تعتبر نظرية المسؤولية الإدارية من النظريات التي ابتدعها الاجتهاد القضائي حديثا والتي جاءت نتيجة حتمية لإزدياد تدخل الدولة وتوسع إنشطتها التي غالبا ما تؤدي إلى حدوث اخطاء تسفر عن إصابة الأشخاص من جراء هذه الأنشطة ، وقد شكل حكم “انيس بلانكو”الصادر عن محكمة التنازع بفرنسا سنة 1873 الشرارة الحقيقية لإبراز الخطوط العريضة للمسؤولية الإدارية لقد أكد الحكم بأن المسؤولية الإدارية لايمكن ان تسودها قواعد القانون المدني اد تحرر القاضي بالتالي من قواعد القانوني المدني وأخد يستنبط مبادئ وقواعد المسؤولية الادارية بالنظر الى تطور الاوضاع الادارية . فحتى اواخر القرن 19 لم يكن من المتصورات ان تسأل الادارة الجماعية باعتبارها صاحبة السيادة ولاتتحمل مسؤولية أعمال موظفيها ، الا ان هذه النظرية لم تعد موجودة واصبحت مسؤولية الجماعات الترابية مقررة وصار الاشخاص العموميون شأنهم شأن باقي الافراد يتعلمون مسؤولية اعمالهم التي تتولد عنصر اخر ينبغي تعويضها . والمسؤولية الإدارية هي اداة تقنية تلزم الأشخاص العموميون تحمل مسؤولية اعمالهم وتصرفاتهم التي تتولد عنها اضرار ينبغي تعويضها وفق لقواعد قانونية متميزة عن تلك المطبقة في نظام المسؤولية المدنية وان كان القضاء يسترشد في بعض الحالات في قضايا المسؤولية الادارية في القواعد المسلم بها في القانون الخاص . وتعتبر الجماعات الترابية شخصا من أشخاص القانون العام تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي والإداري مما يجعلها تتحمل مسؤوليتها اتجاه جميع تصرفاتها القانونية والمادية .وادا كانت المسؤولية المدنية تقوم اساسا على الخطأ، فإن الاجتهاد القضائي ادخل نظرية المسؤولية بدون خطأ كاستجابة حتمية لتوسع انشطة الادارة وتعقدها .وتقوم أنشطة المسؤولية الإدارية بصفة عامة على اساس الخطأ الذي ينبني على مبدأ التعويض الا انه هناك الحالات التي يتعرض فيها الافراد لمخاطر بسبب النشاط الإداري وتحمل الإدارة مسؤوليتها اتجاه القرار المشروع الغير موجب لضرر فيقرر القضاء المسؤولية الإدارة في مثل هذه الحالات وهذا مايعرف بالمسؤولية الإدارية بدون خطأ وهذا مايفهم من مقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي أشار في مضمونه عن مسؤولية الجماعات الترابية عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير ادارتها وهو نفس المبدأ الذي صار عليه الفصل 8 من قانون المحاكم الإدارية وبالتالي فضمان الجماعات الترابية للضرر واجب بمجرد ان يكون ناشئ بصفة مباشرة عن العمل الذي تقوم به او عن عمل قيامها بالعمل المنوط بها او البطء في اداء الخدمة وهذا مايعطي للمتضرر الحق في مطالبتها بالتعويض في ضوء المسؤولية الادارية بدون خطأ وتقوم هذه الاخيرة على ركنيين: حصول الضرر وقيام علاقة سببية بين الضرر الحاصل والنشاط الاداري. وادا كانت المسؤولية الخطأية تقوم على مبدأ مؤداه ان من احدث ضررا للغير بخطئه يتحمل مسؤولية هذا الخطأ فإن المسؤولية الادارية بدون خطأ تجدها اساسها انطلاقا من اعتبارات العدالة والمساواة التي تقتضي ان يؤخد بعين الاعتبار الثقل الذي وقع على عاتق الفرد والذي تسببت فيه السلطة الادارية في سبيل تحقيق الصالح العام. وتتجلى اهمية اقرار المسؤولية الادارية في تمكين الافراد من المطالبة بحق التعويض كلما تعرضوا لاضرار تسببت فيها الجماعات الترابية ،وبالتالي نطرح الاشكالية التالية الى اي حد استطاعت اسس المسؤولية الادارية للجماعات الترابية حل النزاعات المتعلقة بها ؟ وسنحاول من خلال موضوعنا هذا ان نتطرق في المبحث الاول الى اسس المسؤولية الادارية للجماعات الترابية وفي المبحث الثاني مجال تطبيق المسؤولية الادارية للجماعات الترابية المبحث الأول:النظام القانوني للمسؤولية الإدارية للجماعات الترابية باعتبار الجماعات الترابية شخصا من أشخاص القانون العام تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري تمارس جزءا من اختصاصات الدولة وتتمتع بامتيازات السلطة العامة.إلا أن هذا لا يمنعها من تحمل مسؤوليتها الإدارية إزاء أعمالها المادية والقانونية سواء بناءا على خطا أو بدون خطا وسواء كانت مشروعة أو غير مشروعة وتتحمل التعويض عنها إزاء المتضرر. المطلب الأول: أسس المسؤولية الإدارية للجماعات الترابية من المتعارف عليه من طرف الفقه والقضاء أن الإدارة مسؤولة عن الإضرار التي قد تسببها تصرفاتها المادية والقانونية .فالمسؤولية الخطئية هي أول مسؤولية أسندت إلى المحاكم الإدارية المغربية، إلا أن أساس المسؤولية الإدارية لا يخضع لنظام واحد، فقد يكون أساس المسؤولية هوا لخطا فتكون الجماعة ملزمة بتعويض المتضرر عن الأضرار التي أحدتثها كلما ثبثت العلاقة السببية عن تصرف الإدارة الخاطئ والضرر. ثم هناك المسؤولية بدون خطا وذلك إما في إطار المسؤولية بناءا على نظرية المخاطر أو خارج نظرية المخاطر[1]. الفقرة الأولى:المسؤولية بناءا على الخطأ وفي نظام المسؤولية الخطئية نميز بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي،والخطأ هو كل فعل غير مشروع أو غير مبرر يمكن أن ينتج عنه ضرر،سواء كان هذا الفعل ايجابي آو سلبي وسواء كان عمديا أو غير عمدي وسواء كان جسيما أو عاديا[2]. ويعتبر الخطأ الشخصي هو الخطأ الذي ينسب إلى الموظف حيث تتحقق مسؤوليته الشخصية عن هذا الخطأ ويصبح وحده مسؤولا عن الأضرار التي تنجم عنه وملزم بدفع التعويض. ولتحديد الخطأ الشخصي وتمييزه عن الخطأ المرفقي ،استنبط الفقهاء وثلاث معايير والخطأ الشخصي: * إن يكون خطا جسيما * أو أن يكون مرتبط بنية الشخص المرتكب للخطأ * أو أن يكون مرتبطا بالهدف المقصود الذي يؤدي إلى خروج عن الوظيفة أما الخطأ المرفقي هو الخلل في السير العادي للمرفق الذي يرجع إلى احد أو عدة موظفين لكن لا يمكن أن ينسب إليهم شخصيا وتتحمل فيه الجماعات الترابية مسؤولية التعويض ويكون الاختصاص للقضاء الإداري. وينقسم الخطأ إلى ثلاث أصناف: * وسوء أداء الخدمة :فالمرفق أدى الخدمة لكنها على وجه سيء مما يتسبب في ضرر للغير وذلك بسبب التنظيم السيء للمرفق وهذا التنظيم لا يشمل الأعمال المادية فقط بل الأعمال القانونية ،فلا مشروعية الأعمال الإدارية تشكل ابرز الأخطاء المرفقية التي يمكن أن تحرك دعوى المسؤولية ضد الجماعات الترابية. * الامتناع عن أداء الخدمة: والفرض أن النظام يلزم المرفق بأداء الخدمة ولا تتمتع الإدارة بأية سلطة تقديرية كما أن عدم أداء الخدم لا يرجع إلى امتناع الموظف فحسب وإنما إلى عدم تقديم الخدمة من ذلك الامتناع الجماعة الترابية عن تنفيذ الأحكام القضائية. * البطء في أداء الخدمة:فالمرفق غير ملزم بتقديم الخدمة في مدة زمنية محددة وإنما تأخر في أداءها أكثر مما يجب دون مبرر، كالتأخر في تنفيذ حكم قضائي[3]. وإذا كانت المسؤولية الإدارية في فرنسا من إبداع مجلس الدولة وحصيلة اجتهاداته في الميدان الإداري انطلاقا من حكم بلا نكو،فان قواعد المسؤولية الإدارية بالمغرب هي من وضع المشرع الذي حدد بنصوص واضحة حدود مسؤولية الموظف والجماعات الترابية ،ففي المغرب لا تسال الجماعات الترابية إلا عن الأخطاء المرفقية التي يرتبها الموظف(ف79)من ق.ل.ع. أما الأعمال التي توصف بالجسيمة أو تنطوي على تدليس فهي دائما أخطاء شخصية يتحمل الموظف مسؤوليتها بصفة شخصية ويدفع التعويض من ماله الخاص. ولا يمكن إثارة مسؤولية الجماعة الترابية عنها إلا بعد ثبوت عجز الموظف عن دفع التعويض لفائدة المتضرر،وإذا كان القضاء من يضع الحدود الفاصلة بين مسؤولية الجماعات الترابية ومسؤولية الموظف الشخصية ،غير أن الحلول القضائية لا تعطي جوابا شافيا لتحديد هذا المعيار ،ففي حكم المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 23/02/1995 في قضية فاطمة العنصري ضد المجلس البلدي لمدينة القصر الكبير[4]، بعد أن اقر القاضي الأخطاء المرتكبة من قبل القائد ورئيس بلدية القصر الكبير اللذان أعطيا أوامر شفوية لهدم منزل المدعية دون إتباع الإجراءات التي يتطلبها القانون في مثل هذه الحالات، بل أن منزل المدعية لا يدخل في نطاق الاختصاص المكاني للمجلس البلدي، ومع ذلك فقد اعتبرت المحكمة أن الخطأ يتحمله المجلس البلدي، لكونه ناتجا عن تنفيذ قرار غير مشروع وصادرا عن جهة غير مختصة بإصداره. ومن خصائص الضرر الذي يحمل الجماعات الترابية المسؤولية الإدارية : ü أن يكون الضرر مؤكد ويعني هذا استبعاد الضرر المحتمل. ü أن يكون مباشر أي نتيجة مباشرة للفعل الضار أي إثبات العلاقة السببية ü أن يقع على حق أو مصلحة مشروعة ü أن يكون الضرر قابل للتقويم بالمال ü أن يكون الضرر شخصي،إلا أن هذه الخاصية تشمل بعض الاستثناءات. هذا فيما يخص الشروط العامة أما الشروط الخاصة هو أن يكون الضرر غير عادي يشكل عبئا خاصا يتحمله المتضرر دون باقي المنتفعين،كما يجب أن يكون خاصا أي انه أصاب شخصا أو عدد من الأشخاص يمكن تحديدهم اسميا[5]. وقد عمل القاضي على تجاوز التفسير الكلاسيكي للفصل 79 من ق.ل.ع ليؤسس لمبدأ الجمع بين الخطأين الخطأ الشخصي للموظف والخطأ المرفقي للجماعة الترابية ،حيث نص الحكم رقم 172 الصادر في 2ماي 2007 في قضية شركة صودا كور ضد وزير الداخلية لقيادة تاغرامت عمالة الفحص انجرا[6]، حيت امتنع القائد عن تنفيذ حكم قضائي حائز على قوة الأمر المقضي به باعتباره خطا شخصيا و الخطأ المرفقي في حق الإدارة تهاونها في فرض الرقابة والإشراف على الموظف المعني بالتنفيذ ،ويعتبر هذا الحكم القضائي تطورا نوعيا لقواعد المسؤولية الإدارية بالمغرب الالتحاق رغم تأخره بالاجتهادات القضائية الفرنسية التي جاءت بعد قرار pelletier وخصوصا قرارAnguet بتاريخ 3 فبراير 1911الذي أسس في فرنسا بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي والجمع بين المسؤوليتين[7]. الفقرة الثانية:المسؤولية الإدارية بدون خطا قد يؤدي تطبيق المسؤولية الإدارية بناء على الخطأ في بعض الحالات إلى استحالة استيفاء التعويض عن الضرر بسبب عدم قدرة المتضرر على إثبات وجود خطا من طرف الجماعة الترابية ،وحتى تتم مواجهة هذا الاحتمال فقد ابتكر القاضي اللجوء إلى نظام أخر للمسؤولية يسمح بتعويض المتضررين وهذا النظام هو نظام المسؤولية الإدارية بدون خطا ،حيث أصبحت الجماعات الترابية تتحمل التعويض عن أعمالها حتى دون خطا وطلك إذا ثبت أن الضرر كان نتيجة نشاط جماعة ،وترتكز المسؤولية بدون خطا على الأساس القانوني العام الذي تقوم عليه كل أصناف المسؤولية وهو مبدأ المساواة المواطنين أمام التكاليف العامة والتضامن الاجتماعي ،كما ترتكز أيضا على أجراء خاص يتمثل في المخاطر التي يمكن أن ينطوي عليها النشاط الإداري والتي تلزم الجماعة الترابية بتعويض الأضرار الحاصلة حتى في غياب أي خطا.ويتبنى المشرع في فصله 79 نظرية المخاطر التي مفادها أن ضمان الجماعة الترابية للضرر واجب بمجرد أن يكون ناشئ بصفة مباشرة عن العمل الذي تقوم به الجماعة الترابية ،وبخلاف المسؤولية الخطئية التي لا تنعقد إلا بتوفر الخطأ ، الضرر،العلاقة السببية بينهما، فان المسؤولية بناء علا مخاطر تتحقق يتوفر ركنين فقط وهما الضرر والعلاقة السببية . ومن تطبيقات المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر نجد الأضرار الناتجة عن الأشغال العمومية وتتخذ أشكالا متعددة من بينها الأضرار الدائمة والأضرار العرضية اللاحقة بالمستعملين والغير ،ومن تطبيقاتها الأضرار الناتجة عن استعمال أشياء خطيرة مثل استعمال الأسلحة من طرف الشرطة ..[8]. أما الأساس الأخر الذي يتعلق بمبدأ المساواة أمام التكاليف العمومية،حيث أن جميع الأضرار المرتبطة بالنشاط العام يمكن أن تجد سندها في هذا المبدأ سواء كان النشاط مشروع أو غير مشروع فالضرر الناتج عن النشاط مكافحة الإرهاب لا يثير إشكالا في التعويض عنه سواء كان ذلك على أساس الخطأ أو بدون خطا،والإشكالية في الأضرار التي تتولد عن الجريمة الإرهابية ذاتها كأعمال القتل التفجيرات وأتلاف الممتلكات العامة والخاصة ،فمن المسؤول عن هذه الأضرار وهي صورة جديدة من صور المسؤولية الإدارية بدون خطا حيث تعمل الدولة على تعويض الغير عن الأضرار الناتجة عن الأعمال الإرهابية، ليس تقصيرا امنيا منها وإنما فقط تضامن وتعاون من الدولة اتجاه المتضرر ولا يقتصر علي نوع معين من الضرر وإنما يغطي كل ما يمكن أن يواجه الأفراد من كوارث طبيعية آو أوبئة أو غيرها وعندما تتحمل الدولة التعويض فهي تفعل ذلك بموجب التزام اجتماعي وليس بموجب مسؤولية قانونية وهذا لا يمنع أفراد المجتمع من المشاركة في هذا الواجب حتى في غياب الدولة آو مؤسساتها[9]. المطلب الثاني:الجوانب المسطرية في منازعات مسؤوليات الجماعة الترابية إن اختصاص المحكمة هو صلاحيتها في البث في نزاع ما عرض عليها، و عدم اختصاصها هو عدم هذه الصلاحية للبث في النزاع المعروض عليه,وقد حظي موضوع الاختصاص بصفة عامة باهتمام شديد سواء من قبل الممارسين أو المتدخلين في ساحة القضاء و كذا من قبل الفقه، باعتباره شقا إجرائيا و مسطريا في غاية الأهمية بما كان، لأنه يحدد منذ الوهلة الأولى مسار الدعوى في جانبها الشكلي.الاختصاص النوعي(الفقرة الأولى) والاختصاص المحلى في (الفقرة الثانية) فمنازعات المسؤولية الإدارية التي تكون الجماعة الترابية طرفا فيها لها خصوصية على مستوى الإجراءات الشكلية لدعوى هذا ماسنتطرق اليه في (الفقرة الثالثة). الفقرة الأولى: المحكمة المختصة نوعيا تختص المحاكم الإدارية نوعيا حسب المادة 8 من القانون رقم 90-41 بمايلي : ” البت ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة و في النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية و دعاوي التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال و نشاطات أشخاص القانون العام ، ما عدا الأضرار التي تسببها في الطريق العام مركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام . وتختص المحاكم الإدارية كذلك بالنظر في المنازعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية و التنظيمية المتعلقة بالمعاشات و منح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة و الجماعات المحلية و المؤسسات العامة و موظفي إدارة مجلس النواب و عن تطبيق النصوص التشريعية و التنظيمية المتعلقة بالانتخابات و الضرائب و نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وبالبت في الدعاوي المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين و العاملين في مرافق الدولة و الجماعات المحلية و المؤسسات العامة، و ذلك كله وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون[10]. النظر في تعويض الأضرار الناتجة عن أعمال أشخاص القانون العام. إن الإدارة وهي تتخذ قراراتها ، قد تصيب الغير بأضرار يجب تعويضها و على المتضرر أن يرفع دعوى التعويض حتى يستفيد ، فلقد أوكل المشرع إلى المحاكم الإدارية حق النظر في دعاوي التعويض المتعلقة بالأضرار التي تسببها أعمال و نشاطات أشخاص القانون العام بصريح العبارة في الفقرة الأولى من المادة 8 من قانون90-41[11] . وقد وضع قانون الإلتزامات و العقود المبادئ العامة لمسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها في الفصلين 79 و80 . ويتعين أن نشير إلى أن المادة الثامنة من قانون المحاكم الإدارية المحدد للاختصاص النوعي لهذا النوع من المحاكم استثنت نظرها في الأضرار التي تسببها في الطريق العام مركبات أيا كان نوعها يملكها شخص عن أشخاص القانون العام. و هذا يعني أن البث في هذه الأضرار لا يدخل ضمن اختصاص المحاكم الإدارية، و إنما يبقى للقواعد العامة التي تطبق أمام المحاكم الابتدائية، استعمالا طبعا لمفهوم المخالفة لهذه الفقرة [12]. أما بالنسبة للاستثناءات التي قررها المشرع بالنسبة للاختصاص المحلي للمحاكم الإدارية فقد نصت عليها المادتان 10و11 من قانون إحداث هده المحاكم. ففي الفقرة الثانية من المادة10جاء ما يلي: “واستثناء من ذلك ترفع طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة إلى المحكمة الإدارية التي يوجد بها موطن الإلغاء داخل دائرة اختصاصها والتي صدر القرار بدائرة اختصاصها”. أما المادة 11 فتقضي بأنه: – “تختص محكمة الرباط الإدارية بالنظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للأشخاص المعينين بظهير شريف أو مرسوم وبالنزاعات الراجعة إلى اختصاص المحاكم الإدارية التي تنشا خارج دوائر اختصاص جميع هده المحاكم”. و تعد قواعد الاختصاص النوعي في القانون المحدث للمحاكم الإدارية من النظام العام، فقد جاء في المادة 18 من القانون 90-41,فضلا عن أنها وخلافا للقواعد العامة الواردة في قانون المسطرة المدنية ، سمحت بإشارة الدفع بعدم الاختصاص النوعي في جميع مراحل الدعوى سواء أمام المحاكم الإدارية أو أمام المجلس الأعلى كجهة استئنافية للأحكام الصادرة عن المحاكم المذكورة . ومن جهة أخرى، وعلى خلاف القواعد العامة، يجب على الجهة القضائية المعروضة عليها القضية أن تثير هذا الدفع بصورة تلقائية، و هذا يؤكد اتصال الاختصاص النوعي بالنظام العام، لأن الأمر لايقتصر على محكمة أول درجة وإنما على أية جهة قضائية كيفما كانت درجتها ، و لأن المشرع يستعمل صيغة الوجوب في إثارة هذا الدفع عكس استعماله لصيغة الإمكان في الفصل 16 من قانون المسطرة المدنية [13]. أما المادة 13 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية فقضت بمايلي: “إذا أثير دفع بعدم الاختصاص النوعي أمام جهة قضائية عادية أو إدارية وجب عليها أن تبت فيه بحكم مستقل، ولا يجوز لها أن تضمه إلى الموضوع……” تتميز هذه المادة بخصوصية لا وجود لها في الفصل 17 من قانون المسطرة المدنية، وهي أن المحكمة التي أثير أمامها الدفع بعدم الاختصاص يجب عليها أن تبت فيه بموجب حكم مستقل أو بإضافة الطلب العارض إلى الجوهر والمجلس الأعلى هو المختص بحل تنازع الاختصاص ألنزعي لكونه جهاز قضائي مشترك بين الجهتين القضائيتين المتنازعتين[14]. وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 13من قانون 41.90 بالقول :”وللإطراف أن يستأنفوا الحكم المتعلق بالاختصاص النوعي أي كانت الجهة القضائية الصادر عنها أمام المجلس الأعلى الذي يجب عليه أن يبت في الأمر داخل اجل ثلاثين يوما يبتدئ من تسلم كتابة الضبط به لملف الاستئناف.” على أنه ينبغي أن نشير إلى أن القواعد المنظمة للاختصاص النوعي في قانون المحاكم الإدارية لم يتطرق إلى مسألة الإحالة عند قبول الدفع بعدم الاختصاص أو إثارته تلقائيا من طرفها و الأمر الذي يستوجب الرجوع إلى قواعد قانون المسطرة المدنية في المسألة. الفقرة الثانية : المحكمة المختصة محليا كما سبق و أن قلنا أن الاختصاص المحلي أو المكاني هو الذي يعطي للمحكمة صلاحية الفصل في دعوى ما بناء على أساس جغرافي تحقيقا لمصالح الخصوم و لتقريب القضاء من المتقاضين، و المبدأ العام المطبق هو منح الاختصاص لمحكمة موطن المدعى عليه أو محل إقامته . تنص المادة 10 من قانون 90.41 على أنه: «تطبق أمام المحاكم الإدارية قواعد الاختصاص المحلي المنصوص عليها في الفضل 27 ومايليه إلى الفصل 30 من قانون المسطرة المدنية، مالم ينص على خلاف ذلك في هذا القانون أو في نصوص خاصة» من خلال هدا النص يستفاد بكل جلاء أن قواعد الاختصاص المكاني الواردة في قانون المسطرة المدنية هي المعتمدة بالنسبة للمحاكم الإدارية كذلك أي أن المحكمة الإدارية المختصة مكانيا هي التي يوجد بدائرتها الموطن الحقيقي أو الموطن المختار أو محل الإقامة للمدعى عليه، على انه يتعين التذكير بان القواعد المذكورة لا تطبق إلا إذا لم يوجد نص خاص سواء في قانون المحاكم الإدارية أو في أي نص أخر يقضي بخلاف دلك إلى جانب دلك تجدر الإشارة إلى أن القواعد المطبقة بالنسبة للاختصاص المحلي في المادة الإدارية قد تتميز ببعض الخصوصيات لاسيما إذا كانت الإدارة هي المدعى عليها.. لم ينص المشرع في قانون المحاكم الإدارية على طبيعة الاختصاص المحلي وإنما اكتفى بالإحالة في المادة 14 على مقتضيات الفصلين 16و17 من قانون المسطرة المدنية وهدا يعني أن الاختصاص المحلي لهده المحاكم لا يتعلق بالنظام العام وعلى من يتمسك به أن يثيره قبل كل دفع أو دفاع وعليه إن يحدد المحكمة المختصة أثناء إثارته لهدا الدفع وليس للمحكمة أن تثير عدم الاختصاص من تلقاء نفسها سواء تعلق الأمر بمحكمة الدرجة الأولى أو بمحكمة الدرجة الثانية[15]. الفقرة الثالثة:الشروط الشكلية الخاصة في رفع دعوى التعويض في مواجهة الجماعة الترابية بالإضافة الى الشروط الشكلية العامة في المنازعات الإدارية (الصفة الأهلية المصلحة ) فهناك شروط خاصة عندما تكون الجماعة الترابية أحد أطراف الدعوى سوءا مدعى أو مدعى عليها وهو شرط تقديم مذكرة إخبارية قبل رفع الدعوى ،حيث توجه هذه المذكرة توجه إلى رئيس المجلس الجماعي والى سلطة الوصاية وقد نص على هذا الإجراء المادة 84 من قانون 7800 من الميثاق الجماعي،إذ أن تقديم هذه المذكرة يعتبر من النظام العام حيث أنه عدم القيام بهذا الإجراء ينتج عنه عدم القبول، ويعتبر أجال المتعلق بالمذكرة 60 وتقديم وصل ، وفي حالة عدم تقديم وصل ، اللجوء إلى البريد المضمون ، إذا لم يتوصل الطرف بجواب فانه في هذه الحالة يحق له اللجوء إلى رفع الدعوى. المبحث الثاني : تطبيقات المسؤولية الإدارية للجماعات الترابية بناءا على خطأ
المطلب الاول : منازعات المسؤولية الإدارية للجماعات الترابية بناءا على خطأ الفقرة الاولى :صور الأعمال المادية يعرف الفقه والاجتهاد القضائي في كل من فرنسا ومصر والمغرب الأعمال المادية بأنها تلك الأعمال التي تقوم بها الإدارة دون قصد إحداث نتائج قانونية جديدة او تعديل أوضاع قائمة ودلك تنفيذا للمقررات والأوامر الإدارية مثل إلقاء القبض على الإفراد والاستيلاء على املاكهم ، والقيام بهدم المنازل الآيلة للسقوط الخ… او ارتكاب اعمال غير قانونية نتيجة خطأ احد مستخدمي الإدارة كحوادث السيارات او مستخدمها فردا او عدة إفراد باضرار مادية او جسدية او اصدار منشورات او تعليمات من جانب الادارة تتعلق بتنظيم داخلي للمرافق العام[16] . ففي قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الاعلى تحت عدد 27 وبتاريخ4/12/1958 ملف عدد 667 اعتبر ان محكمة الاستئناف بالرباط قد خرقت طبيعة سلطاتها عندما فصلت في دعوى مرفوعة ضد الدولة المغربية تتعلق باستيلاء هذه الاخيرة على ارض الطاعنين بدون سند قانوني، وهي تبت في المادة الإدارية في حين كان عليها ان تبت فيها طبقا للقواعد القانون المدني وفي اطار سلطتها القضائية العادية لكون الادارة قامت بعمل مادي لا علاقة له باي شكل من الاشكال بممارسة السلطات التي تختص بها”. وفي قرار لها بتاريخ 21 نونبر1969 اعتبر ان اختصاص المجلس الاعلى رهين بان يكون طلب الالغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة متعلقا بقرار اداري اما إذا كان عملا ماديا بحثا فانه يخرج عن اختصاص المجلس. وجاء في امر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الإقليمية سابقا بالرباط بتاريخ1 نونبر1969 ما يلي : ” وحيث انه إذا كان لا يمكن مخالفة مقتضيات الفصل الثامن من ظهير التنظيم القضائي الصادر في 12 غشت 1913 التي تمنع على المحاكم المدنية اتخاذ إجراءات من شانها ان تعوق عمل الادارات العمومية بعرقلة تنفيذ القوانين الصادرة عنها فينبغي ان تكون القرارات والاعمال التي تتخذها مرتبطة بتطبيق نص قانوني، الشيء الذي لا وجود له في هذه النازلة اذ لم يتخذ أي قرار اداري سابق يستند على مقتضيات نصوص قانونية، وان استناد الادارة على نظرية نزع الملكية غير المباشرة لا يمكن ان يعفيها من الإجراءات المذكورة أعلاه أو يعوضها وان الاعمال التي تقوم بها تكتسي صبغة العنف”. الفقرة الثانية : الخطأ المتمثل في القرار الغير مشروع إن الجماعات الترابية لاتسأل إلا عن الأخطاء المرفقية التي يرتكبها الموظف ” الفصل 79″ أما الأعمال التي توصف بالجسيمة أو تنطوي على تدليس فهي دائما أخطاء شخصية يتحمل الموظف مسؤوليتها بصفته الشخصية، ويدفع التعويض من ماله الخاص، ولا يمكن إثارة مسؤولية الجماعات المحلية عنها إلا بعد ثبوت إعسار الموظف وعجزه عن دفع التعويض المحكوم به لفائدة المضرور. ففي حكم صادر بالمحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 23/2/1995، في قضية فاطمة العنصري ضد رئيس المجلس البلدي لمدينة القصر الكبير، وبعد أن أقر القاضي بفداحة الأخطاء المرتكبة من قبل قائد ورئيس بلدية القصر الكبير اللذان أعطيا أوامر شفوية لهدم منزل المدعية دون أي مبرر أو مسوغ قانوني، ودون اتباع الإجراءات التي يتطلبها القانون في مثل هذه الحالات، بل والأدهى أن منزل المدعية لا يدخل في نطاق الاختصاص المكاني للمجلس البلدي، ومع ذلك فقد اعتبرت المحكمة أن الخطأ يتحمله المجلس البلدي، لكونه ناتجا عن تنفيذ قرار غير مشروع وصادرا عن جهة غير مختصة بإصداره[17]. لقد سبق للمجلس الاعلى في قراره بتاريخ 26ماي 1960 لحسن بن عبد المالك السوسي ان قضى بعدم شرعية قرار قائد الخميسات بإغلاق مقهى بسبب نزاع بين شريك وورثة شريكه لانه تبين للمجلس انه لم تكن هناك ظروف تفرض على القائد ان يتخذ القرار المطعون فيه[18]. فمامدى توقف دعوى التعويض على إلغاء القرار وهل يمكن الجمع بينهما ثم مخاطر الجمع بينهما؟ وتعتبر المحاكم الإدارية أهم ركائز تأسيس دولة القانون، وذلك من خلال مراقبة أعمال الإدارة، وتمارس هذه المحاكم رقابتها من خلال نوعين من الدعاوى، هما دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل. دعوى الإلغاء ليست دعوى بين خصوم، بل هي موجهة ضد قرار صادر عن سلطة إدارية بإرادتها المنفردة قصد التوصل إلى إلغاءه أما دعوى القضاء الشامل فهي خصومة قائمة بين طرفين، يدعي أحدهما أنه وقع المساس بأحد مراكزه الذاتية أو الشخصية. قبل إنشاء المحاكم الإدارية، لم تكن تثار إشكالية الجمع بين دعوى التعويض ودعوى الإلغاء، على اعتبار أن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، لم تكن مختصة إلا في دعاوى الإلغاء. أما وقد أصبحت المحاكم الإدارية مختصة فيهما معا فهل يمكن الجمع بين دعوى إلغاء قرار إداري لعدم شرعيته وطلب التعويض في إطار المسؤولية الإدارية عن الأضرار التي قد تنتج عن هذا القرار.لم يتعرض المشرع المغربي في القانون المحدث للمحاكم الإدارية لا للمنع ولا للإجازة، مما يفتح المجال واسعا للاجتهاد القضائي.ومعلوم أن مسطرة كل من الطلبين تختلف تمام الاختلاف عن الأخرى، إذ طلب الإلغاء يسجل مجانا وداخل أجل قصير نسبيا،في حين تؤدى الرسوم القضائية في طلبات التعويض باعتبارها تدخل في إطار القضاء الشامل، كما أن أجل رفعها طويل ما دام أنها تخضع لأجل التقادم الذي يختلف باختلاف الحالات. وقد عرضت هذه الإشكالية فعلا على المحاكم الإدارية بالمغرب، فأجازت إدارية مكناس في أحد أحكامها،الجمع بين طلبي الإلغاء والتعويض، حيث حكمت بإلغاء قرار إداري صادر عن بلدية بوفكران، إلا أنها رفضت التعويض بعلة عدم سلوك الطاعن لمسطرة الفصل 34 من ظهير 30/09/1976 المتعلق بالتنظيم الجماعي، وقد سارت المحكمة الإدارية بوجدة في نفس الاتجاه، حيث قبلت الجمع بين الطلبين في عريضة واحدة، فألغت القرار الإداري المطعون فيه، وصرحت بعدم قبول طلب التعويض لعدم أداء الرسم القضائي. كما أن المحكمة الإدارية بمكناس أكدت اتجاهها السابق، بقبولها مرة أخرى إمكانية الجمع بين الدعويين من خلال الحكم رقم90/2002/12ش، ملف 125/2001/12ش، الصادر بتاريخ 14/11/2002/ بين العلوي إدريس وجماعة شرقاوة، بحيث جاء في تعليل هذا الحكم أنه:” لا مانع من الجمع بين طلب الإلغاء وطلب التعويض في صحيفة دعوى واحدة…”. وقد أوضح القاضي في هذا الحكم أن إمكانية الجمع رهينة باستيفاء بعض الشروط المتمثلة في كون كل طلب على حدة ( الإلغاء والتعويض) ينبغي أن تتوفر فيه الشروط التي تجعله مقبولا لدى المحكمة، ثم يتعين أن يوجد ترابط بين الطلبين كما هو الحال في هذه النازلة. وقد لقي هذا الجمع تأيد عدد من المهتمين، فهكذا نجد كل من الأستاذين آمال المشرفي وامحمد عنتري، يقولان:” ففي واقع الأمر ولئن ورد الطلبان في مقال واحد، فإن القاضي يفصل بينها، ويتأكد من استجابة كل منهما لشروط القبول، وفي حالة الإيجاب يبت فيهما معا، والحكم الصادر يكون حكما يندرج ضمن قضاء الإلغاء بالنسبة للشق الخاص المتعلق بمراقبة المشروعية بالنظر للحجية التي يتمتع بها وضمن القضاء الشامل بالنسبة للشق الخاص بجبر الضرر وبجانب هذا الرأي، هناك اتجاه معارض لهذا الجمع، بالرغم من أنه يقر بفوائد الجمع العملية، لكنه يتساءل عن السند الذي اعتمدت علي المحاكم الإدارية للقول بجواز الجمع بين الدعويين، فهذه المحاكم تكتفي بالقول أنه لا يوجد ما يمنع الجمع دون أن تبرز الأساس الذي يبرر هذا الجمع، كما أن هذا الاتجاه يرى أن الجمع لا يساير المنطق القانوني، بالنظر إلى الاختلاف الموجود بين كل من دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل. هنا يثار التساؤول : هل لابد من أن يكون القرار غير مشروعا، حتى يحق للمتضرر طلب التعويض عنه؟. وهل كل الأسباب المؤدية لإلغاء تعتبر خطأ يترتب عنه التعويض؟ بالنسبة للقضاء المصري: فإنه لا يحكم بالتعويض إلا إذا ثبت له أن القرار غير مشروع، بأن شابه وجه من أوجه عدم المشروعية المعروفة وهي عيب الشكل والاختصاص، ومخالفة القانون والانحراف أما فيما يتعلق بالتعويض فإن القاضي يحاسب الإدارة على المسائل التي تكون نظرية” التعسف في استعمال الحقوق الإدارية” وهكذا فإن أساس مسؤولية الإدارة في مصر، مؤسسة على إصدار قرار غير مشروع يشكل في حقها خطأ وينتج عنه ضرر للغير، وبالتالي فإن هذه المسؤولية قائمة على الخطأ، وأركانها ثلاثة: خطأ وضرر والعلاقة السببية. هذا بالنسبة للقضاء المصري، فما هو موقف القضاء المغربي؟ يتضح لنا أن القضاء المغربي يميل إلى تأسيس مسؤولية الإدارة بخصوص القرار الإداري على الخطأ المتمثل في عدم مشروعية القرار. من هذه الأحكام، نجد الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، عدد 119 بتاريخ 17/05/2000، بين ظهير الدين محمد ضد وزير وزير التعليم العالي. هذا التوجه اعتمدته المحكمة الإدارية بفاس، من خلال حكمها رقم 1257 الصادر بتاريخ 8/11/2001، بين الفايق وعامل فاسالمدينة، مع الإشارة إلى أن هذه المحكمة كانت أكثر وضوحا من المحكمة الإدارية بالدار البيضاء. ومما جاء في هذا الحكم نجد:” حيث أسس المدعي مطالبته بالتعويض على صدور قرار نهائي عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى قضت بتأييد الحكم المستأنف الصادر عن إدارية فاس بتاريخ 19/9/2001 في الملف عدد 303غ/99 والقاضي بإلغاء الإقالة عدد 1/99 الصادر عن عامل عمالة فاسالمدينة. وحيث إن طلب التعويض على الأضرار اللاحقة بالمدعي من جراء قرار إداري تم إلغاؤه قضاء رهين بمدى مشروعية هذا القرار. المطلب الثاني: تطبيقات منازعات المسؤولية الإدارية للجماعات الترابية إن نظام المسؤولية المطبق في مجال الأضرار الناجمة عن الأشغال الجماعات الترابية،نظام المسؤولية بدون خطأ فبجانب المسؤولية التي تقوم علي أساس الخطأ نشأ مجلس الدولة الفرنسي مند بداية القرن التاسع عشر نوعا اخر من المسؤولية لا علاقة لها بفكرة الخطأ بتاتا،بمعني انه قرار مبدأ التعويض عن أضرار نجمت عن تصرف مشروع من جانب الإدارة لاتشوبه شائبة أي انه أقام المسؤولية علي ركنين فقط من أركان الضرر والعلاقة السببية بينه وبين أشغالالجماعات الترابية. الفقرة الأولي: المسؤولية علي أساس المخاطر تعددت حالات المسؤولية على أساس المخاطر تبعا لتطور المستمر الذي عرفته هده المسؤولية،ويعتبر القضاء الفرنسي وخاصة مجلس الدولة هو من وضع الأسس العامة لنظرية المسؤولية الإدارية،وقد تمخض عن هدا الاتجاه القضائي تحديد حالات المسؤولية علي أساس المخاطر،غير انه لابد من الإشارة إلى أن كلا من المشرع الفرنسي والمغربي قد تدخلا ليبينا تطبيقات معينة من هده الحالات بنص تشريعي[19]. فهل يجوز أن تقرر مسؤولية الجماعات الترابية عن أعمالها الإدارية القائمة بدون خطأ؟وهل يمكن إن تلتزم الجماعات الترابية بالتعويض تبعا لدلك؟ أن المسؤولية الإدارية علي أساس المخاطر تتحقق بتوافر ركنين،هما الضرر والعلاقة السببية ودلك خلافا للمسؤولية في إطار القانون الخاص التي لاتقرر الابتوافر ركن الخطأ. ويلزم لقيام المسؤولية إن تتوافر علاقة سببية بين الفعل الضار للجماعة الترابية وبين الضرر الذي لحق المضرور، بمعني إن تكون المنشأة هي السبب المنتج للضرر،وبعبارة أخرى يلزم إن تكون أشغال الجماعات الترابية هي التي سببت الضرر للمضرور فان لم تقم علاقة السببية بين الجماعة والضرر فلا مسؤولية،حتى يكون صاحب المنشاة مسولا عن تعويضه،وهو شرط لقيام المسؤولية والمطالبة بالتعويض على أساس المسؤولية يجب عليه ان يقدم الدليل على توافر علاقة سببية بين ما وقع له من ضرر وبين الجماعة الترابية،وقد يكون الضرر مستمرا مثل مساوئ اواكراهات الجوار الناتجة عن المنشاة العمومية،كما قد يكون الضرر عارضا أي ناتجا عن حوادث الجماعة الترابية[20] فبالنسبة للأضرار الدائمة ودلك كإقامة سكة حديدية بجانب منزل فيؤدي الوضع إلى انخفاض قيمته،أو كان تحصل فيضانات متكررة نتيجة تسوية لازمة لتنفيذ أشغال الجماعة [21]. ويعوض عن مثل هده الأضرار بكيفية تلقائية شريطة ثبات الرابطة السببية بين العمل الإداري والضرر الحاصل،وهدا ما قضت به محكمة الاستئناف بالرباط في حكمها الصادرفي فاتح يوليوز 1953 من أن ” كل ضرر مستمر الحق أشغال عمومية بأحد الخواص يجب أن تتحمله الجماعة بشرط أن يكون هدا الضرردا أهمية وان نكون له علاقة مباشرة بالأشغال المنجزة” وفي نطاق الاخد بعين الاعتبار لطبيعة الضرر فيما يتعلق بالأضرار الجسمانية نذكر القرار رقم 188002 الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ الذي يقول فيه :وحيث ولئن كان السيد….مستفيدا من حلبة التزحلق على الجليد فانه لم يكن كدالك بالنسبة لملعب سلالوم الذي يشكل العمود الحديدي مصدر الاصطدام احدي توابعه واد كان يوجد الضحية في وضعية غير مستفيد بالنسبة للمنشاة العمومية مصدر الضرر، لأجل دلك تعتبرا لجماعة حتى في غياب خطأ من جانبها مسؤولة عن الضرر المنسوب إلى وجود العمود الحديدي لم يكن محميا لكن هده المسؤولية يحد منها حالة عدم التحكم التي إبان عنها السيد… خلال قيامه بعملية التزحلق بالميدان الذي لم يكن كثير الانحدار،كما إن الأحوال الجوية كانت جيدة يوم وقوع الحادث،وبدلك يكون من العدل تحديد المسؤولية. وفي قرار رقم 76289 الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 3 يوليوز 1970 “في قضية التعويض عن الأضرار اللاحقة بالمضرور من جراء وجود مستودع للنفايات تابع لجماعة دورن فوق ارض تابعة لها من اجل تلبية حاجات المرفق البلدي للنفايات المنزلية بشكل منشاة عمومية يلزم وجودها وتسيرها مسؤولية الجماعة اتجاه الغير،حيث يتضح من مناقشة القضية ان المستودع المذكور يوجد بالقرب من منزل السيد….وتسبب له بفعل تكاثر الذباب وانتشار الفئران وكدالك من خلال الدخان والروائح المنبعثة منه،في ازعاج يتجاون المساوئ العادية للجوار مما يجعله محقا في طلب جبر الأضرار الناجمة عن هده الاضطرابات في ظروف عيشه والحكم له بالتعويض في مبلغ….”[22] الفقرة الثانية: المسؤولية الإدارية للجماعات الترابية عن القرار المشروع إن مسؤولية الجماعات الترابية عن القرار المشروع يتجلي في العديد من الحالات ومدى مسؤولية القوانين المرتبة للضرر وترتب الحق في التعويض ومن بين هده الحالات،ارتفاقات التعمير ومبدآ التعويض عن الأضرار الناتجة عنها ،آدا كانت ارتفاقات التعمير تعتبر قيدا قانونيا على الملكية للتحقيق المنفعة العامة من شانها ان تحد من تصرف المالك في ملكه فهل يرتب هدا القيد القانوني الحق في التعويض خصوصا ادا ترتب عنه أضرارا محققة وحالة بالمالك ونخص بالذكر هنا التعويض عن إحداث الطرق وتوسيعها في إطار قانونالتعمير وارتفاق المساهمة المجانية : يخضع إحداث الطرق الجماعية للمساهمة المجانية المنصوص عليها بالفصل 37 من قانون التعمير 12-90 إلا أن تطبيق هاته المادة يثير مجموعة من الإشكاليات بخصوص التعويض المستحق سواء في إطار نزع الملكية أو في إطار نظرية الاعتداء المادي. وتنص المادة 38 من قانون 12-90 على انه”يحدد التعويض المستحق لأملاك الأراضي المجاورة للطرق العامة بموجب المادة 37 أعلاه وفق القانون المشار إليه أنفا رقم 7-81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت”[23] وإذا كان مضمون الفصل 38 أعلاه واضح في تنصيصه على التعويض المستحق للملاكين في إطار نزع الملكية هذا إن احترمت الإدارة مسطرة نزع الملكية في وضع يدها إلى العقار المذكور وإلا حدد التعويض في إطار نظرية الاعتداء المادي في حالة مخالفة مقتضيات القانون 7-81 فان تطبيق المادتين 37و38 أعلاه يثير عدة فرضيات لمبدأ التعويض عن نزع ملكية المساحات الواقعة عليها الطريف العامة الجماعية فقد تستغرق الطريق العامة الجماعية جميع مساحات العقار وقد قد تشمل مساحة الطريق المذكورة الجزء الأكبر من مساحته بشكل يفوق الربع ،وقد تكومن المساحة اقل من الربع وقد تقل في عرض الطريق عن 10 أمتار لتتجاوز أو تقل عن الربع المنصوص عليه في الفصل 37 وقد يتعلق الأمر بطريق جماعية واحدة أو متعددة وقد يتعلق الأمر بتوسعة الطريق دون إحداثها كما قد ينجم عن إحداث الطريق الجماعية بقاء جزء من ارض المالك المجاور للطريق غير الصالحة للاستعمال أو ترتب عن إحداث تلك الطريق تقليص قيمة الأرض المتبقاة،وسنحاول التطرق إلى حالتين مع تبيان موقف العمل القضائي الإداري منها: في حالة إستقرارالطريق العامة الجماعية جميع مساحة العقار في هاته الحالة يحرم المالك نتيجة ذلك منم عقاره بصفة مطلقة ويفقد مزية المجاورة لهذه الطريق مما يتعذر معه تطبيق مقتضيات الفصل 37 من القانون 12-90 على اعتبار أن هذا المقتضى القانوني يخاطب الملاكين اللذين تصير أو تبقى أراضيهم مجاورة للطريق العامة الجماعية لذلك يكون محقا في التعويض عن فقدانه ملكه ويحدد هذا التعويض إما استنادا إلى ضوابط مقتضيات القانون 7-81 المتعلق بنزع الملكية في حالة سلوكها وإما في إطار نظرية الاعتداء المادي بناء على الفصل 79 من ق.ل.ع في حالة الإخلال بمسطرة نزع الملكية وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية بوجدة “استغراق قرار تصميم التهيئة لكافة أجزاء القطعة الأرضية المنزوع ملكيتها بمقتضاه قصد إحداث طريق عمومي فوقها ضرورة تعويض الطرف المنزوع ملكيته عن كافة أجزاء القطعة الأرضية بانتفاء صفة الجوار المقرر بمقتضى المادة 37 منم قانون 90-12 _ نعم”.[24] * حالة تجاوز المساحة المقتطعة لربع القطعة الأرضية بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 37 من القانون 90-12 نجد أن المساهمة الجانية تتخذ في جزء من الأرض يعادل مستطيلا يكون عرضه 10 أمتار وطوله مساويا لطول واجهة الأرض الواقعة على الطريق المراد إحداثها على إلا تتعدى هذه المساحة قيمة ربع القطعة الأرضية فان هي تجاوزت الربع ولم تتجاوز 10 أمتار المحددة لعرض الطريق كان المالك محقا في طلب التعويض عن المساحة الزائدة عن الربع الذي لا يكون مشمولا بالمساهمة المجانية ويحدد التعويض بحسب الحالة إما في إطار قانون نزع الملكية في حالة احترام مسطرة هذا القانون أو في إطار الاعتداء المادي في حالة خرقه في وضع اليد على العقار .وهذا ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية بفاس “حيث يستفاد من مقتضيات المادة 37 المشار إليها إن المساهمة المجانية في إحداث الطريق التي تصير أو تبقى مجاورة للطريق العامة الجماعية تنحصر في قيمة قطعة أرضية تشكل مستطيلا يمتد على واجهة الطريق المحدثة على عرض لا يتجاوز 10 أمتار شريطة ألا يتجاوز المساحة الواجب المساهمة بها في إحداث الطريق قيمة ربع العقار ككل وهذا ما يعني أن أقصى نسبة للمساهمة المجانية لإحداث الطريق الربع من مجموع مساحة العقار ككل. وحيث أن ما زاد على هذه المساحة لا يندرج ضمن مقتضيات المادة 37 من قانون التعمير ويكون ذلك محقون بالمطالبة بالتعويض عن المساحة المذكورة. خاتمة: نخلص إلى أن دعوى المسؤولية الإدارية تتوقف بين ضرورة حماية قضائية شاملة للمتضررين،وبين ضرورة مراعاة خصوصية الذمة المالية للدولة على أساس دولة المساواة أمام الأعباء العامة في إطار دولة القانون . فالتشريع المغربي في ميدان المسؤولية الإدارية يعتمد نصوص عامة ضمن قانون الالتزامات والعقود ضمانة لحقوق الأفراد إزاء مرافق الدولة، في غياب نصوص خاصة حقيقية وواضحة فضلا عن أن ذلك يؤدي إلى تضارب في الاجتهاد القضائي. وفي انتظار سد الفراغ التشريعي فإن الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود،يبقى مبدأ عام للمسؤولية ويبقى على القضاة أن يطبقوه بالطريقة التي يحققون بواسطتها التوازن بين أطراف الدعوى، تطبيقا لقواعد الإنصاف والعدالة ومساواة المواطنين، مع إخضاع المخالفين للقانون.