يبدو أن هناك أطراف في جهة الريف لا تتمنى للأوضاع أن تهدأ هناك، وهو الامر الذي بدى جليا من خلال بدئها بتحريك كل آلياتها نحو تأجيج الوضع ولو بالكذب وتركيب ما لا يركب، خصوصا بعد المبادرة الملكية الضاربة على أيدي المفسدين والمفرطين في تنمية الجهة وإصلاح ما تضرر. فمع إعلان الملك محمد السادس خلال المجلس الوزاري الأخير الذي سبق يوم عيد الفطر، عن حزمة إجراءات اتجاه إقليمالحسيمة، والتي على رأسها تأسيس “لجنة البحث والتحري” لمحاسبة المسؤولين عن تأخر مشاريع الحسيمة، بدأ تحريك آليات وأشخاص خصوصا في مجال حقوق الإنسان لصياغة تقارير الغرض منها كما يبدو محاولة إعادة تأجيج الوضع في الحسيمة. الحديث هنا ودون مقدمات عما أقدم عليه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تلك المؤسسة الدستورية التي يرأسها إدريس اليزمي و التي كان يعول عليها المغاربة للعب دورها الأساسي الذي تتلقى عليه أموالا طائلة من جيوب المواطنين، قبل أن تصبح مؤسسة مسخرة في يد “جهات” بجهة الحسيمة، لصياغة تقارير منحازة و مغلوطة انطلاقا من مبادرات مشبوهة، هدفها النفخ في الرماد طمعا في نيران تحرق الجميع ولا تمس الإطفائي المحترف للعبة الابتزاز. فمع مرور ثمانية أشهر على أحداث الحسيمة، لم يجد مجلس اليزمي، الذي لا يُعرف بعد، كم حجم الصفقة التي تلقاها من أجل صنيعته، وأي شيء يفعله غير تجميع 19 شكاية لمدعين التعذيب بين معتقلي الحسيمة، وتحت وصاية طبيب قيل إنهما “شرعيان” لصياغة تقرير موغل في التجاوزات وضارب في مبدأ الحياد والموضوعية، ادعى بأن هؤلاء “المعذبين” نالوا ما نالوه على يد شرطة الحسيمة. التقرير الذي انجزه باللغة الفرنسية الطبيبان البروفسور هشام بنعيش و الدكتور عبد الله دامي، بطلب من مجلس اليزمي والذي اطلع على مضمونه موقع “برلمان.كوم” يتضمن عدة تناقضات و أخطاء مهنية و لغوية فادحة بالإضافة إلى ركاكة الأسلوب في الجزء الذي أعده الدكتور دامي و الأخطاء العديدة و المتكررة في تواريخ مجريات الأحداث، تدل على أن التقرير أُنجز بسرعة فائقة تحت طلب جهة ما، يفقده أي مصداقية و يجعله باطلا أمام القضاء. لنبدأ برسالة ادريس اليزمي لوزارة العدل و المرفقة للتقرير. هذه الرسالة (انظروا النسخة) تقول إن مهمة الطبيبان كانت خلال يومي السبت و الأحد 17 و 18 يونيو 2017. لكن بعض تقارير الفحص التي أعدها الدكتور دامي تحمل تاريخ 14 و 15 يونيو 2017، ما يعني أن التقارير أعدت قبل التاريخ الذي صرح به اليزمي لوزارة العدل. التقرير المنجز حول المتابع أيمن فكري يقول إن هذا الأخير ازداد بتاريخ 07 مارس 2017 و تم اعتقاله يوم 26 ماي على الساعة الخامسة بعد الزوال. ما يعني أن قوات الأمن اعتقلت بالشارع العمومي رضيعا يبلغ من العمر شهران و 19 يوم!! تقارير الطبيبان تخلص إلى ضرورة فتح تحقيق قضائي في أقرب الأجال حول مزاعم التعذيب و الحرص على عدم الإفلات من العقوبة بالنسبة للمتورطين! هكذا تحول تقرير طبي إلى تقرير سياسي لأن هذا الطلب ليس من اختصاص الطبيب بتاتا، بل من حق محامي المتابعين و من اختصاص القضاء. الملف الذي يحتوي على 35 صفحة يخلص في مجمله إلى إصابات ليست بالخطيرة لبعض المعتقلين أثناء عملية الإعتقال و المواجهات بين المتظاهرين و القوات العمومية حيث أصيب كذلك عدد كبير من رجال الأمن و القوات المساعدة بجروح بعضها خطيرة. تناول مجلس اليزمي لموضيع مدعي التعذيب من جهة واحدة دون القيام بنفس الأمر في الجهة الأخرى الأكثر تضررا والمتعلقة بضحايا قوات الأمن في الحسيمة وتجاهلها نهائيا، والذين تلقوا كل أصناف التنكيل من محتجين، يظهر عدم صدقية الفعل والتقرير الذي صاغه اليزمي ومجلسه، وتعيد التساؤل عن غاية الأطراف التي تحركه والتي باتت قاب قوسين أو أدنى من السكتة القلبية، بسبب فشلها في الركوب على احتجاجات الحسيمة لتقوية مكانها من منطق ابتزاز الدولة ولو على حساب استقرار الوطن. فهل اطلع فعلا ادريس اليزمي على محتوى التقرير الطبي المليء بالتناقضات و الأخطاء و المغالطات، أم اكتفى بتحرير الرسالة من سبعة أسطر، وبعث الملف لوزير العدل لأنه كان “زربان يمشي” لمدينة الصويرة لحضور مهرجان كناوة والاستمتاع ب”ويك أند” على حساب جيوب دافعي الضرائب؟