أعلنت الجزائر الثلاثاء المنصرم، موافقتها الرسمية على الدعوة التي وجهها المبعوث الأممي لملف الصحراء المغربية هورست كوهلر، إلى الأطراف المعنية للمشاركة في لقاء جنيف المرتقب يومي 4 و5 من شهر دجنبر المقبل. ورغم أن الموافقة كانت متوقعة، إلا أنها تطرح السؤال مجددا، حول مدى قدرة الجزائر المفتعلة لهذا النزاع الإقليمي، في الانخراط الفعلي والجدي في مشاورات جنيف المقبلة، والتخلص من العوائق النفسية، وعدم الاستمرار بسياسة الاختباء وراء البوليساريو التي لا تمثل إلا نفسها، وليست عضوا بالأممالمتحدة. وهو ما يفرض على الجارة الشرقية للمغرب، التحلي بالشجاعة للجلوس مع المغرب وجها لوجه، بعيدا عن البوليساريو أو موريتانيا، على طاولة المفاوضات باعتبار أنها طرف رئيسي يعيش فوق ترابه صحراويو تندوف، والمُسلحة والمُمولة والمُوجهة لجبهة البوليساريو، والداعم الأول للأطروحة الانفصالية بشكل عام. واعتبارا لما نص عليه قرار مجلس الأمن الدولي 2414، الذي أهاب بالأطراف الرئيسية استئناف المفاوضات، في إشارة واضحة إلى الجزائر، ورغبة الأممالمتحدة بوضعها أمام مسؤوليتها، للانخراط فعليا في عملية التفاوض، طبقا للمبادئ التوجيهية وقرارات مجلس الأمن. ثم إن الواقعية السياسية، باتت تلح على الجزائر إعادة مراجعة أوراقها، والتخلي عن أهدافها ومطامحها، والنظر اليوم لحال صحراويي تندوف، وما يعيشونه أسفا من حالة الانتظار والانسداد وضيق الأفق، عكس بني عمومتهم بالضفة الأخرى تحت السيادة المغربية، وما يشهدونه من تقدم وازدهار والفرص والتنمية. ذلك أن مخيمات تندوف، وواقع ساكنتها المعيشي، أصبحا أكثر من أي وقت مضى يسائلان الجزائر ومصلحتها عن استمرار المعاناة الإنسانية، وبقاء الوضع كما هو عليه، على حساب جزء من الصحراويين، ذنبهم أنهم المطيّة الوحيدة للنظام الجزائري في تحقيق أهدافه ومراميه السياسية والاقتصادية والاستراتيجية. لذا، فإن المطلوب اليوم من هورست كوهلر في لقاء جنيف المقبل، هو الإدراك أولا بأن المشكل لا يكمن في التوصل إلى حل بل المسار الذي يؤدي إليه، وأن عليه العمل بشكل مركز والتوجه نحو الجزائر ودفعها لفتح مفاوضات جادة ومسؤولة مع المغرب، ما دامت المتحكم الرئيسي والفعلي في خيوط ودواليب الأمور بالمخيمات وجبهة البوليساريو. وهو الأمر الذي أكده الباحث في العلوم السياسية محمد وباعوس في تصريح ل”برلمانكم“، بأن الجزائر تتحمل مسؤولية تاريخية وسياسية في افتعال وتأجيج واستدامة النزاع بالصحراء، وهي الداعم الأول والأوحد في تسليح وتمويل واحتضان جبهة البوليساريو، وراعيتها ماديا ومعنويا، ومساندتها سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا، في تحد سافر للوحدة الترابية والوطنية للمملكة، طيلة أزيد من 40 سنة من هذا النزاع المفتعل. وأضاف محمد أوباعوس، أن الجزائر تتحمل مسؤولية قانونية أمام المنتظم الدولي، وتجاه أعضاء مجلس الأمن لاحتضانها مخيمات تندوف، والصحراويين المحتجزين قسرا وتعسفا هناك، فالمجتمع الدولي ما فتئ يحث الجزائر على تحمل كامل مسؤوليتها، والسماح للأمم المتحدة بتسجيل وإحصاء صحراويي تندوف، تنفيذا لقرارات مجلس الأمن الدولي، واستجابة لنداءات الأمين العام للأمم المتحدة والهيئات الإنسانية المختصة. وذكر أوباعوس في حديثه مع “برلمانكم”، أنه يستوجب على الجزائر أن تنخرط بحسن نية في المسلسل السياسي ولقاء جنيف المرتقب، وأن تضطلع بمسؤولياتها الثابتة في نزاع الصحراء المغربية، سيما وأن مجلس الأمن يشجعها في كل قراراته على دعم جهود التعاون مع مفوضية الأممالمتحدة من أجل تحديد وتنفيذ تدابير لبناء الثقة، وتقديم إسهامات هامة في العملية السياسية وإلى زيادة مشاركتها في عملية التفاوض، للوصول إلى حل للخلاف الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، الذي يشكل سببا رئيسا في إذكاء التوتر بالمنطقة، وعائقا أمام العمل المشترك والاندماج المغاربي. وخلص المتحدث، إلى أن الآثار الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية والأمنية لهذا النزاع الذي طال أمده، تلقي بثقلها على التكامل الإقليمي للمنطقة، وما ينجم عن ذلك من ضياع فرص العمل وتعثر النمو وهدر التنمية، فالجزائر ليست جارا عاديا للمغرب بل تشكل بجانب موريتانيا، مراقبين رسميين ودائمين لعملية السلام والتسوية السلمية لهذا النزاع، ما يستوجب مواصلة حوار شفاف ومسؤول، خصوصا وأن المغرب والجزائر سيجلسان حول مائدة مستديرة في جنيف يومي 5 و6 من دجنبر المقبل، للتباحث حول المكنات القانونية والحلول الممكنة، حيث لا يمكن تصور حل للنزاع الإقليمي حول الصحراء دون التشاور وتدخل الجزائر الطرف الرئيسي المسؤول عن نشأة هذا النزاع واستدامته.