يعد الرسّام الفرنسي كلود مونيه رائد المدرسة الانطباعية، أول من استعمل كلمة انطباع في لوحته “انطباع، شمسٌ مشرقة”، معظم أعماله تقتنص روح الطبيعة وتتوجها في لحظات صفاء لا تكتمل إلا مع «صاحبة العظمة»المرأة بمظلتها الشمسية، فهو لا يستهويه انطباع الشمس وهي تشرق، بل يعشق صاحبة المظلة كتجلي للنبل والجمال الهادئ. من كان يظن يوماً أن لوحة “انطباع، شمسٌ مشرقة” التي عرضت في أبريل عام 1874 في صالة نادرة في معرض شاركه فيه مونيه رفقة كل من الفنانسيزان، ودوغا، وبيسارو، ورنوار، وسيسلي، وأثار سخرية النقاد واستهجانهم إذ اعتبروه فضيحة، ستصبح مرجعاً تاريخياً للمدرسة “الانطباعية”، ونقطة تحول في تاريخ الفن. تاريخ لوحة”انطباع الشمس” يدل على أن الإيمان بالجمال لا يتطلب قرباناً، فعندما يصبح اللون الوسيلة الأساسية للتعبير عن الحركة لا يمكنه إلا أن يقول كل ما هو خير وجميل. كما أنه كلما أصبحت عين المشاهد سفينة سفره، فتقابل الألوان وتجاورها يولد إحساساً بصرياً بالحركة. ولد الرسام مونيه في الرابع عشر من نوفمبر عام 1840، نشأ في أسرة كاثوليكية تتكون من أخ وأخت وهما كلود أدولف مونيه ولويز جوستين اوبري مونيه. وعلى الرغم من أن المعتقدات الدينية التي تربى فيها مونيه كاثوليكية، إذ عمد في الكنيسة المحلية كأوسكار كلود في العشرين من مايو، إلا أن مونيه أصبح ملحدا خلال حياته. انتقلت عائلة مونييه من باريس إلى هافر في نورماندي، وقد رغب والديه في أن يتابع مسارهما التجاري، إذ اراداه أن يهتم بتجارة العائلة، غير أن مونيه اختار أن يصبح فناناَ. في الأول من ابريل سنة 1851 التحق مونيه بمدرسة لو هافر الثانوية للفنون. بداياته الفنية كانت مع الرسم الكاريكاتوري بالفحم، وقد عرفه السكان المحليين برسومه الكاريكاتورية التي كان يبيعها بمبلغ عشرة إلى عشرين فرنك. لم تقتصر مسيرته على الرسم بالفحم، بل أخد مونيه ايضاَ دروساَ من “جاك فرانسوا اشارد” والذي كان طالباَ سابقاَ لدى “جاك لوي دافيد”. كما أن لقائه بصاحبه الرسام “اوجين بودان” بشواطيء نورماندي غير مساره، لينتقل من الرسم بالفحم ويستخدم الألوان الزيتية. في عام 1860 التحق مونيه بالجيش الفرنسي وأرسل إلى الجزائر، هذه التجربة كان لها وقع خاص على تجربته الفنية وعلى نفسه، فالألوان الشديدة والألوان المتوهجة التي اكتشفها في الثقافة الشرقية، كان لها أثر خاص. عاد مونيه من الجزائر بعد أن أصيب بحمى التيفويد التي عجلت بتسريحه من الجيش، فغادر الجزائر راجعًا إلى باريس ليواصل تعلمه للفن، وهناك توطدت علاقته مع بعض الفنانين الشباب أمثال “رينوار”. انتقلت لوحات مونييه التي تتميز بألوان حركية إلى لون أحمر، بعد أن فقد بصره تدريجياً نظرا لإصابته بعلامات إعتام عدسة العين، التي رغم إجراءه لعمليتين لإزالتها عام 1923، إلا أنه لم يشفى من ذلك، بل أكثر من ذلك أصبح يرى ألوان فوق البنفسجية، مما انعكسن على الألوان التي كان يختار للوحاته. بعد رحلة طويلة مع لوحات انطباعية متميزة ومسيرة فنية دامت خمسين عاماً، توفي مونيه في الخامس من ديسمبر سنة 1926 عن عمر يناهز 86 إثر إصابته بسرطان الرئة، ودفن في مقبرة كنيسة جيفرني، وحسب وصيته فقد أصر مونيه أن تكون مراسم دفنه بسيطه، ولهذا حضر جنازته خسمون شخصاً فقط.