سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لقاء مع عمر السماولي أستاذ السوسيولوجيا بباريس 5 ومدير مرصد الشيخوخة والهجرة .. أصبح الخطاب السياسي المتطرف بفرنسا يربط مسؤولية مشاكل الفرنسيين بتواجد السكان الأجانب
عمر السماولي هو أحد أكبر المتخصصين بفرنسا في مجال الهجرة وشيخوخة الهجرة أيضا، وله مؤلفات متعددة حول الموضوع أهمها «تقاعد و شيخوخة الهجرة بفرنسا»، كما يترأس مرصد شيخوخة الهجرة بفرنسا ويدرس العلوم السوسيو صحية بالجامعة التابعة لمستشفى سالبيتريير بباريس،وأستاذ السوسيولوجية بجامعة باريس الخامسة p الأستاذ عمر السماولي كيف تفسر هذه الظاهرة التي يعرفها المجتمع الفرنسي وهي تصاعد أفكار اليمين المتطرف خلال الانتخابات الجهوية الأخيرة؟ n اليمين المتطرف وأفكاره بفرنسا لم تكن منتشرة بالشكل الذي هي عليه الآن ،وأنصاره لم تكن لهم القدرة على التصريح والإدلاء بآرائهم السياسية في وسائل الإعلام كما نلاحظ اليوم. باسم حرية التعبير، أصبح الخطاب السياسي المتطرف بفرنسا خطابا عاديا ومبني بشكل واضح على ربط مسؤولية مشاكل الفرنسيين بتواجد السكان الأجانب. ولم يعد هناك تجاوب كما كان سابقا مع الأحزاب الديموقراطية بفرنسا ،وأصبح خطاب اليمين المتطرف المعادي للأجانب هو الذي يجد آذانا صاغية وسط المجتمع وفي مختلف فئاته. هذا الخطاب الذي يدّعي أن جارك الأجنبي هو سبب مشاكلك، رغم أنكما معا في نفس السفينة، أصبح اليوم منتشرا،هو ليس مشروعا سياسيا أو اقتصاديا ،لكن تأثيره على الرأي العام والفئات الوسطى كبير جدا.خاصة أنه خطاب تبسيطي وغير واقعي. في السابق، الخطاب المعادي للأجانب بفرنسا كان على الهامش وغير مقبول من طرف المجتمع، واليوم تغير كل شيء باسم حرية التعبير بل أصبح مدعوما من قبل بعض وسائل الإعلام وله من يمثله بهذه القنوات الإعلامية، بل إن هؤلاء، أصبحوا يعلنون خطابهم هذا بدون أي خوف وهي وضعية خطيرة. p بمعنى أن الخطاب العنصري الذي تتبناه الجبهة الوطنية العنصرية أصبح شيئا مباحا وعاديا، لكن كيف تفسر هذا التجاوب السريع للمجتمع الفرنسي معه، رغم أنه لا يقترح أي مشروع اقتصادي واجتماعي واقعي في برنامجه السياسي؟ n يمكن تفسير ذلك بالظرفية الراهنة، الفرنسي المتوسط يعيش حالة رعب وقلق وخوف، هذه الحالة من هو المسؤول عنها حسب اليمين المتطرف ؟ إنه الأجنبي طبعا، الغريب هو المسؤول. هذه النمطية السيكولوجية للفرنسي المتوسط، قربته من أفكار اليمين المتطرف وخطابه الذي يحمّل المسؤولية للأجنبي ويهدد بترحيله، في حين ان الخطاب السياسي لليسار الديموقراطي وباقي الأحزاب الديموقراطية لم يعد قادرا على بعث الاطمئنان للإنسان العادي. أي أننا في فترة أزمة و هي التي تؤدي إلى الوضعية التي نعيشها اليوم.وفي كل ازمة لا بد من إيجاد مسؤول أو قميص عثمان الذي هو الأجنبي حاليا بفرنسا. نعرف أن المشكل هو الأزمة الاقتصادية التي تعيشها فرنسا وارتفاع البطالة، لكن بدل قول هذه الحقيقة فإن الأجنبي هو الذي يتم تحميله المسؤولية. إذا أخذتَ مثلا منطقة الشمال الفرنسي التي تعيش على وقع الأزمة، فهي منطقة لم يعد فيها عمل لا بالنسبة للفرنسيين ولا بالنسبة للأجانب مند أن أقفِلت مناجم الفحم وصناعات الحديد والنسيج، وأصبحت منطقة منكوبة.وهي المنطقة التي حقق فيها اليمين المتطرف أعلى نسبة للأصوات في الدور الأول من الانتخابات الجهوية. هل يمكننا دائما أن نربط بين تصاعد اليمين المتطرف وتصاعد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمس فئة العمال من خلال المثال الذي ذكرته لمنطقة الشمال الفرنسي، هناك فئات من الطبقات الوسطي والبورجوازية ومتوسطي التجار في الجنوب والشرق تصوت لصالح هذا التيار المتطرف كما أبرزت نتائج الانتخابات الأخيرة ألا يمكننا أن نعتبر مشكل الهوية والخوف من فقدان مكانة فرنسا في العالم أو الحلم بعودة فرنسا إلى الماضي الاستعماري؟ إذا أخذنا معطيات الدور الأول للانتخابات الجهوية سواء بباريس وضاحيتها ، نلاحظ غياب هذه الظاهرة أي ارتفاع اليمين المتطرف في هذه المنطقة الغنية ، في حين أن المناطق الفقيرة مثل «نور باتكالي» بالشمال و»الباكا» بالجنوب الشرقي هي مناطق فقيرة، وبالنسبة لي في تحليلي لهذه الوضعية، إن العامل الاقتصادي مهم في فهم هذه الوضعية. خطاب اليمين المتطرف يركز على ثلاثة أشياء، السكن،التعويض عن فقدان العمل،التركيز على خطاب الهُوية والانتماء الديني والقومي الى ثقافية معينة. وحول هذه النقط، يقوم بخطاب شعبوي ويقول إن المهاجر هو الذي يأخذ سكن الفرنسي ويأخذ التعويضات عن البطالة، بالإضافة إلى قضية الانتماء الديني والثقافي، وهي كلها عناصر يستعملها هذا الخطاب بالإضافة إلى الهجوم على مؤسسات الاتحاد الأوربي واعتبارها مسؤولة عن وضعية الفرنسيين في حالة الهشاشة.واللعب على النزعة الشوفينية والسيادية. p لكن النزعة السيادية بفرنسا هي نزعة لا تقتصر على اليمين المتطرف بل تشمل الأحزاب الأساسية و الكلاسيكية سواء الحزب الاشتراكي الحاكم أو اليمين الجمهوري، هي أحزاب سيادية أيضا،وهي ضد الاندماج الكامل بأوربا و الاندماج الفدرالي كما تطالب ألمانيا؟ n الأحزاب الكلاسيكية الديموقراطية لا تلعب في نظري هذه النزعة السيادية وقضية الهوية بل اليمين المتطرف هو الذي يلعب عليها بقوة، ويقول لا بد من تقرير في سيادتنا ومواقفنا وهويتنا. والقرارات الاقتصادية والسياسية لا بد أن تبقى حصريا بباريس ولا يمكن إعطاؤها لبروكسيل حسب نفس الحزب. p باعتبارك مختص في قضايا المهاجرين وقضايا شيخوخة الهجرة أيضا ، كيف تلقى هؤلاء المهاجرون هذا الخطاب العنصري الذي أمطرهم به اليمين المتشدد ووسائل الإعلام التي تردد هذا الخطاب بكثافة؟ n المهاجر لم تعد له اي مكانة بهذا البلد، حتى الأحزاب الديموقراطية الفرنسية التي كانت تتعاطف معه وتدافع عن حقوقه تخلت عنه هي الأخرى، ولا تعترف بالدور الذي لعبه المهاجرون في تاريخ هذا البلد سواء البعيد أو القريب وذلك تحت ضغط انتشار أفكار التطرف وسط المجتمع الفرنسي والأفكار المعادية للهجرة بصفة عامة. في هذه الظروف، الجميع يتخوف مما سوف يأتي به الغد، وهو ما يعني التخوف وسط المهاجرين والفرنسيين من أصول مهاجرة. رغم أن أفكار هذا الحزب غير قابلة للتنفيذ، كيف يمكن رمي مئات الآلاف من المهاجرين وأبنائهم الذي ولدوا بهذا البلد، ويحملون جنسيته ولهم شرعية الإقامة والانتماء إليه حيث لم يعرفوا بلدا غيره في حياتهم. بفعل هذا الوضع الجديد وهو تصاعد اليمين المتطرف،عدد كبير من المقيمين يقومون بتقييم لمشروعهم الشخصي للهجرة،ولماذا الإقامة بهذا البلد المضيف و التفكير في العودة إلى البلد الأصلي.هذه كلها أسئلة تطرح اليوم سواء في الأسر أو في اللقاءات بين هؤلاء المهاجرين. هناك تخوف مما سوف يأتي به الغد وهناك الحقد، والناس في ظل هذه الظروف تعيد حساباتها. ولا بد لدول الأصل أن تأخذ هذا الوضع بعين الاعتبار والعديد من الناس تعيد النظر في كل هذا المسار الذي قطعته بهذا البلد.وما هو دور البلد الأصل على إعادة استقبالهم في حالة حصول أي مشكل. p وحتى في حالة فوز اليمين المتطرف وتسييره للبلاد، هل تعتقد أنه قادر على تطبيق ما يردد اليوم ويعزل فرنسا عن بقية العالم، خاصة أنها بلد منفتح وكون ثروته في تصدير صناعته، فلاحته و خبرته في كل المجالات بالإضافة الى كونه البلد السياحي الأول بالعالم؟ n بل يمكنني أن أضيف، حسب الإحصاءات الرسمية، فرنسا مازالت في حاجة إلى اليد العاملة، كما أن أغلب البلدان الأوربية،وإذا نظرنا إلى ديموغرافيتها، ولا يتم الحديث كثيرا عن ذلك، لازالت في أمَسّ الحاجة إلى اليد العاملة. طبعا الجميع يتحدث عن الأزمة الاقتصادية وآثارها، ويتحدث عن البطالة، لكن الواقع شيء أخر، فرنسا في حاجة اليوم إلى اليد العاملة، ألمانيا في حاجة إلى اليد العاملة، ولا خيار لها سوى استقطاب المزيد منها، من أجل استمرار عمل اقتصادها. هناك بعض الفئات التي تستهلك الخدمات الاجتماعية دون أن تنتج، وهي الفئة التي ينظر إليها بطريقة سلبية،وينظر لها كعبء على المجتمع، لا من طرف الديمواقراطيين أو غير الديموقراطيين. والكل يرغب في استيراد يد عاملة جاهزة وصالحة للعمل. رغم خطاب الكراهية للهجرة الذي يردده اليمين المتطرف.