على إثر الفاجعة الحزينة التي وقعت بإحدى الجماعات التابعة لإقليمالصويرة، التي تسببت في وفاة عدد من النساء أثناء عملية توزيع مساعدات غذائية، خرجت بعض الأصوات من هنا وهناك لتصدر أحكاما مشوهة ومجانبة للصواب مستغلة مشاعر الحزن التي يشعر بها المواطن المغربي إثر هذا الحادث وهو المعروف عبر تاريخه بروح التضامن والتكافل في السراء والضراء. وكان بلاغ وزارة الداخلية قد أخبر المواطنين اليوم بالحرص الملكي على احترام النظام والقانون، وعلى السهر الجدي على الإسراع بالتحقيق في هذه المأساة من طرف الجهات القضائية والإدارية المختصة لمعرفة كل الحيثيات والأسباب، إضافة إلى التعليمات الملكية المتعلقة بالتطبيق الصارم للمبادئ الدستورية التي تنص على المحاسبة في ظل احترام القواعد التي يتعين أن تحكم العلاقات بين الإدارة والمواطنين، وهي التعليمات التي تم بموجبها إعفاء المسؤول الجهوي للدرك من مهامه وسيتم بموجبها الاستماع إلى عامل إقليمالصويرة من قبل القضاء، ومعاقبة جهات أخرى بسبب الإهمال أو سوء تنظيم وتدبير العمل المناسباتي. نحن الآن إذن، أمام تجسيد واضح ومتكامل لدولة الحق والقانون، وأمام يقظة وطنية لعدم استغلال هذه المأساة الإنسانية التي حدثت بسبب الازدحام والتدافع، وهذه الإجراءات من شأنها طبعا أن تريح المواطن كونه يعيش داخل دولة تحكمها المبادئ الدستورية التي صوت عليها بنفسه، والمبادئ القانونية التي تؤطر النظام المجتمعي والمدني في المغرب. وإذا كانت فاجعة الصويرة قد أكدت وحدة المشاعر المغربية في الضراء، كما هي موحدة في السراء، فإنها لا يجب أن تنسينا بأن المغاربة عرفوا عبر تاريخهم الطويل بحرصهم الشديد على ثقافة التكافل والتضامن التي ظلت دائما راسخة في التقاليد المغربية، التي بفضلها استلهم الملك المشروع الوطني الكبير للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، واختار لتسميتها بصفة الوطنية بالرغم من كونها ورشا ملكيا بامتياز، وبفضل هذه المبادرة تقوى العمل الجمعوي في مختلف ربوع المملكة، وتضاعف عدد الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، التي أصبحت تنشط بشكل مكثف في مختلف المجالات في ظل الشراكة الثلاثية التي تجمعها مع الدولة والقطاع الخاص . فالمبادرات الانسانية يجب ان تتقوى في ظل القانون والنظام والتأطير الجيد، ولا ينبغي طبعا ان نستهين بقيمتها الدينية والتنموية والتاريخية والانسانية، فهي التي تقوي الرأسمال اللامادي بوطننا، وتزيد في تماسكنا الاجتماعي، وتساهم في ترسيخ القيم المغربية، التي نشد عليها بالنواجذ، ونحفظها بكل الوسائل. إلا ان حرصنا على الحفاظ على قيم التضامن والتكافل والتراحم، لا يجب ان تنسينا اننا نعيش في ظل دولة تحكمها القوانين والانظمة المدنية المعمول بها، وانه حان الوقت اليوم لنننكب على مزيد من التقنين والتأطير لكل الانشطة والعمليات ذات الأهداف النبيلة المرتبطة بالأعمال الخيرية والانسانية، حفاظا على راحة المواطنين وسلامة أرواحهم، وضمانا لمزيد من الأمن والنظام داخل مجامعنا ووطننا. فالحادثة التي وقعت بسبب التزاحم والتدافع، وسوء التنظيم ما كانت لتقع لو سهرت الجهات المعنية على تنظيمها، وفق ما يجب من اجراءات تأطيرية وتنظيمية مضبوطة. كما أن هذه الحادثة لا يجب ان تشكل مطية او ذريعة لتشويه الوقائع، او الافراط في تضخيم الأحداث، أوالركوب على مآسي المواطنين واستغلالها لتحقيق أهداف مشبوهة تحركها نوايا غير سليمة، او لتحويل المبادرات المحمودة الى وجهة غير الوجهة التي يجب ان تكون عليها. إن فواجع الدهر كثيرة ومتنوعة، فتارة تأتي بسبب حوادث السير، وتارة تأتي بسبب الكوارث الطبيعية، كما انها تاتي احيانا بسبب سوء العوقع او ضعف التدبير لبعض الاحداث والمناسبات، والمجتمع الانساني المنظم يستفيد في الغالب من هذه الوقائع لتطوير خدماته واساليبه و وسائل عمله، حرصا على استمرار الحياة، وتحسين ظروف عيش المواطنين . حقا، نحن بلد تعوزه الكثير من الامكانيات ليحارب الفقر بين ليلة وضحاها، ولكننا بلد اجتهد كثيرا كي ينظم نفسه، واجتهد ايضا كي يقوي بنياته التحتية، كما اجتهد ليحارب الهشاشة ويفك العزلة ويحد من مستوى الفقر، الى مستوى فاجأ الكثير. فبالامس القريب كان بيننا 15 في المائة من عدد الفقراء، اما اليوم، وفي ظل عشر سنوات فقد اصبحت النسبة هي 4،5 في المائة، وفي نفس الفترة قلصنا نسبة الأمية الى 32 في المائة بعد ان كانت فوق الاربعين، وما بين 2003 و 2013 استطاع المغرب فك عزلة 3 ملايين يعيشون في القرى والدواشر البعيدة، وضمان التعليم والسكن والتزود بالماء والكهرباء للملايين من أبناء هذا الوطن، ليكون المغرب بذلك حريصا على كرامة مواطنيه حرصه على تنمية اقتصاده واداءه التنموي.