إن ما شهده العالم من تغيرات و تحولات على الصعيد الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي وانفتاح اقتصادي وحرية للتجارة وسهولة تنقل الأشخاص والبضائع بين الدول، أدى إلى تطور الجريمة المنظمة وانتشارها لتصبح عابرة للحدود الوطنية وخطراً يهدد معظم دول العالم. وهذه التغيرات و التحولات انعكست لاحقا على الواقع الأمني بمنطقة شمال افريقيا بصفة عامة و بالمغرب بصفة خاصة، الذي لم يبق بمعزل عن سلسلة هذه التحولات العميقة التي عرفها العالم . يضاف إلى هذه العوامل السالفة الذكر عامل الحدود المشتركة بين المغرب و بعض الدول الإفريقية، حيث يعيش الساحل الإفريقي ظواهر إجرامية تتمثل في الإرهاب و تجارة المخدرات ورواج سوق الأسلحة. هذه الظواهر شكلت ولا تزال تشكل معضلة خطيرة وتطرح في نفس الوقت إشكالية السياسة الأمنية في هذه المنطقة. كما أخذت ظاهرة الجريمة المنظمة أبعاد أمنية خطيرة و تحديات أخرى كالإرهاب والهجرة غير الشرعية والتي أدت إلى خلق توترات بالمنطقة، فالهجرة غير القانونية القادمة من الدول الإفريقية باتجاه دول شمال إفريقيا وعلى رأسها المغرب، مما أصبح يحتم على دول المنطقة البحث عن الطرق و السبل الناجعة و المناسبة لمواجهة المخاطر و التهديدات، و تكثيف الجهود من أجل إحداث نقلة نوعية في العمل التنسيقي و التشاركي والاندماجي المغاربي. و هنا يطرح بشدة موضوع توحيد الاستراتيجية الأمنية بين دول اتحاد المغرب العربي، مع تجاوز الخلافات السياسية تحقيقا للمصالح المشتركة. و انسجاما مع التزاماته الدولية، فقد وضع المغرب استراتيجية متعددة الأبعاد لمكافحة الجريمة المنظمة، وتعزيز آليات العدالة الجنائية. فيعتبر المغرب من بين البلدان الأولى التي وقعت وصادقت على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية بتاريخ 13 دجنبر 2000 ، و صادقت عليها الحكومة المغربية بتاريخ 19 شتنبر 2002. وعلى المستوى التشريعي، شرع المغرب في إدخال العديد من الإصلاحات التي أدت إلى اعتماد آليات جديدة من خلال تحيين القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية. كما أن القوانين المتعلقة بمحاربة تبييض الأموال ومكافحة الفساد ، التي اعتمدها المغرب في السنوات الأخيرة ، جاءت لتكمل الترسانة القانونية الهادفة إلى مكافحة الاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة والإرهاب. مع العلم ، أن المغرب يوجد ضمن قائمة بأسماء البلدان المهددة من جراء جرائم تبييض الأموال المخصص لتمويل الأعمال الإرهابية ، بسبب الوضع الأمني الهش في منطقة الساحل و الصحراء، و في صحراء الجزائر، وفي ليبيا ، التي أصبحت مترعا للجماعات الإرهابية بسبب الظروف السياسية غير المستقرة . كما لا ننسى الدور المهم الذي تؤديه وحدة معالجة المعلومات المالية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب منذ إحداثها ، و أيضا المجهودات الجبارة التي يقوم بها المكتب المركزي للأبحاث القضائية في هذا الشأن . فحسب التقرير الأخير الذي صدر عن المكتب المذكور شهر أكتوبر 2018 ، أن فرقة مكافحة الجريمة المنظمة، تمكنت من تفكيك العديد من الشبكات الإجرامية التي تنشط في الاتجار في المخدرات ، و من فك خيوط العديد من القضايا المرتبطة، أساسا، بالقتل العمد والهجرة السرية والسطو المسلح. للإشارة ، أن مجال تدخل واختصاصات فرقة مكافحة الجريمة المنظمة، تهم، حسب المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية، مكافحة العصابات، والاتجار في المخدرات والأقراص المهلوسة، والاتجار في الاسلحة والمتفجرات، والمس بأمن الدولة، وتزوير الأوراق النقدية، وجرائم القتل، والاتجار في البشر، والاختطافات واحتجاز الرهائن، والمس بالصحة العمومية. وأخيرا ، لا بد من التنويه بالاستراتيجية الأمنية للمغرب الذي أبانت عن نجاحتها في مواجهة الجريمة المنظمة ، و نأمل أيضا أن تستفيد منها و تنخرط فيها دول المنطقة المغاربية و منطقة الساحل و الصحراء .