لا أعتقد أن الأزمة الداخلية لحزب العدالة والتنمية ستنتهي قريبا، خصوصاً بعد التصريحات الأخيرة لزعيمها عبد الإله بنكيران أمام نواب الحزب، حيث يظهر جليا أن هناك اتساع لهوة الخلاف بين أطراف الحزب. وما يؤكد ذلك، هو نية بنكيران تعديل قانون الحزب والترشح لولاية ثالثة في مواجهة مع تيار سعد الدين العثماني خلال المؤتمر المقبل للبيجيدي، حيث قد يعرف هذا الأخير تكشيرا للأنياب وصراعا قويا قد تنتج عنه خسائر كبيرة للحزب، إن لم نقل انشقاقا آخر بعد الخروج السابق للخالدي الذي أسس حزب النهضة والفضيلة. حزب العدالة والتنمية يمر بمرحلة عصيبة بعد انفجار الأزمة وظهور تصريحات هنا وهناك، ونحن الذين عهدنا في هذا الحزب تماسكه وانغلاقه، حيث ظل الحديث عن وجود خلافات داخلية بالحزب بمثابة طابو أو مجرد استهداف للحزب ومحاولة مشبوهة لزرع الفتنة بين صفوفه، لكن إقالة عبد الاله بنكيران من مهمته في تشكيل الحكومة وتعويضه برفيقه سعد الدين العثماني كشف ما كان مستورا وأبان عن مدى قوة الخلافات الداخلية وفقدان الثقة الداخلية بين أطرافه. ودخول التشكيك في كل شئ إلى أن يثبت العكس. وهذا ما عبر عنه زعيم الحزب في كلمته أمام برلمانيي الحزب عبر طرحه لمجموعة من الأسئلة تعبر عن استعصاء هضمه لما وقع له من خيانة من قبل من كان بالأمس يستقوي بهم ويستعرض عضلاته متى سنحت له الفرصة بذلك، لكن ما اعتبره بنكيران وأنصاره طعنات ونيران صديقة، جعله يعدل عن اعتزاله الممارسة الحزبية. كلمة بنكيران الأخيرة تجعل المتتبع للشأن السياسي المغربي يكتشف شخصية بنكيران الدعوية والتأثيرية خصوصا في محاولاته المتكررة لتبرئة الحزب من الجماعة وهذا ما تكرر مرات من قبله، وهذا ما جعله يربط المسؤولية البرلمانية بالمحاسبة الشعبية لاعبا دور الشخصية النصوحة التي لها ارتباط بالشعب كزعيم وليس كرجل دولة. وهذا مالم نعتده في أغلب رؤساء وزعماء الأحزاب الذين يتهافتون على لقب رجل دولة، عوض عبد الاله بنكيران الذي اختار الغوص في بحر البحث عن الزعامة السياسية والشعبية. وهذا ما جلب له العديد من المتاعب سواء على المستوى الداخلي، أو على مستوى علاقاته مع باقي الفرقاء السياسيين من أحزاب ومؤسسات . مما أدى إلى تقزيم دوره ومحاولة شل حيويته الحركية ومحاصرته تفاديا للمزيد من اللقاءات الجماهيرية التي تكسبه القوة بحكم امتلاكه لفن الخطابة التواصلية وقوة إقناعية خارقة قد تسبب المزيد من المتاعب لحكومة زميله سعد الدين العثماني. كما يظهر أن المرحلة الفاصلة بين تشكيل الحكومة والمؤتمر المقبل لحزب العدالة والتنمية ستعرف حوادث سير خصوصا داخل القبة البرلمانية، بعدما وجه عبد الاله بنكيران نوابه نحو المساندة النقدية للحكومة مع المحاسبة. وهو ما سيسمح له برد الصاع صاعين لمن كان بالأمس سنده في قراراته الحزبية، وتخلى عنه بمجرد استوزاره. هذا من جهة، ومن جهة أخرى قد يصبح أنصار بنكيران البرلمانيين بمثابة فرامل لحافلة حكومة زميلهم العثماني، خصوصا فيما يتعلق بمساءلتها ومحاسبتها، مما قد يثير حفيظة الأحزاب المشاركة في التحالف الحكومي ويدفع لمزيد من التشنج فيما بينها، وربما يعصف بهذه الحكومة في سنواتها الأولى. لكن الأمر يبقى مستبعدا وذلك بالرجوع لذكاء عبد الاله بنكيران الذي سينهج سياسة "ضرب أو قيس »، تفاديا لأي انقسام أو بلقنة قد يعرفها حزبه، إذا ما تمادى أنصاره في المزيد من الضغوطات وتضييق الخناق على رفيقهم سعد الدين العثماني رئيس الحكومة. غير أن هذا لا ينفي امتداد وتمدد نيران الصراع الداخلي، والتي قد تتطاير وتصيب باقي التنظيمات الموازية من نقابة وشبيبة ومرأة.... وهذا يجعلنا نقر أن حزب العدالة والتنمية يمر بأزمة داخلية يصعب التكهن بمخرجاتها ونتائجها، وسيكون لها تأثير كبير على المؤتمر الوطني المقبل وعلى السير العادي لاشتغال حكومة سعد الدين العثماني. *باحث في العلوم السياسية