بلاغ للديوان الملكي حول ترؤس الملك محمد السادس لجلسة عمل خُصصت لموضوع مُراجعة مدونة الأسرة            الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    أخبار الساحة    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة        تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام والجمهورية الفرنسية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 03 - 04 - 2015

عادت قضية تنظيم الإسلام لتطفو على السطح من جديد بعد العمليات الإرهابية التي شهدتها باريس في شهر يناير الماضي، كما أن الإسلام أصبح موضوع جدل بين الأحزاب السياسية الفرنسية، بين من يعتبر أن الإسلام يتوافق مع قيم الجمهورية الفرنسية والديموقراطية وبين من استغل هذه الوضعية ليشن هجوما على الإسلام ومسلمي فرنسا، واعتبر أن لا مكان لهم داخل الجمهورية، سواء اليمين المتطرف أو جزء كبير من اليمين وكذلك جزء من اليسار الفرنسي . صورة الإسلام أصبحت في الإعلام الفرنسي والغربي لصيقة ببؤر التوتر بسوريا، العراق، ليبيا واليمن. بل إن استقطاب الشباب الفرنسيين في اتجاه هذه المناطق سواء من أصول مسلمة أو غير مسلمة جعل فرنسا تعيش حالة خوف وتأهب من نتائج هذا الاستقطاب على أمنها القومي وإمكانية حدوث عمليات داخل ترابها يقوم بها إرهابيون فرنسيون وليسوا قادمين من الخارج، وهو ما حدث مع الأخوان كواشي، بالإضافة إلى كوليبالي وميراح. هذه الوضعية أيضا زادت من خوف الفرنسيين من الإسلام نتيجة أحكام قيمية متراكمة منذ الفترة الكولونيالية، وأحكام قيمة التي يتداولها السياسيون والإعلاميون سواء بفعل الكسل أو سوء النية.
من نتائج هذا الوضعية المضطربة والمليئة بأحكام قيمية هو تضاعف الاعتداءات ضد الأقلية المسلمة بفرنسا، الاعتداءات التي تعرض لها المسلمون أو فضاءات عبادتهم والتي تضاعفت بشكل مخيف، خلال أسبوعيين فقط، بعد الأحداث، تم تسجيل نفس عدد الاعتداءات التي شهدتها فرنسا خلال كل سنة 2014 حسب المرصد الوطني لمحاربة العداء للإسلام. (وهذه الإحصاءات تخص فقط من تقدموا بتسجيل شكاية لدى الشرطة) أحد هذه الاعتداءات أدت في آخر شهر يناير الماضي إلى قتل مواطن مغربي جنوب فرنسا ونجت زوجته وطفله بأعجوبة من الجاني.هذه الأخبار السيئة لم تعطها وسائل الإعلام الفرنسية أهمية كبرى. لكنها مؤشر على ما يعيشه المجتمع الفرنسي تجاه الإسلام والمسلمين بفرنسا. وتيرة الاعتداءات مازالت مرتفعة في انتظار صدور تقرير جديد للمرصد الفرنسي.
هذه الوضعية المخيفة جعلت الجالية المغاربية والمسلمة بصفة عامة تمر بمرحلة جد حساسة وصعبة بفرنسا بعد العمليات الإرهابية الأخيرة التي أودت بحياة 17 شخصا منهم 8 صحافيون بباريس. وهي عمليات نوعية استهدفت الإعلام على الخصوص من خلال اغتيال صحفيي أسبوعية شارلي.
مسلمو فرنسا أو دو الثقافة الإسلامية كانوا أول ضحية لهذه الهجمات، ووجهت أصابع الاتهام إليهم بعد هذه العمليات. لأن العمليات الإرهابية التي تمت من طرف الأخوين كواشي وكوليبالي تمت" من أجل الانتقام للإسلام ونبيه" حسب تصريحاتهم مباشرة بعد قيامهم بعملهم الشنيع بطلب من القاعدة باليمن وداعش بالعراق.
المسلمون بفرنسا والذين يقدر عدهم بحوالي 5 ملايين يتشكلون أساسا من المغاربة، الجزائريون والأفارقة من جنوب الصحراء، بالإضافة إلى أقليات من مختلف البلدان العربية سواء من تونس، مصر، لبنان ، سوريا وموريتانيا. هذه الأغلبية الصامتة، والتي تعيش بدون مشاكل داخل المجتمع الفرنسي تجد نفسها بين نارين، نار المتطرفين المحسوبين على الإسلام والذين تم استقطابهم من طرف الحركات الجهادية المتطرفة، وبين نار الحركات العنصرية المناهضة للأجانب والمسلمين بفرنسا والتي يتزعمها حزب اليمين المتطرف العنصري، الذي حصل على الرتبة الأولى في الانتخابات الأوربية الأخيرة، متقدما على الحزب الاشتراكي الحاكم وعلى الاتحاد من أجل حركة شعبية، وهو أكبر حزب معارض يتزعمه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي. كما أحرز تقدما كبيرا في الانتخابات الإقليمية الأخيرة.
هذه الحركات العنصرية والمناهضة للأجانب أصبح لها صوت وسط وسائل الإعلام الفرنسية. صحفيون وكتاب وفلاسفة معروفون بعدائهم للأجانب والإسلام ، يخصص لهم الإعلام الفرنسي حيزا هاما في مختلف وسائله مثل إيريك زمور صاحب كتاب "الانتحار الفرنسي" وميشيل ويلبيك المعروف بمعاداته للإسلام والذي خصص روايتة " الاستسلام" ، حيث يتصور في نصه أن رئيسا إسلاميا محافظا ينجح في الانتخابات الرئاسية لسنة 2022، بالإضافة إلى فينكيل كروت الذي يعتبر أبناء المسلمين هم سبب كل مشاكل فرنسا، بل يهددون هويتها المسيحية اليهودية، والصحفي فيليب تيسون الذي اعتبر الإسلام بفرنسا سبب كل المشاكل. وتصريحاتهم العنصرية الواضحة والمباشرة جعلت بعض وسائل الإعلام تطردهم لتستقطبهم وسائل أخرى لما تحققه أفكارهم الشعبوية وشتمهم للمسلمين من نجاح إعلامي كبير وسط الرأي العام الفرنسي.
تنظيم الإسلام هو أيضا من التحديات الكبرى التي تواجه الحكومة الفرنسية، فهي تريد إسلاما فرنسيا يمثل مختلف توجهات هذه الديانة التي تمس حوالي 5 ملايين مواطن فرنسي بين أقلية تمارس وأغلبية تعلن انتماءها إلى هذه الثقافة، لكنه في نفس الوقت الحكومة عاجزة عن طرح سياسة عمومية في هذا المجال، باستثناء المجال الأمني، الاستخباراتي الذي رصدت له إمكانيات كبيرة، فان جانب التكوين الديني والتأطير وبناء فضاءات عبادة تليق بفرنسا هو تحدي كبير، لأن قانون 1904 لفصل الدين عن الدولة يمنع على الدولة التدخل في هذا المجال خاصة جانب التمويل، ويجعل خطاب الحكومة غير فعال، ويدفع الإسلام الفرنسي يعتمد في تمويله على قدراته الذاتية الضعيفة وكذلك على الخارج سواء في بناء أماكن العبادة أو التكوين.
لهذا، بدون تغيير القوانين المنظمة لعلاقة الجمهورية بالدين لا يمكن لفرنسا التوفر على سياسة متناسقة في هذا المجال، لكن قوة اليمين المتطرف واليمين بصفة عامة بفرنسا تجعل الحكومة عاجزة عن الدخول في هذا المجال والمطالبة بتغيير هذا القانون الأساسي بفرنسا. وهو ما يجعل أزمة الإسلام بفرنسا مستمرة واكتفاء السلطات الفرنسية بالخطاب لعدم قدرتها على التدخل. ويستمر المجلس الفرنسي لديانة الإسلامية مشلولا، رغم أن الحكومة الاشتراكية وحلفاءها أعلنت عن التفكير في صيغة جديدة لتنظيم الإسلام لم تر النور بعد.
موقف الإعلام الفرنسي أيضا يعود إلى الجهل أيضا وعدم قدرة عدد كبير من الصحفيين الفرنسيين على فهم ظاهرة الإسلام والتحولات التي يعرفها، وهو ما عكسته عدة مقالات مختصة حول ذلك، الباحثة نادية المرزوقي من مركز الوطني للبحث بباريس تعتبر أن أغلب وسائل الإعلام الفرنسية والسياسيين يعطون أحكاما وانطباعات حول مسلمي فرنسا ويعتبرونهم ممزقين ما بين قيم الجمهورية و الهوية الدينية، وهو تحليل غير صحيح حسب هذه الباحثة الجامعية، واعتبرت هي الأخرى أنه من بين التساؤلات الكثيرة التي طرحت بفرنسا بعد عمليات يناير الماضي هو عدم تلاؤم الإسلام مع الديموقراطية والتي برزت على الواجهة الإعلامية. وحسب نفس الباحثة، فإن هذه الأحكام الجاهزة أصبحت تتعب الباحثين المختصين في الإسلام بفرنسا، خاصة أن العديد من الأبحاث منذ 1990 أبرزت عدم وجاهة أسئلة من قبيل " هل يمكن إصلاح الإسلام"، أو " الإسلام ملائم مع الجمهورية..." على اعتبار أن الإسلام والمسلمين متجذرون بالجمهورية ولهم عدة أجيال ازدادت فوق التراب الفرنسي، في حين يتحدث عنهم البعض كمن وصولوا في العقد الأخير.
عوامل الخوف
من الإسلام بأوربا
العداء للإسلام والمهاجرين هي ظاهرة لم تعد تقتصر على فرنسا بل كل أوربا بسبب الشيخوخة والخوف من الآخر، وضعف الأداء الاقتصادي وتنامي عوامل التهديد الخارجي واقتراب بؤر التوتر من أوروبا، بالإضافة إلى الصعوبة الكبيرة التي تجدها فرنسا للخروج من الانكماش الاقتصادي الذي دخلت فيه وباقي أوروبا منذ 2008 ولم تستطع مغادرته حتى الآن، حيث مازال البطالة تمس 10 في المائة من عدد السكان، ونسبت نمو أقل من نصف نقطة.
هذه العوامل الاقتصادية والسياسية التي تعيشها أوروبا تضاف إليها مشكلة الهوية بفرنسا والخوف من الآخر الذي يمثله الأجنبي والإسلام بصفة خاصة، حيث أصبح عدد كبير من الأوربيين يعتقدون قرب اصطدام الحضارات الذي تنبأ به الكاتب الأمريكي سامويل هنينغتون سنة 1996.
تعيش أوروبا وفرنسا أوضاع الخوف والقلق ، تساهم فيها هوامش الفقر الكبيرة التي تعرفها ضواحي المدن الفرنسية، والتي تم بها وضع وتجميع كل السكان ذوي المشاكل الاجتماعية المعقدة خاصة من المهاجرين وأبنائهم، حيث تصل نسبة البطالة في هذه الهوامش الى 25 في المائة حسب مختلف الإحصائيات الرسمية، وهو ما جعل الوزير الأول مانييل فالس يتحدث عن "الابرتايد الترابي" حيث أن العديد من هوامش المدن تعيش الفقر والبطالة وانعدام كل البنيات الأساسية والضرورية المتوفرة بمختلف المدن الفرنسية. وهي ما يجعل شبابها معرض للإجرام والمخدرات والتطرف بكل أنواعه. هذه الظاهر التي تمس على الخصوص أبناء المهاجرين والأجانب وهم الأكثر هشاشة : أغلبهم لم يتمكن من إتمام دراسته وليس له تكوين مهني ملائم، بالإضافة الى مشاكل الهوية الثقافية والعلاقة المعقدة بالثقافة الأصلية أو ثقافة بلد الاستقبال، وهو وضع يؤذي في أغلب الأحيان إلى الاصطدام بمجتمع الاستقبال. مشاكل "الأحياء وضواحي المدن، كما تسمى بفرنسا، تتراكم منذ عدة سنوات، ومنذ ثلاثين سنة يتم التطرق لها في مختلف الحملات الإنتخابية وقد سبق للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أن وعد " بمخطط مارشال فرنسي " لهذه الأحياء، وكان وعده مجرد وعد انتخابي لم يرى النور، لكن كل هذه الوعود تبخرت سواء التي قدمها اليمين أو اليسار.
اليوم من السهل توجيه الاتهام إلى الأجانب والمسلمين حول الأوضاع بفرنسا، سواء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية أو التهديد الإرهابي الذي أصبح داخليا، حيث تحدث وزير الداخلية الفرنسي بيرنار كازنوف عن وجود 3000 شخص يجب مراقبتهم بفرنسا، أي الأشخاص المرشحين للقيام بعمليات إرهابية، سواء الذي سافروا إلى بؤر التوتر مثل أفغانستان، باكستان، العراق، سوريا واليمن أو الذين تم استقطابهم من طرف الحركات المتطرفة عن طريق الشبكات الاجتماعية ومواقع الانترنيت. وقد خصصت فرنسا بعد العمليات الإرهابية إمكانيات كبيرة لمواجهة التهديد الإرهابي الذي أصبح يقوم به أبناؤها من الداخل، وهو ما حدث مع محمد ميراح، امادي كوبالي والأخوين كواشي، باعتبارهم كبروا وترعرعوا بفرنسا، ودرسوا بمدارس الجمهورية الفرنسية ومؤسساتها قبل أن يسقطوا في براثين الإرهاب. بل إن التهديد أصبح يمس حتى الفرنسيين الملتحقين بالإسلام.
اتخذت فرنسا العديد من الإجراءات الأمنية والقانونية لمواجهة الإرهاب، لكن ذلك غير كافي حسب العديد من الخبراء في هذه الظاهرة مثل اوليفيي لوروا، والذي يرى أنه لا بد من حلول داخل الإسلام الفرنسي، الذي يعيش صعوبات كبيرة سواء في التنظيم أو في إيجاد أئمة عارفين بالمجتمع الفرنسي ومؤسساته بدل الوضع الحالي، حيث لا توجد في بعض المدن مساجد بكل لما لهذه الكلمة من معنى، وهو ما يجعل العديد من مسلمي الفرنسيين يشعرون بالحكرة والتهميش من طرف مجتمعهم، وهو ما يسهل عمليات الاستقطاب التي تقوم بها بعض الحركات الإرهابية. وعلى فرنسا وضع إمكانات رهن إشارتهم سواء في الحصول على أماكن للعبادة لائقة أو من خلال تكوين الأئمة بالجامعات أو في معاهد خاصة لخلق جيل من رجال الدين المسلمين بفرنسا. لأن المقاربة الأمنية لوحدها لن تحل مشاكل فرنسا مع التطرف، خاصة أن الاستقطاب أصبح يتم خارج المساجد حسب محمد الموساوي، وهو رئيس اتحاد مساجد فرنسا، وهي أكبر منظمة للمسلمين بفرنسا. وأضاف أن كل المتهمين بالإرهاب ليست لهم علاقة بالمساجد، لهذا لا يمكننا تحميل المساجد بفرنسا مسؤولية المرور نحو الإرهاب والتطرف.
عدم المساواة بين الأقليات بفرنسا هي من أكبر القضايا التي تقض مضجع الجمهورية، هناك الأقلية اليهودية التي تتوفر على حماية كبيرة فيما يخص عدم المس بذاكرتها وبمقدساتها، في حين يمكن للجميع أن يتعرض إلى المسلمين ومقدساتهم، بالإضافة الى عدم إفساح الفرصة لهم في الإعلام العمومي من أجل التعبير عن آرائهم، كما يتم الأمر بالنسبة لباقي الأقليات. هذا هو الشعور الذي تحس به الأقلية المسلمة بفرنسا، والذي يتم التعبير عنه يوميا في المواقع الاجتماعية وعبر الانترنيت. وعدد كبير منهم يبرر عدم حضوره في مسيرة ضد الإرهاب والتضامن مع شارلي بسبب حضور وزير الأول لإسرائيل المتهم بجرائم حرب والذي يبدو أن فرض نفسه على المسؤولين الفرنسيين في هذه التظاهرة.
مسلمو فرنسا أيضا عليهم القيام بمجهود من أجل قبول العيش وسط المجتمع الفرنسي كأقلية دينية، عليها احترام التعدد الذي يعرفه المجتمع الفرنسي والمؤسسات اللائكية، في مجتمع لائكي حيث أن الدولة تضمن حقوق الجميع في اختيار معتقداتهم، لكن دون إبرازها في الأماكن العمومية. وضرورة التعامل مع فرنسا كبلدهم، حيث توجد عائلاتهم وأماكن عبادتهم. يقول خليل مرون، وهو عميد مسجد إفري بالضاحية الباريسية والذي يشرف على أحد أكبر مساجد فرنسا " علينا كمسلمين فرنسيين الدعاء مع فرنسا في صلواتنا، إذا أصاب الخير فرنسا يصيبنا نحن أيضا، وإذا أصابها الشر يصيبنا كذلك، ففرنسا هي بلدنا وكل ما يضرنا يضر بها كذلك. والضربات الإرهابية التي أصابتها كنا أول المتضررين منها ". "فرنسا اليوم يوجد بها أولادنا وأماكن عبادتنا. فهي بلدنا".يقول عميد إفري.
بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة مسلمو فرنسا وجدوا أنفسهم في وضعية صعبة، وهي الخوف من المستقبل الذي عبر عنه العديد منهم، هذا الخوف برز منذ تظاهرة 11 يناير 2015 للتنديد بالإرهاب والتي لم يشارك فيها عدد كبير منهم. هذا الخوف أيضا على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم كرسه التصاعد الكبير للأعمال المعادية للإسلام، والتي ارتفعت بشكل مهول لم يكن لها سابق في فرنسا، فما تم تسجيله فقط في أسبوعين في شهر يناير لهذه السنة، هو ما يتم تسجيله خلال سنة كاملة وصلت إلى 128 حالة اعتداء منها 33 اعتداء على المساجد و95 اعتداء على فرنسيين من أصول مسلمة، وذلك حسب المرصد الوطني لمحاربة العداء للإسلام. ومن أجل احتواء هذا العنف ضد المسلمين، قال الرئيس الفرنسي في افتتاح إحدى الندوات في معهد العالم العربي الأسبوع الأخير "حربنا هي ليست ضد الإسلام، بل ضد الإرهاب" ليذكر كذلك" أن أغلب ضحايا الإرهاب هم من المسلمين".
المسلمون بفرنسا لهم عدة واجهات وجبهات من أجل مستقبلهم اليوم، الواجهة الأولى هي مواجهة التطرف الذي يهدد أبناءهم، هذا التطرف الذي يصيب الشباب سواء بالسجون أو عبر الانترنيت، في غياب دور المساجد غير المتواجدة بالشكل الكافي بفرنسا ودور الجيل الأول في نقل ثقافته. وذلك من أجل إنقاذ شبابهم ضحية هذا التطرف.
عليهم أيضا فتح واجهة ضد العنصريين والفاشيين رغم قلتهم ينسبون كل مشاكل المجتمع الفرنسي إلى الأجانب من إجرام وتطرف، هذه المواجهة هي بعيدة المدى عبر التعليم والتربية ومحاربة الجهل وفهم تاريخ فرنسا من أجل مواجهة هذه الفئات داخل المجتمع الفرنسي.
الواجهة الأخرى بمجتمع ديمقراطي هو المشاركة في الحياة السياسية سواء من خلال الانتماء الى الأحزاب السياسية والانخراط داخلها بمختلف توجهاتها،وكذلك بالمجتمع المدني، من أجل الدفاع عن حقوقهم في المواطنة والتعريف بثقافتهم ومواجهة التطرف.
الدفاع عن ممارسة دينية للإسلام تتلاءم مع مجتمع جمهوري ولائكي يضم تعددا في الأقليات الدينية مع هيمنة أغلبية مسيحية من أجل العيش في تناغم ووئام مع الأغلبية واحترام كل الأقليات الدينية وغير الدينية.
أوروبا وفرنسا أصبح الوضع بهما مخيفا وصعبا، وتزايدت الحركات العنصرية الفاشية بشكل يذكر بوضع عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، والذي ساعد على وصول أنظمة للحكم فاشية ونازية عبر الانتخابات، وهو وضع يهدد أوروبا اليوم باكتساح الحكم من طرف أحزاب فاشية وعنصرية، لكن في نفس الوقت، هناك وجه آخر للهجرة بأوروبا أكثر إيجابية، أصبح المهاجرون وأبناؤهم اليوم جزءا من المجتمع الأوروبي، رغم كل المشاكل، وأصبح بعضهم برلمانيون، ووزراء وأطر عليا وعمداء لأكبر المدن الأوروبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.