امتحان مفاجئ جديد يفشل فيه حزب العدالة والتنمية، ويتسرع في اتخاذ موقف قوة غير مبرر وغير مطلوب حاليا، -على الأقل- على هذا المستوى من التقاضي في ملف عبد العالي حامي الدين، إنه الاختبار التجريبي المرتبط بالإجابة على سؤال: هل تحترم جماعتكم القضاء والقانون والدستور إذا تعارضت مخرجاتها ولو مرحليا، مع مصالحكم الشخصية؟ إنه فصام أو “سكيزوفرينيا” عميقة ما بين عشق الجماعة والتنظيم، وما بين الدفاع عن مؤسسات الدولة والوطن وعلى رأسها القضاء. وإلا لماذا جاء الجواب منفعلا نفسيا انفعال المصطفى الرميد، بدون تبصر أو انتظار وتريث وتروي؟ لقد كان الجواب متعصبا لبني الفصيلة والجماعة، والمفارقة أنه لم يكن جوابهم بهذه الحدة عندما تعلق الأمر في عدة مناسبات بمواطنين عاديين وبشخصيات أخرى، تعرضت لما تعرض له حامي الدين وأكثر من وجهة نظر قضائية وحقوقية. ولأن أجوبتهم كانت في السابق توحي باحترام القضاء والمؤسسات وتوصي بالصبر والتريث. فقد صدق إذن من قالوا بأن الجماعة عند أهل “البيجيدي” أولى من الوطن. وعلى غرار تلك الاختبارات/ الفخاخ التي يباغث بها الأستاذ تلاميذه في قسم الدرس في صباح ما، بهدف الاطلاع على الجاهزية النفسية والمعرفية لامتحانات الجد، تعرض البيجيدي لامتحان بسيط، مستفز أي نعم، لكن يبقى امتحانا له أجوبته الخاصة التي تحتكم للعقل بدون هيجان عصبي. البلاغ الذي أصدرته الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية حاول البحث عن مسوغات قانونية للطعن في قرار قاضي التحقيق في متابعة أحد قياديي الحزب، غير أنه يظل في عمقه خطابا سياسيا متعصبا للتنظيم الإسلامي، ومستعملا لغة القوة السياسية الرمزية لمواجهة الدولة ككل. فبالنظر إلى معطيات البلاغ، لا يمكن أن نخطئ النظر في كونه غض الطرف عن كون قرارات قضاء التحقيق باعتبارها سلطة اتهام لا تبت في الموضوع. من هذا المنطلق فقرار القاضي يدخل ضمن القرارات القابلة للإلغاء والمراجعة أمام باقي درجات التقاضي، ومعلوم أن ثلث الملفات القضائية تقريبا ترفض لعدم القبول شكلا أو حتى موضوعا أمام الدرجات العليا للتقاضي. وحتى لو افترضنا أن القاضي قد وقع في خطإ جسيم، فإن القانون قد عرف الخطأ الجسيم ورتب جزاءات عن ذلك، ويتعين اللجوء إلى المساطر القانونية التي من شأنها أن تلغي القرار. بلاغ البيجيدي افترض بل وأَقرَّ ضمنيا بوجود استهداف للحزب، وحاول زرع الشك في المؤسسات والمكتسبات، كما حاول زعزعة الثقة في القضاء. هذا كله في ظل التجربة الفتية لاستقلالية القضاء التي تحتاج إلى دعم ومواكبة جميع الفاعلين، بدل محاولة التأثير على التجربة والتشكيك فيها. بذلك، يمكن القول أن البيجيدي فشل مرة أخرى في امتحان دعم المؤسسات والولاء للدولة، لصالح العشيرة السياسية والتنظيمية وتناسى أن دولة الديمقراطية والقانون وحقوق الإنسان هو بناء مستمر ومسار طويل لم يكتمل، ولن يكتمل حتى في أعرق الديمقراطيات في العالم، وأن الديمقراطية وحقوق الإنسان غائبة إلى حد بعيد أيضا في كثير من المستشفيات والمدارس والمرافق العامة، فلم الصمت عنها وانتقاء ما يمس فقط نُشطاء وقياديي التنظيم؟