يبدو أن الأزمة الداخلية لحزب العدالة والتنمية لن تنتهي قريبا بسبب الحروب الخفية بين صقور الحزب، منذ إعفاء عبد الإله ابن كيران من مهمة تشكيل الحكومة وتعيين سعدين العثماني خلفا له، وجاءت التصريحات الأخيرة لبنكيران أمام نواب الحزب لتظهر أن هناك اتساعا لهوة الخلاف بين اتجاهات داخل الحزب. وفي هذا السياق أكدت مصادر مطلعة ل"برلمان.كوم"، أن ابن كيران يعبأ أتباعه للعمل على تعديل القانون الداخلي للحزب كي يكون في وسعه الترشح لولاية ثالثة لمواجهة تيار سعد الدين العثماني خلال المؤتمر المقبل للبيجيدي، حيث ينتظر أن يعرف المؤتمر صراعا قويا من شأنه أن يخلف توترا شديدا داخل المصباح حتى لا نقول انشقاقا. وفي هذا الصدد يرى حفيظ الزهري، الباحث في العلوم السياسية في حديثه مع "برلمان.كوم"، أن العدالة والتنمية “يمر بمرحلة عصيبة” وأزمة مستحكمة منذ إعفاء ابن كيران من مهمة تشكيل الحكومة وتعيين العثماني مكانه وظهور تصريحات متضاربة هنا وهناك ، يأتي ذلك بعد ما عهد في هذا الحزب “تماسكه وانغلاقه”. وأضاف الباحث أنه بعد أن كان الحديث عن وجود خلافات داخلية تمثل طابو أو مجرد استهداف للحزب ومحاولة مشبوهة لزرع الفتنة بين صفوفه، جاءت إقالة بنكيران “لتكشف ما كان مستورا”، وأبان ذلك مدى عمق الخلافات الداخلية وغياب الثقة بين أعضاء الحزب وصار الشك هو القاعدة إلى أن يثبت العكس. وحسب الزهري فإن ذلك ما عبر عنه زعيم الحزب في كلمته أمام برلمانيي المصباح عندما طرح مجموعة من الأسئلة “تعبر عن استعصاء هضمه لما وقع له من خيانة من قبل من كان بالأمس يستقوي بهم ويستعرض عضلاته". وتابع الباحث أن أنصار ابن كيران من البرلمانيين وغيرهم أصبحوا “بمثابة فرامل لحافلة حكومة خصوصا على مستوى المساءلة والمحاسبة داخل البرلمان لحكومة العثماني”. ويرى الزهري ، أن ما قاله أمين عام البيجيدي في كلمته الأخيرة، يجعل المتتبع للشأن السياسي المغربي يكتشف شخصية بنكيران “الدعوية” خصوصا لدى محاولاته المتكررة التأكيد على ابتعاد الحزب ذراعه الدعوي (التوحيد والإصلاح). وأضاف أن ذلك هو الذي جعله “يربط المسؤولية البرلمانية بالمحاسبة الشعبية، لاعبا دور الشخصية النصوحة التي لها ارتباط بالشعب كزعيم وليس كرجل دولة”. وأشار إلى أن هذا التوجه “لم نعتده في أغلب رؤساء وزعماء الأحزاب الذين يتهافتون على لقب رجل دولة، فيما اختار بنكيران الغوص في البحث عن الزعامة السياسية والشعبية”. وبحسب الباحث السياسي ، فإن هذه الزعامة “جلبت لابنكيران العديد من المتاعب سواء على المستوى الداخلي أو على مستوى علاقاته مع باقي الفرقاء السياسيين من أحزاب ومؤسسات، مما أدى إلى تقزيم دوره ومحاولة شل حيويته الحركية ومحاصرته، تفاديا للمزيد من اللقاءات الجماهيرية التي تكسبه القوة بحكم امتلاكه لفن الخطابة التواصلية وقدرة خارقة على الاقناع، الأمر الذي يمكن أن يسبب المزيد من المتاعب لحكومة زميله سعد الدين العثماني". من جهة أخرى، اعتبر الزهري أن المؤشرات الصادرة عن المطبخ الداخلي للبيجيدي، تؤكد أن المرحلة الفاصلة بين تشكيل الحكومة والمؤتمر المقبل للحزب “سوف تعرف حوادث سير عديدة خصوصا تحت قبة البرلمان بعدما وجه عبد الاله بنكيران نوابه نحو المساندة النقدية للحكومة مع المحاسبة، وهو ما سيسمح له برد الصاع صاعين لمن كان بالامس سنده في قرارته الحزبية وتخلى عنه بمجرد استوزاره ". وفي سياق متصل يرى المحدث أن "نيران الصراع الداخلي قد تتطاير وتصيب باقي التنظيمات الموازية للحزب من نقابة وشبيبة وتنظيم المرأة وغيرها”. وقال إن ذلك “يجعلنا نقرأ بأن حزب العدالة والتنمية يمر بأزمة داخلية يصعب التكهن بمخرجاتها ونتائجها وسيكون لها تأثير كبير على المؤتمر الوطني المقبل وعلى السير العادي لاشتغال حكومة سعد الدين العثماني".