اعتبر إعلاميون ومثقفون في ندوة نظمت اليوم بالرباط، أن فرنسا باعتبارها نموذجا يحتذى به في المغرب والمنطقة المغاربية، والذي استمر لعدة قرون خلت، بات اليوم مهددا بالاندثار بسبب صعود التيارات اليمينة المتطرفة بفرنسا، مشددين على أن فرنسا استطاعت فعلا فرض نموذجها في المنطقة المغاربية بالنظر إلى الإرث السياسي والإقتصادي والثقافي الذي خلفته، بعد الاستقلال، والذي استمر فيما بعد على شكل شراكات. الندوة والتي نظمتها مجلة “موند أفريك” الإلكترونية، تحت عنوان “هل ما زالت فرنسا نموذجا للمغرب والمنطقة المغاربية” بحضور كل من “نيكولا بو”، والصحافي والمنشط عبد الله الترابي، والصحفية والكاتبة بهاء الطرابلسي، وكذا عبد الصمد بنشريف الكاتب الصحفي ومدير قناة المغربية، ومحمد حمودان الكاتب والمؤلف، عرفت نقاشا رزينا هم البحث في العلاقة التاريخية والواقعية ما بين فرنسا ودول المنطقة المغاربية. وفي هذا السياق تساءل “نيكولا بو” في تقديمه للندوة عن “ما إذا كانت فرنسا قد حافظت على مكانتها في كونها نموذجا حقيقيا للمغرب والمنطقة المغاربية، يحتذى به حتى بعد فترة الاستقلال، وهو ذات الإطار الذي تحاول جريدة “موند أفريك” السير فيه لأجل تأسيس علاقة جديدة ما بين المغرب والمنطقة المغاربية وفرنسا، يعكس الترابط التاريخي بين شعوب المنطقة وفرنسا”. عبد الله الترابي والذي سير الندوة حاول بدوره طرح تساؤلات جوهرية على الحضور، مذكرا “بالروابط التاريخية بين المغرب وفرنسا، وانعكاسها على التمازج ما بين شعوب البلدين وهو ما أنتج لنا نخبا مميزة مازالت آثارها الإيجابية تظهر إلى اليوم”. بهاء الطرابلسي، وبصفتها كاتبة وشاعرة تطرقت “للدور الذي يلعبه الكُتاب والشعراء والمؤلفون اليوم، في تلميع صورة فرنسا، على سبيل المثال عبد الله الطايع، وليلى السليماني، مشيرة إلى أن اللغة الفرنسية من بين اللبنات الأساسية في الهوية المغربية، والتي تنبني بدورها وفي أساسها على التنوع والتعدد ما بين الأمازيغية والعبرية والعربية والتي يجب المحافظة عليها”. كما تطرقت الطرابلسي إلى “الدور الذي لعبته فرنسا في تأسيس عناصر الدولة الحديثة في المغرب”، منتقدة “ما تعيشه فرنسا اليوم على المستوى السياسي والإعلامي والاقتصادي والاجتماعي”، قبل أن تذكر “قصة عيشها في وسط عائلي يساري تشبع بمبادئ العلمانية وتميز بالتنوع اللغوي”، حيث اعتبرت أن “الترابط ما بين المغرب وفرنسا مازال يعمل اليوم وفق نموذج متبع، غير أنه يجب أن لا نجعل من فرنسا هذا المقدس الثابت الذي لا يتغير، كما أن دور الإعلام في خلق صورة من الفرجة، ودور اللغة الفرنسية، أساسيان في التأسيس لفكر علماني حر بعد الاستقلال”. من جانبه أوضح المؤلف محمد حمودان، في مداخلته أن “فرنسا لا تعرف اليوم أين تتوجه، بسبب وجود أيديولوجيات ضبابية تتميز بالعتامة، خصوصا وأن فرنسا تعيش في سياق دولي، وهي جزء من الجدلية الكبيرة التي يمر منها العالم”. وانطلق حمودان من “تجربته كونه ينتمي لأسرة فقيرة وكون اللغة الفرنسية مكنته من الانفتاح على مستويات فكرية متعددة”، حيث أشار إلى “فكر الأنوار ودوره ودور ما حملته كتابات رواده في الثقافة والفكر، من أمثال منتيسكيو وفولتير وجون بول سارتر، والذين تمكن من خلالهم من رؤية العالم بشكل مختلف”. ويضيف حمودان أنه “وانطلاقا من عيشه اليوم بفرنسا، فإن الواقع الفرنسي بدأ يعرف تنامي فكر اليمين المتطرف، الذي يستغل هفوات اليسار التاريخية وإحباطات الاتحاد الاشتراكي ليحولها لمصلحته، خصوصا وأن الفكر اليميني ينبني على عنصر المعلومة الكاذبة”، مشيرا إلى أن “فقدان تحليل المعلومة الحقيقية، مكن اليمينين المتطرفين من بناء صورة معينة لنجاحهم وتغلغلهم في المجتمع الأوروبي عامة وفي فرنسا على وجه الخصوص”. مضيفا أن “اليمين المتطرف اليوم ارتكز على مشاكل مجتمعية من قبيل الهجرة، الإسلاموفوبيا، الإرهاب، وهي عناصر مؤسسة لنسق اليمين المتطرف الذي لاقى ولا زال انتشارا واسعا”. أما عبد الصمد بنشريف فقد “اعتبر فهم علاقة النموذج ما بين فرنسا والمغرب والمنطقة المغاربية، يجب أن يبدأ من نسقه التاريخي، خصوصا وأنه ومنذ خمسينيات القرن الماضي لم تعرف فرنسا إصلاحات من أجل خلق دولة جديدة، أو إصلاحات جدرية وعميقة، وهو ما جعل فرنسا اليوم تعيش نوعا من الفرجة”. ويوضح بنشريف أن “الفرجة انتقلت اليوم إلى الانتحار السياسي كما يحدث عند بعض المرشحين للرئاسة الفرنسية”، متسائلا “هل فرنسا الآن تعتبر بالنسبة للمغرب مشكلا أو حلا؟”، موضحا أن فرنسا “انتقلت من كونها نموذجا ومساعدة للمغرب في بناء الدولة الحديثة وهي الحقيقة التاريخية التي لا يجب أن نتنكر لها”. بنشريف استغرب كيف “تتابع الساحة الإعلامية والثقافية المغربية كل الأحداث الفرنسية، في مقابل تجاهل الإعلام الفرنسي لكل ما يحدث بالمغرب والمنطقة المغاربية، وهو ما يمكن إرجاعه إلى كون فرنسا اليوم ما زالت تعيش نوعا من الحنين إلى مرحلة معينة في الحداثة والعلمانية عاشتها سابقا”. كما تساءل بنشريف عن “كيف يمكن اليوم لفرنسا أن تعيش تفاعلا إيجابيا وبناء من الجهتين.. وهو ما لا يمكن أن يكون كذلك، مادام أنه مازالت هناك نظرة نسقية تعتبر الفرق ما بين الشمال الذي تمثله فرنسا، والجنوب الذي تمثله الدول المغاربية وما دونها”.