أبانت الخلافات التي نشبت بين بعض أعضاء لجنة المونديال عن ضعف في القيادة الكاريزمية والتنسيق داخل هذه اللجنة، كما تم تسجيل هيمنة المشاعر الذاتية والنرجسية لدى بعض أعضائها. ورغم جسامة المسؤولية التي يتولاها أعضاء اللجنة، وقيمة الأهداف، وثقل المسؤولية، فإن ارتباكا واضحا بدأ يلوح في الأفق على بعد شهرين من خط النهاية، كما أن قيام أحد أعضائها بتسريب معلومات حساسة حول الخلافات التي تطبع أشغالها، تدل على نزوع واضح للبعض للاستفراد بالقرار، أو للتملص من المسؤولية. وبعيدا عن أجواء العمل داخل اللجنة، ومشاعر التعاون بين أعضائها، الملاحظ الذي لا يمكن نفيه، أن عملها أصبح مشوبا بالبطء والتراخي، وتحركاتها ثقيلة، واجتماعاتها متباعدة، وكأننا أمام قضية لن ينظر فيها إلا على المدى البعيد، علما أننا على بعد أسابيع فقط من الحسم يوم 13 يونيو المقبل. إن الرائي المتفحص لملف الترشح لاحتضان كأس العالم سيلمس منذ الوهلة الأولى، ودون الحاجة إلى تشخيص دقيق، كثرة الثغرات وتنوع الثقوب التي يسببها الاستهتار والاستصغار لدى بعض المسؤولين وتؤثر حتما على مسار الترويج لقضيتنا، علما أن المفترض هو أن ملفنا قوي ومنسجم في مواجهة ضعف ملف المتنافسين، الذين تداركوا الأمر بسرعة، فاستغلوا المساحات الفارغة التي تطبع استراتيجية عمل لجنتنا، إن كانت هنالك فعلا استراتيجية. ولكي نكون صرحاء مع قرائنا الكرام، وغير متهاونين في التنبيه والتحذير من خطورة بعض الأخطاء، ولا مستسلمين بسكون وصمت مريبين بسبب علاقاتنا المهنية مع شركائنا أعضاء هذه اللجنة، فإننا نود توضيح نقطة أساسية تدفعنا إلى الجهر بالحقيقة، وهي أن هذا الملف لا يختلف عن باقي القضايا الوطنية الكبيرة، التي تتطلب التعبئة الكاملة، وتستلزم الإجماع الوطني. لقد انطلق الملف المغربي من فرضية واقعية وموضوعية، هي أحقية إفريقيا في احتضان نسخة سنة 2026 انطلاقا من مبدإ حق التناوب المنصف، ثم أضفنا إلى هذا المنطلق الصلب أن المغرب هو الدولة الإفريقية الأكثر استعدادا وجاهزية وخبرة للقيام بهذه المهمة. وإذا أضفنا إلى هذين المنطلقين نقاطا أخرى متعددة ومتنوعة يحظى بها عرضنا، فإن الاستنتاج الأساسي الذي يمكن الخلوص إليه هو أن حظوظ الملف المغربي كانت جد مضمونة إن لم تقل محسومة من البداية. فالموقع الجغرافي المثالي، والطقس المناسب، والاستقرار الأمني والاجتماعي المتميز في المنطقة، والبنيات التحتية التي لا ينافسه فيها منافس في إفريقيا، إذا ما استثنينا جنوب إفريقيا وهي غير مرشحة، هي مكتسبات لا يعلى عليها، مهما كانت قوة المتنافسين، ما دمنا قد انطلقنا من مبدإ أحقية إفريقيا. وقوة الملف المغربي لا تنحصر في هذه الدعامات، بل تتعداه إلى عامل التوقيت المنسجم مع ساعة غرينيتش، وهو توقيت يتيح للمتفرج عبر كل القارات أن يتابع المباريات في أوقات مناسبة، عكس الملف الثلاثي المنافس الذي يفرض على بعض متفرجي القارة الأوروبية والإفريقية الانتظار إلى منتصف الليل، أو الاستيقاظ باكرا في الصباح، كما يحصل في العديد من المنافسات الرياضية العالمية التي تنظم هناك. كما أن انفتاح المغرب وتسامحه الديني والاجتماعي، وكونه قبلة يومية لسياح العالم وقريبا من أهم سوق جماهيري واقتصادي لكرة القدم في أوروبا، وقبلة للسياح العالميين، وأنه قاعدة جماهيرية تنتزع قاعدتها من حب الشعوب الإفريقية لكرة القدم، كما تأخذ مداها في كونه على مرمى حجر من الشعوب الأوروبية. وبغض النظر عن نقاط قوة الملف، التي لم يستقو بها أعضاء اللجنة، فإنهم لم ينقضوا لحد الساعة، وللأسف، على نقاط ضعف الملف الثلاثي المنافس، وهي متعددة وكثيرة، في مواجهة نقطة ضعف وحيدة تقريبا للملف المغربي، وهي تلك المرتبطة بالتجهيزات والبنيات التحتية، التي يمكن تداركها طبعا. فالولايات المتحدة التي تقود ملف الاحتضان، وتمارس الضغوط، توترت علاقاتها كثيرا مع المكسيك الشريكة في هذا الملف، بسبب الهجرة والميز العنصري وقضايا الحدود. كما تعددت أخطاء رئيسها ترامب، الذي يشكل ظاهرة عالمية فريدة، بسبب سلوكياته وتهوره، واندفاعه وأخطائه السياسية، والدبلوماسية، والقانونية، وكونه يقود العالم نحو المجهول، إن لم نقل نحو توترات عالمية غير مسبوقة. والملف الثلاثي المكون من أمريكا وكندا والمكسيك، يعاني من هشاشة العظام رغم كثرة المقويات التي تم حقنها فيه، ذلك أن فشل التجارب السابقة للاحتضان المشترك خلصت إلى مشاكل تنظيمية وإدارية ومسطرية، تحرم الجماهير من التنقل بسهولة عبر المطارات، وتضعف التنسيق بين المنظمين، كما حصل سابقا حين تم تنظيم نسخة مشتركة بين اليابان وكوريا الجنوبية. وإذا أضفنا لهذه الاعتبارات، كون الملف المنافس تضعف قوته أمام مكتسبات الملف المغربي، فإن أعضاء اللجنة لم يستفيدوا من قوة الإعلام الأوروبي والإفريقي، خاصة أن المغرب قاد سياسة انفتاحية للتعاون جنوب-جنوب مع أشقائه الأفارقة. والملاحظ للأسف أن كلا من جامعة لقجع، ووزارة مولاي حفيظ العلمي، اكتفتا معا باحتضان الإعلام المغربي للترويج لصورة سيادة الرئيس ومعالي الوزير، ووضعتا مصلحة المؤسسات خلف ظهرانيهما “كلها يقول اراسي يا راسي، وكلها يلغي بلغاه، ويجر لفراش من تحت صاحبو”. وهنا نتساءل، مع اقتناعنا أن هذه التساؤلات تضم بين أجنحتها كل الأجوبة المتوارية في الخلف، ألم يتباهى رئيس الجامعة المغربية في كل مكان وحين بصداقاته المتينة مع رئيس الفيفا؟ فلماذا تنكر له هذا الأخير، وأدار ظهره ووجهه عنه، وتركه شريدا بين رفاقه؟ ثم لماذا لم نخلق تعبئة وطنية ودولية حول الملف المغربي، وبالتالي لماذا لم نستفد من شعبية وجماهيرية وعلاقات ولوبيات لاعبينا الدوليين، ورجال أعمالنا في الداخل والخارج، وأطبائنا وعلمائنا ومهندسينا في الخارج، كي تتوحد الجهود، ونحرج المتنافسين مهما كانت قوتهم لأننا أصحاب حق وقضية؟ نعم نعلنها جهرا، ونحن لا نخاف من نتائج الصراحة المعهودة فينا، إن ملفنا مليء بالثقب بسبب تصرفات بعض أعضاء اللجنة وسلوكهم، وبالتالي فهو في خطر، ما لم نسارع إلى الاستفادة من الورش الإفريقي الكبير الذي فتحه جلالة الملك في إفريقيا، وما لم نعد النظر في هذه السلوكات الفردية ونعمل على ضبطها وتحجيمها لأنها أساءت بما يكفي إلى علاقاتنا مع إخواننا في دول الخليج العربي، وما لم نحرك الإعلام العربي والإفريقي والأوروبي لدعم قضيتنا، وما لم يتحل مسؤولونا بالحكمة وبعد النظر، بعيدا عن النرجسية وحب الذات، والتوق إلى المصالح الضيقة والملذات، والتضييق على مصالح البلد وصورته، عبر حركات التوتر والتهور، والنرفزة والشجارات، في الأندية والمناسبات والأماكن العامة، داخل المغرب وخارجه. رجاء لا تتستروا وراء “انتظار التعليمات السامية من الجهات العليا” كي تتحركوا لتقوموا بواجبكم. فالجهات العليا قامت بواجبها حيث تم تعيين المسؤولين وإسناد المسؤولية، فليتحمل كل مسؤوليته ويشمر على ساعده. “ما بغينا زلزال رياضي، الزلزال السياسي مازال ما تسلاش”!