يتميز رمضان بقدسية ورمزية دينية خاصة، بالنظر إلى أهمية الأحداث التي وقعت بالتوازي مع هذا الشهر الكريم والتي ظلت موشومة في الذاكرة الإسلامية، والتي لازال المسلمون يعمدون على إحياء هذه اللحظات التاريخية التي تنضاف للرصيد التاريخي الذي تمكن المسلمون من مراكمته على طول السنوات الماضية. من أبرز هذه اللحظات التاريخية، التي لا يمكن الحديث عن المجد الإسلامي في ظل غيابها، الفتوحات الإسلامية والغزوات التي تمكن المسلمون من خلالها تحقيق النصر والفوز، في أفق مواجهة المشركين ونشر الدعوة الإسلامية، كما ينضاف في هذا الصدد ميلاد مجموعة من الشخصيات البارزة التي طبعت التاريخ الإسلامي، والتي تنحذر معظمها من البيت الشريف للنبي صلى الله عليه وسلم. في السياق ذاته، لا يمكن الحديث عن المجد الإسلامي، وعظيم شهر رمضان دون الإشارة إلى أن هذا الشهر تميز باحتضان ميلاد فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم. ولدت فاطمة الزهراء في العشرين من جمادى الآخرة قبيل البعثة النبوية بسنوات، وكانت رضي الله عنها الأنثى الرابعة للرسول صلى الله عليه وسلم في بيئة كانت ترفض الأنثى حتى كان الواحد منهم إذا بشر بها ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب. عاشت الزهراء رضي الله عنها اضطهاد قريش لأبيها بمكة حينما كان يدعو إلى الله الواحد، كانت الفتاة ترى كل ذلك وتحسه وتلمسه بل وتُسهم في دفعه عنه بيديها حينا وبدموعها الغزيرة أحايين أخرى. ويشار إلى أن فاطمة الزهراء رضي الله عنها كانت أصغر بنات الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنها وقد بلغت مبلغ النساء فقد بدأ الخُطاب يتوافدون وكان من بينهم علي بن أبي طالب قال: "أردت أن أخطب إلى رسول الله ابنته –والله مالي شيء- فخطبتها إليه، فقال: وهل عندك شيء؟ فقلت: لا، قال: فأين درعك الحطمية التي أعطيتك يوم كذا كذا؟ قلت: هي عندي، قال: فأعطها إياه" فكانت تلك الدرع مهر بنت رسول الله. كانت فاطمة الزهراء رضي الله عنها أصغر بنات الرسول صلى الله عليه وسلم وأحبهن إليه خاصة وأنها آخر من بقي من بين أولاده جميعا، فقد توفيت أختها رقية وتلتها زينب وبعدهما رحلت أم كلثوم كما كانت أشبه الناس به خَلقا وخُلقا. وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: "ما رأيت أحدا أشبه سمتا وهديا برسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامه وقعوده من فاطمة بنت رسول الله" وقالت أيضا: "وكان إذا دخلت على النبي قام إليها فقبلها وأجلسها مجلسه، وكان النبي إذا دخل عليها قامت إليه فقبلته وأجلسته مجلسها". ومن مظاهر حب الرسول صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة، أنه لم يكن يخرج من المدينة حتى يكون آخر عهده بها رؤية فاطمة الزهراء، فإذا عاد من سفره بدأ بالمسجد فصلى ركعتين ثم ذهب إلى فاطمة وقد كان يقول: "فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني”. إن الحياة الرضية الهنية لا تصنع نفوسا كبيرة، إنما تتخرج النفوس الكبيرة من مدرسة الآلام، وتصنع القلوب العظيمة في مصهر الأحزان، وقد شاء الله أن يصهر قلب فاطمة في أتون الابتلاء، وينضجه بحرارة الحزن والأسى، فقد فجعت في أمها وهي فتاة صغيرة، وزادَها ألما على ألم فقْدُها لأبيها وحبيبها الأعظم محمد رسول الله. ولما حضرت رسول الله الوفاة بكت فاطمة حتى سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوتها فقال لها: "لا تبكي يا بنية قولي إذا مت: إنا لله وإنا إليه راجعون، فإن لكل إنسان بها من كل مصيبة عوضا" قالت فاطمة: ومنك يا رسول الله؟ قال: ومني".