سؤال يطرح نفسه كلما تولّت القوات العمومية تدبير الحركات الاحتجاجية التي تحركها مطالب اجتماعية واقتصادية ملحّة. فقط؛المواقف الحزبية المتطرفة والتحليلات الإعلامية المغرضة هي من تخلط، عن قصد، بين الأمن والقمع، وتحاول ان تزاوج بين المفردتين حتى تُعطي لقراءاتها، المضبوطة على مواقف سياسية مسبقة، توصيفات تخدم اجندة الخطاب الذي يجعل من فرض احترام القانون، بمنع التظاهر بدون ترخيص كما وقع في جرادة مثلا، قمعا وعنفا ومواجهات غير متكافئة بين القوات العمومية وجماهير المحتجين. بهذا المعنى، فإن تدخلات القوات الأمنية لحماية الأشخاص وردع الجريمة وتَعقّب الجناة وتطبيق القانون في حق المخالفين، لقانون السير أو قانون التظاهر لا فرق، كلها تستحق توصيف القمع. وبهذا المعنى أيضا، فإنه يُعدّ قمعا التدخل لحفظ النظام العام وحماية الممتلكات العامة والخاصة وضمان الهدوء والسكينة والأمن. لا خلاف حول مشروعية المطالب الاجتماعية لساكنة جرادة، لكنها مطالب لا تبرر كل العنف الذي جوبهت به محاولات قوات الأمن ثني المحتجين عن التظاهر بدون ترخيص. إن ما حدث يكشف أن التساهل الذي تعاطت به السلطات العمومية مع الوقفات الاحتجاجية، طيلة شهر تقريبا، بنيَّة التخفيف من حدة التصعيد وتهدئة الوضع، فتح المجال أمام هواة الركوب على المطالب الاجتماعية والاستغلال السياسوي، من اجل التأطير والتجييش للتصعيد والفوضى والعنف في مواجهة القوات العمومية. إن الصور الذي تناقلتها وسائل الاعلام لجرحى قوات الأمن وخسائر في العتاد، دليل على انحسار المقاربة الأمنية في التعاطي مع المحتجين، فالصور تدين كل الذين تآمروا على المطالب المشروعة للمحتجين، أولا، قبل ان يتآمروا على قوات الأمن التي حضرت الى مكان التظاهر لفرض القانون. ليست المقاربة الأمنية دائماً مقاربة قمعية. فحفظ النظام العام وحماية الممتلكات والأشخاص، مقاربة أمنية أيضا. وصور التدخلات الأمنية لفض التظاهرات تأتي من كل بلدان العالم بما فيها تلك الراسخة في الممارسة الديمقراطية، ومع ذلك لا أحد يصف أعمال اجهزتها الأمنية بالقمع. فالقانون والمواثيق الدولية نفسها تعتبر كل تدخل من صميم العمل الأمني، فالمبادئ التوجيهية ل”لجنة البندقية” حول التشريعات الوطنية المنظمة لحرية التجمهر والتظاهر السلمي، تُقرّ بجواز التقييد على التجمعات والمظاهرات إذ ما تضمنت دعوة صريحة للعنف، بينما تعرضت قوات الأمن لابشع صور العنف في جرادة، فهل كل مقاربة أمنية.. قمعية؟