث وحسب مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين، كان هناك إنزعاج في العاصمة الأمريكية واشنطن حيث إعتبرت أوساط سياسية أن فرنسا تخلت عن مؤازرة سياسة البيت الأبيض ليس تجاه الأزمة الليبية وحدها بل تجاه عدد من القضايا الشائكة في المنطقة العربية وهو أمر يضع عثرات جديدة أمام تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي وضعه المحافظون الجدد في أمريكا وإسرائيل والقاضي بإعادة رسم حدود دول المنطقة وإنشاء ما بين 54 و 56 دولة على أسس طائفية ودينية وعرقية ومناطقية، كذلك سجلت ردود فعل سلبية في العاصمة التركية أنقرة التي تدعم جماعة الإخوان. ردود فعل كتب مندوب ليبيا السابق لدى الأممالمتحدة إبراهيم الدباشي، على صفحته في موقع "فيسبوك": "لقاء حفتر والسراج خطوة هامة في الطريق الصحيح. لأول مرة يبدو ان هناك رغبة حقيقية في التعامل مع الأزمة الليبية بطريقة جدية بعيداً عن الاجندات التي تسعى إلى استدامة الفوضى". وأضاف: "لقاء حفتر ٍوالسراج ليس نهاية للأزمة ولكنه خطوة هامة نحو الحل، تحتاج إلى متابعة من ممثل الأمين العام وفرنسا ودول الجوار لاقناع جميع الفعاليات الليبية بالانضمام اليها، والعمل سوياً على اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في اقرب وقت ممكن لتجاوز مشكلة تنازع الشرعية التي أرهقت تبعاتها المواطنين وادخلت البلاد في نفق مظلم". واعتبر الدباشي أن "فرنسا تولت الملف الليبي في الوقت المناسب بعد ان تأكدت ان مصالحها في افريقيا جنوب الصحراء ستبقى مهددة بالارهاب، وان نفقاتها العسكرية ستزيد، طالما ان الاستقرار لم يعد إلى ليبيا"، مشيراً إلى أن ما شجع الحكومة الفرنسية الجديدة على التحرك في الملف الليبي هو "اختلاف موقف الادارة الأمريكية الجديدة عن سابقتها من الأطراف الليبية، وتعيين ممثل شخصي جديد للأمين العام للأمم المتحدة لديه ارتباط كبير بفرنسا ومن السهل التعامل معه من دون تأثيرات سلبية من دول اخرى، والعجز الكامل لإيطاليا عن القيام بأي شيء يذكر أنه رغم الفرصة التاريخية التي اتيحت لها بتعيين الجنرال سييرا مسؤولاً عن الملف الأمني في بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا". وانتقد الدباشي تعامل إيطاليا مع الملف الليبي ك"دولة صغيرة تابعة لبريطانيا التي شجعت ميليشيات مدينة ليبية على ان تعمل، من دون علمها، وفقاً لأجندة بريطانيا التي تقوم على استمرار الفوضى وتقسيم البلاد"، مشيراً إلى أن إيطاليا "لم تهتم الا بجانب واحد من الملف الليبي وهو الهجرة اليها عبر ليبيا، وحتى هذا الجانب تعاملت معه بطريقة غبية عبر وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي الإيطالية موغيريني، التي ساهمت في زيادة عدد المهاجرين بتصريحاتها غير المدروسة، وتجاهلها والسلطات الإيطالية لحقيقة عدم وجود أي سلطة في ليبيا قادرة على التصدي لمهربي البشر طالما ان السلطة في طرابلس لا تملك قوة عسكرية منظمة، ورفضها التعامل مع الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر، أو دعم القوات البحرية النظامية في طرابلس". وكتبت الوزيرة السابقة فاطمة حمروش "حسب رأيي الشخصي، لقاء حفتر والسراج في باريس خطوة إيجابية جيدة، رغم قناعتي الكاملة بأن فرنسا ما قامت بهذا إلا لضمان حماية مصالحها. ويظل على الجانب الليبي أن لا يتناسى هذه الحقيقة، وأن يقوم هو أيضاً بواجبه الوطني نحو مصالح ليببا". وعبرت "اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان" عن ترحيبها باللقاء الذي جمع حفتر والسراج، واعتبرت أن بنود الاتفاق الموقع بينهما "إيجابية جداً ومهمة في مسار تسوية الأزمة السياسية وتحقيق الاستقرار والمصالحة الوطنية وإحلال السلام في ليبيا وبما يصب في إنجاح الاتفاق السياسي الليبي". ودعت في بيان، "إلى الإسراع في وضع آلية لتنفيذ ما جاء به بيان باريس المشترك اليوم وبيان أبوظبي السابق وفق جدول زمني محدد من أجل الإسراع في رفع المعاناة الإنسانية والمعيشية والأمنية والاقتصادية التي يعانيها المواطنون في عموم ليبيا جراء حالة الانقسام السياسي وأعمال العنف والفوضى والانهيار الكامل للخدمات الأساسية وتأخر التسوية السياسية للأزمة الليبية". المحلل السياسي جمال الحاجي قلل من أهمية اتفاق حفتر والسراج، وكتب على صفحته في "فيسبوك": "هل تعتقد أن ماكرون وحفتر والسراج بيدهم تغيير قرار مجلس الأمن؟ المستفيد الوحيد من هذه الدعاية الإعلامية هو الرئيس الفرنسي الشاب ماكرون دعماً لملف سياسته الخارجية". وأضاف: "فرنسا وحفتر يقاتلان طرفاً صوت السراج على دعمه احترموا عقول الناس". وتساءل الباحث فيصل الفيتوري "هل يستطيع السراج تطبيق ما وقع عليه اليوم؟ شخصيا متأكد بأنه لا يستطيع وسيبقى اجتماع باريس مشروع هرج ومرج لكي تستمر عملية استقطاع الجنوب وكأن لسان حالها يقول: أنا طرف أساسي في اللعبة لأنها تعي جيداً العقبات التي تواجهها مستقبلاً وتعرف أنها لن تنجح". وسبق لحفتر والسراج أن التقيا بداية شهر مايو 2017 في أبوظبي، حيث اتفق الطرفان على تشكيل مجلس لرئاسة الدولة يضم كلاً من السراج وحفتر ورئيس البرلمان عقيلة صالح، إضافة إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد 6 أشهر من الاتفاق، فضلاً عن مواصلة محاربة الإرهاب وحل التشكيلات المسلحة غير النظامية. وهذا هو ثالث لقاء بينهما إذ التقيا في يناير 2016 بعيد تعيين السراج. موقف جماعة الإخوان في الوقت الذي عقد فيه إجتماع باريس انتقد حزب "العدالة والبناء"، الذراع السياسية لجماعة الإخوان الليبية، اللقاء، معتبراً أن عقد أي لقاءات برعاية دول منفردة يمثل انحرافاً عن مسار الاتفاق السياسي. وذكر حزب "العدالة والبناء"، أكبر الأحزاب ذات التوجهات الموصوفة بالإسلامية في ليبيا، إنه "يرفض إدخال أي تعديلات على الاتفاق السياسي دون رعاية مباشرة من منظمة الأممالمتحدة"، بحسب بيان للحزب. ورأى الملاحظون في بيان الحزب عكسا لعدم رضا البيت الأبيض عن التحرك الذي رعته باريس. يذكر أنه في ديسمبر 2015، وقعت أطراف النزاع الليبي في الصخيرات بالمغرب، برعاية الأممالمتحدة، اتفاقاً لإنهاء أزمة تعدد الشرعيات، تمخض عنه مجلس رئاسي لحكومة الوفاق الوطني، ومجلس الدولة، إضافة إلى تمديد عهدة مجلس النواب في مدينة طبرق، باعتباره هيئة تشريعية رسمية منتخبة في جو ديمقراطي، لكن مجلس النواب رفض اعتماد حكومة الوفاق، برئاسة السراج وذلك بعد إنحياز هذا الأخير لجماعة الإخوان وتخلفها عن تنفيذ بنود إتفاق الصخيرات حيث اتضح أن دولا غربية وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةوبريطانيا وأطراف عربية خليجية تسعى لإستخدام حكومة السراج كغطاء لتسليم السلطة إلى جماعة الإخوان التي خسرت الإنتخابات البرلمانية التي جرت سنة 2014. واعتبر الحزب الليبي أن "عقد أي لقاءات برعاية دول منفردة هو انحراف عن المسار السياسي للاتفاق السياسي، وتشويش عليه، ويفتح المجال لأجندات تلك الدول بتغليب طرف على الآخر أو بتعميق هوة الخلاف واستمرار الانقسام والأزمة". ودعا "الليبيين جميعاً بمختلف توجهاتهم إلى ضرورة الالتفاف حول الاتفاق، والتمسك بالمسار السياسي ومدنية ووحدة الدولة، ورفض العسكرة والتدخل الخارجي في شؤون البلاد". فيما دعا الحزب الأممالمتحدة إلى "إلزام أعضائها بالخضوع للاتفاق السياسي والتوقف عن التعامل مع الأجسام الموازية". وأعرب عن استغرابه من "صمت المجتمع الدولي تجاه انتهاك بعض الدول العهود والمواثيق الدولية وقرارات الأممالمتحدة من خلال دعم الأطراف المسلحة المناوئة للاتفاق"، على حد قوله. المشكلة تَكمن في التطبيق صحيفة رأي اليوم التي تصدر في العاصمة البريطانية علقت وقالت، النقاط الرئيسية في هذا الاتفاق وأبرزها تحقيق المصالحة الوطنية، والعودة الآمنة للنازحين والمهجرين، واعتماد إجراءات العدالة الانتقالية، وجبر الضرر والعفو العام، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية كلها وردت في اتفاقات سابقة مماثلة تقريبا، وآخرها اتفاق الصخيرات الذي انبثقت عنه حكومة السراج برعاية أممية، ودعم إقليمي، ولكن ظل هذا الاتفاق معلعلًا، ولم يحقّق أهدافه في إنهاء حالة التشرذم والانقسامات المناطقية والسياسية والقبلية التي تعيشها ليبيا حاليًا. لا نعرف كيف سيكون موقف القِوى والحكومات الأخرى، التي لم تشارك في المُفاوضات واللقاءات التي أدت إلى هذا الاتفاق، مثل حكومة "الإنقاذ" التي تمثل برلمانًا منتهي الصلاحية، وغير معترف به، ولكنها تحظى بدعم ميليشيات فجر ليبيا، أو كتائب مصراته، وحركة "الإخوان المسلمين" تحديدًا ودولة قطر أيضًا. الحديث عن وقف لإطلاق النار، وحل الميليشيات، ودمج بعض المُقاتلين في القوات النظامية، وإخضاع الجيش الليبي للقيادة السياسية، كلها عناوين براقة جميلة، كما أن رعاية فرنسا ورئيسها لهذا الاتفاق مهم أيضًا، ففرنسا الرئيس ساركوزي هي التي "فبركت" الثورة في ليبيا، وكانت المحرض الرئيسي على تدخّل حلف الناتو في البلاد، وقتل العقيد معمر القذافي بطريقة بشعة، ولكن كل هذا لا يعني أن فُرص النجاح مضمونة لهذا الاتفاق، ولن تتحطّم على صخرة الخلافات والميليشيات مثل غيرها من مصالحات ومبادرات سابقة. من الواضح أن هناك تفاهمات سرية، لم يتم الإعلان عنها، أبرزها يتعلق بتقسيم السلطة، وتوزيع المناصب والصلاحيات، بين الرئيس السراج والمشير حفتر، حيث يحظى الأول بدعم دولي، ويتمتع الثاني بدعمٍ إقليمي من مصر والإمارات أساسا، وبرلمان منتخب، وحكومة مؤقّتة في البيضاء، وجيش قوي. الأسئلة التي يتطلّع الليبيون جميعا، أو معظمهم، لإجابة واضحة وصريحة عنها، هو من سيكون رئيس ليبيا القادم، وهل هو السراج أم حفتر؟ وإذا كان الاتفاق على أن يخضع الجيش الليبي للقيادة السياسية، فهل هذا يعني أن يكون قائده المقترح المشير حفتر خاضعا لسلطة الرئيس السراج؟ ومن سيشرف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهل سيترشح فيها السراح وحفتر كأفراد أم ككتل سياسية؟ وما هي مواقف القِوى الأُخرى؟ ثم ما هو نصيب "القذاذفة" من كعكة السلطة، وما هو دور سيف الإسلام القذافي تحديدا في المرحلة المقبلة؟ البيان الخِتامي للقاء القمة بين السراج وحفتر لم يقدم أي أجوبة تشفي غليل الفضولين، أو المَعنيين معا، وكان عموميا في طرحه، الأمر الذي يلقي بالكثير من ظِلال الشكوك حول فُرص نجاحه، ومع ذلك تظل هناك مساحة لا بأس بها من التفاؤل. الشعب الليبي تعرض لأكبر خديعة في تاريخه كانت متمثلة في ثورة فبركتها فرنسا، وتواطؤ معها فيها جامعة الدول العربية، وأمينها العام عمرو موسى، ودول عربية مثل قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات ومصر، فهذه الأطراف العربية هي التي وفّرت الغِطاء "الشرعي" العربي، لهذه المؤامرة التي أوصلت ليبيا إلى هذا الوضع المأساوي، ونَهب أكثر من 300 مليار دولار من أرصدتها المالية والذهبية التي تركها النظام السابق. السيطرة على طرابلس بعد 24 ساعة من لقاء باريس أي يوم الأربعاء 26 يوليو، دعا المشير خليفة حفتر فايز السراج إلى الابتعاد عن "العنترة" وقال انه لا يسيطر على العاصمة طرابلس التي هي "ملك لكل الليبيين". وقال في مقابلة مع قناة "فرانس24" بثتها مساء الأربعاء إن السراج "لا يملك المدينة. طرابلس هي عاصمة كل الليبيين ولا يملكها أي شخص وهو لا يسيطر على طرابلس". وعلق حفتر، لدى سؤاله عن تصريح السراج بأنه من الحماقة التفكير في دخول الجيش طرابلس، قائلا "هذه عنترة لا تعني شيئا وهو رجل مهندس وعليه أن يتكلم وفق مجاله وبناء على اختصاصه بعيدا عن هذه العنترة التي لا يملك منها إلا الكلام". وأضاف "متى سمعنا أن هناك خطرا يدق أبوابها "طرابلس" فنحن لها". وتابع "طموحي أن تكون ليبيا دولة آمنة ومستقرة وتعيش حياتها مثل باقي العالم، نحن حراس الشعب". والقت تصريحات حفتر بظلال على الاتفاق الذي انتزع الثلاثاء في المنطقة الباريسية، لكن دون توقيع، ويقول ملاحظون أن الإتفاق أو الإعلان المبدئي يبقى عاما جدا ولا يلزم الفصائل والمجموعات المسلحة الكثيرة في ليبيا والمتحالفة قليلا أو كثيرا مع احد الطرفين. ولا توجد جبهات قتال بمعنى الكلمة في ليبيا وإنما بؤر معارك على كامل ترابها وسلطتان متنافستان هي حكومة السراج التي لا تملك قوة عسكرية حقيقية تابعة لها وحكومة شرق ليبيا المسيطرة على الجيش الليبي الذي يقوده حفتر. وأكد حفتر مجددا في المقابلة أن وقف إطلاق النار لا يشمل "المجموعات الإرهابية على غرار داعش والقاعدة والجماعة الليبية المقاتلة وسرايا الدفاع عن بنغازي والمتشددين من أمثال الإخوان المسلمين هؤلاء كلهم في بوتقة واحدة وهم أعداء ولا تفاهم معهم". ولا زال السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني التي استقرت في قاعدة بحرية صغيرة قرب طرابلس منذ مارس 2016 يجد صعوبات في بسط سلطة حكومته خاصة أن الجزء الأكبر من العاصمة الليبية خاضع لمليشيات موالية لحكومة الغويل المنبثقة عن جماعة الإخوان. وغرقت ليبيا الغنية بالنفط في الفوضى منذ غزو حلف الناتو الذي بررته واشنطن وباريس بحماية ثورة المعارضين للزعيم الليبي معمر القذافي. دور سيف الإسلام بعد تصريحه لإذاعة فرانس 24 أكد حفتر لصحيفة الحياة الصادرة في لندن، أن سيف الإسلام القذافي طليق وفي مكان آمن، مبدياً ترحيبه باضطلاع نجل العقيد الراحل معمر القذافي بدور سياسي "اذا أراد". كما أكد حفتر أن لا مشكلة مع «الإخوان المعتدلين» بل مع المتطرفين. وقال إن اتفاق باريس سينفذ والهدف منه الانتقال من الفوضى الى بناء دولة. وفي حديثه، رأى حفتر أن "أهم مفاعيل الاتفاق سيكون توحيد الجيش الذي يشهد منذ ثلاث سنوات تخريج آلاف الجنود وضباط الصف في الكلية العسكرية". وأوضح أن "لدى الجيش بعثات في الخارج في دول مثل مصر وتركيا وأماكن عدة أنهى أفرادها دوراتهم وعادوا". وزاد: "نحن في مرحلة إعادة تنظيم بعد ثلاث سنوات من القتال. وبعد السيطرة على مناطق بكاملها، نفتح الأبواب لكل من كانوا في الجيش ويسمح لهم القانون بالانضواء مجدداً ولم يرتكبوا جرائم". وعما إذا كانت القوة الأمنية التابعة لحكومة السراج ستدمج بالجيش، قال: "طبعاً القوة الأمنية تتوحد مع الجيش وتتماشى مع قوة أكبر لدينا، فهما صنف واحد، سواء كان على صعيد الاستخبارات أو القوات المسلحة النظامية". وعن كيفية دخول الجيش الى العاصمة الليبية، قال: "كل محيط طرابلس تابع لنا، والخريطة تظهر أن جيشنا يغطي كل الأماكن حتى داخل المدينة". وسألته "الحياة" عن كيفية تعامله مع المعارضة خصوصاً تيار "الإخوان المسلمين"، أجاب: "لا مشكلة لدينا مع المعتدلين من الاخوان، أما المتطرفون فهم ليسوا مسلمين بل لديهم نهج عنيف، ويرفضون الدولة الوطنية ويمتلكون مشروعاً أيديولوجياً كبيراً وهو مرفوض". وعن حقيقة تواجد سيف الإسلام القذافي في المنطقة التي تسيطر عليها قوات الجيش وعما اذا كان طليقاً فعلاً، قال حفتر إن سيف الإسلام "مواطن ليبي عادي وأنا لم أره بل أتابع تحركاته منذ الإفراج عنه وهو في مكان محدد. وليس لدينا مأخذ شخصي ضده، بل بالعكس أهلاً وسهلاً به". وهل يمكن أن يكون لسيف الإسلام دور سياسي؟ أجاب حفتر: "ولما لا؟ إذا كان يريد لعب دور سياسي فلا مشكلة". ونفى المشير أن يكون السراج عرض عليه الرئاسة، وقال: "لم يعرض عليّ ذلك، ولا هو ولا أنا، نفكر في هذا الأمر الآن، بل تفكيرنا ينصب على نقل ليبيا من دولة فاشلة الى دولة حقيقية يعترف بها العالم". وزاد: "دوري في هذه الدولة سيبقى كما هو". وأضاف: "عندما حدث التغيير بعد معمر القذافي توقعنا أن ننتقل الى دولة، ولكن كانت الفوضى والآن نريد أن تنتهي وأن يعود البلد دولة مستقرة آمنة يقوم فيها نظام ديموقراطي". وتحدث حفتر عن اجتماع مقبل لضباط الجيش في مصر في إطار توحيد القوات المسلحة، وقال: "كل الضباط الذين قرروا الاجتماع في القاهرة جزء من القوات المسلحة الليبية وجزء آخر من مصراته والبعض يعتقد أن كلاً منهما لديه مأخذ على الآخر، بالعكس نحن أبناء مؤسسة واحدة وليس لدينا لا شرق ولا غرب كلنا واحد". وعن فرص نجاح الاتفاق بينه وبين السراج بعد طول انتظار، قال: "تضافرت الجهود والمبادرات التي قدمت من فرنسا ومصر وتونس والجزائر والإمارات كلها صبت في الهدف نفسه". ليبيا رهينة الجماعات المسلحة بعد ست سنوات من إطاحة حلف الناتو بالزعيم الليبي معمر القذافي ما تزال ليبيا تعيش في ظل فوضى تتنازعها جماعات مسلحة متصارعة، وتحولت كما أرادت ذلك الولاياتالمتحدة وأطراف أخرى إلى قاعدة لتصدير الفوضى والتنظيمات المسلحة المختلفة إلى دول الجوار خاصة مصر ودول المغرب العربي وكذلك منطقة الساحل. كما أن هذه الفوضى شجعت نمو ظاهرة الهجرة غير الشرعية إذ تقوم عصابات منظمة بالاتجار بالبشر وإرسال آلاف المهاجرين بواسطة قوارب مطاطية بدائية إنطلاقا من الشواطىء الليبية إلى القارة الأوروبية. هنا لمحة عن الجيش الليبي والمليشيات والجماعات المسلحة كما وضعتها هيئات بحث بريطانية: الجيش الوطني الليبي يضم عدة مجموعات عسكرية موالية للحكومة الموجودة في شرق ليبيا ويقودها المشير خليفة حفتر، ويضم في صفوفه عددا كبيرا من ضباط وجنود الجيش الليبي السابقين. وشن حفتر عام 2014 حملة عسكرية عنيفة ضد المليشيات المحسوبة على ما يسمى تيار الإسلام السياسي أطلق عليها عملية "الكرامة", هذه العملية واجهت تدخلات خارجية كثيرة لدعم جماعات الإخوان حيث أرسلت تركيا ودول خليجية أسلحة ومسلحين من جنسيات مختلفة لمقاومة تقدم الجيش الليبي. وأهم المجموعات المنضوية في قوات الجيش ألوية القعقاع، القوات الخاصة، لواء الدبابات، قوات الصاعقة، ثوار الزنتان. وثوار الزنتان ميلشيا قوية موالية للحكومة الشرعية وخاضت مواجهات عنيفة مع قوات فجر ليبيا. وهي التي كانت تعتقل سيف الاسلام القذافي إلى أن أطلقت سراحه مؤخرا. ويحظى حفتر بدعم مصر منذ سقوط حكم الإخوان في القاهرة وفرنسا ودولة الإمارات العربية. فجر ليبيا جماعة متفرعة عن الإخوان تسيطر على أجزاء واسعة من العاصمة طرابلس وهي التي هاجمت عام 2014 مطار العاصمة واستولت عليه وعلى أجزاء من العاصمة. تعتبر الجماعة موالية للمؤتمر الوطني العام، البرلمان الليبي، في طرابلس الذي انتهت صلاحيته بعد إنتخابات سنة 2014. تمتلك فجر ليبيا أسلحة ثقيلة بما فيها الطائرات وكانت تسيطر على معظم المدن الساحلية قبل أن تتمكن قوات الجنرال حفتر من انتزاع السيطرة منها بحيث اقتصرت سيطرتها على المدن الغربية الساحلية بدءً من سرت حتى الحدود مع تونس. جنوبا تمتد سيطرتها حتى مدن غريان ونالوت وجادو في منطقة جبال نفوسة. معظم أفراد هذه الجماعة ينحدرون من مدينة مصراتة لكن عناصرها المتمركزين في مصراتة بدأوا مؤخراً يبتعدون عن قيادة فجر ليبيا. ظهرات بوادر إنشقاق في صفوفها بسبب إختلاف المواقف من خطة الأممالمتحدة لتشكيل حكومة مصالحة وطنية تضم الحكومتين المتنافستين حاليا. درع ليبيا عبارة عن تجمع لمجموعات مسلحة متحالفة تحت هذا الاسم وتعمل في عدة مناطق في ليبيا. أهم هذه المجموعات درع المركز الموالية للمؤتمر الوطني في طرابلس وتعتبرها حكومة الغويل قوات تابعة لوزارة الدفاع الليبية التي يسييرها الإخوان. أما القوة الثالثة في درع ليبيا فتقودها الشخصية الجهادية المعروفة وسام بن حميد الذي كان يقاتل إلى جانب زعيم أنصار الشريعة السابق محمد الزهاوي، وقتل عام 2015. كما يتولى بن حميد منصب القائد الميداني لمجلس شورى ثوار بنغازي وأعلنت قوات حفتر أوائل عام 2017 مقتل بن حميد لكن لم يتم التأكد من ذلك حتى الآن. قوات موالية لنوري بو سهمين أحد قادة جماعة الإخوان الكتيبة 166 التي قاتلت إلى جانب قوات فجر ليبيا "الدولة الاسلامية" في مدينة سرت والمناطق المجاورة لها. وانسحبت الكتيبة من المدينة قبل سقوطها بيد التنظيم في مايو 2015 وهو ما أثار حفيظة حكومة شرق ليبيا وتتهم قيادة الكتيبة بالتواطؤ مع التنظيم. وردت قيادة الكتيبة بأنها انسحبت بسبب عدم تلقيها الدعم من حكومة الوفاق الوطني. "الدولة الاسلامية" ظهر التنظيم عام 2015 معتمدا إلى حد كبير على تواجد موالين له في مدينة درنة، معقل المتشددين تاريخيا في شرق ليبيا. وبعد مبايعة "الدولة الاسلامية" في سوريا والعراق استولى على المدينة وأقام إدارة لها. تم إرغام التنظيم على الفرار من المدينة في يوليو 2015، فتوجه إلى مدينة سرت الساحلية ليفرض سيطرته عليها كاملا. وهناك خشية من أن يحول التنظيم المناطق التي يسيطر عليها إلى معسكرات لتدريب "الجهاديين" والتخطيط لهجمات دموية في حوض المتوسط على شاكلة الهجمات الدموية التي نفذها في القارة الاوروبية, للتنظيم حضور في مدن النوفلية وسدرا وبن جواد، وحاول في فترة معينة الوصول إلى المنشآت النفطية في رأس لانوف وقد وقعت مواجهات بينه وبين حراس المنشآت النفطية. وأشار تقرير للامم المتحدة إلى أن عدد مقاتلي التنظيم في ليبيا يتراوح بين 2 الى 3 آلاف فرد منهم 1500 كانوا في مدينة سرت، كما أنه يجتذب مقاتلين من دول جنوب الصحراء الكبرى. وتخوض قوات مجلس شورى مجاهدي درنة ولواء "شهداء أبو سليم" المقربة من "أنصار الشريعة" مواجهات مع التنظيم. وتمكنت القوات الموالية للحكومة والمدعومة من الغرب مؤخرا طرد التنظيم من مدينة سرت وتواري مقاتلوه عن الانظار. "أنصار الشريعة" تعتبر هذه المجموعة مقربة من فكر "تنظيم القاعدة" وتتمركز في شرق ليبيا وحتى فترة قريبة في أجزاء من مدينة بنغازي ولها حضور بارز منذ الإطاحة بالقذافي عام 2011، ودخلت في مواجهات دموية مع قوات "الجيش الوطني" في بنغازي إلى أن تمكن الاخير من القضاء على وجودها في المدينة. كما أن للمجموعة تواجد في مدن درنة وصبراتة. وتتهم المجموعة بالمسؤولية عن إغتيال السفير الامريكي في ليبيا عند الهجوم على القنصلية الامريكية في بنغازي عام 2012 مما حدا بالولاياتالمتحدة إلى ادراجها في قائمة المنمظمات الإرهابية. مجلس شورى ثوار بنغازي عبارة عن تجمع لمجموعات "جهادية" بينها جماعات متطرفة مثل "أنصار الشريعة"، و لواء ثوار 17 فبراير ولواء "راف الله الساحتي" وخاضت هذه القوات صراعا عنيفا ضد قوات حفتر في بنغازي إلى أن تم القضاء على وجودها في المدينة. وقد شكلت هذه المجموعات مليشيا جديدة تحت اسم "ألوية الدفاع عن بنغازي" وهي التي قتلت ثلاثة جنود فرنسيين لدى سقوط الطائرة العمودية التي كانوا على متنها في ليبيا. واتهم ما يعرف تنظيم الدولة هذه المجموعات بالإرتباط بقوات "فجر ليبيا" وكفرتها. مجلس شورى مجاهدي درنة مجموعة من الجماعات "الجهادية" المسلحة تشكلت عام 2014 وهي موالية لتنظيم القاعدة وبرزت بقوة على الساحة بعد نجاحها في طرد "الدولة الاسلامية" من أغلب أحياء مدينة درنة عام 2015. وتوسعت المواجهات بين الطرفين في أعقاب قيام "الدولة الاسلامية" باغتيال شخصيتين مقربتين من مجلس شورى مجاهدي درنة. مجلس ثوار أجدابيا جماعة "جهادية" مسلحة تتمركز في مدينة أجدابيا الساحلية غرب بنغازي ويقودها محمد الزاوي. أعلنت وكالة "اعماق" التابعة لتنظيم الدولة مرتين أن الزاوي قد بايع التنظيم أوئل عام 2016 لكن المجلس أصدر بيانا أشار فيه إلى أن المبايعة أمر يخصه ولا صلة للمجلس بهذا الأمر. وتناصب هذه المجموعة خليفة حفتر العداء أيضا ووقعت صدامات بينهما. تحالف جديد تقدر مصادر رصد أن إتفاق باريس الأخير يمكن الجيش الليبي وأنصار حكومة عبد الله الثني داخليا وخارجيا من تخطي المعارضة الأمريكية أمام الأممالمتحدة على أساس قول واشنطن أن الشرعية تعود إلى حكومة السراج فقط، ويقطع الإتفاق أيضا الطريق على أي محاولة تنظم في مجلس الأمن الدولي لتوجيه إنتقادات أو ضربات للجيش الليبي خاصة بعد إنضمام فرنسا إلى روسيا والصين في تأييد المشير حفتر, موقف فرنسا يعزز مواقف مصر والإمارات العربية في مواجهة تأييد واشنطن وأنقرة والدوحة لجماعات الإخوان. على ضوء السيطرة المتسعة للجيش الليبي سيساعد إتفاق باريس حتى وإن ظل على الورق استكمال سيطرة الجيش الليبي على ما تبقى من أراضي خارج سيطرته بما في ذلك العاصمة طرابلس, السؤال المطروح حاليا هو إلى أي مدى ستذهب واشنطن ومن يحالفها في مقاومة التطورات المستقبلية المتوقعة وإلى أي حد ستبقى السياسة الفرنسية ثابتة أمام الضغوط والإغراءات الأمريكية. عمر نجيب للتواصل مع الكاتب: