n بعد "التقرير الإخباري" الذي تم تسليمه إلى الجمعية الوطنية الفرنسية" البرلمان" حول أوضاع المهاجرين الشيوخ بفرنسا، ماذا تغير بوضعيتهم منذ ذلك التاريخ؟ أم أن نفس المشاكل مستمرة أمام تجاهل السياسيين لوضعية هؤلاء المهاجرين؟ p في معالجة هذه الإشكالية أعتقد أننا باستمرار ضحية الحماس الكبير الذي نتعامل به، ونعتقد أنه يكفي إعداد تقرير أو حملة عبر وسائل الأعلام لينتهي المشكل. المهم أن هذا التقرير تم إنجازه، وسوف تتم الإحالة إليه لفترة طويلة، لكن دون أن تكون له أية إضافة حول تغيير وضعية الشيوخ المهاجرين بفرنسا. ومن أجل الذاكرة، فقد فقدنا "خارطة الطريق" التي تم وضعها بعد صدور هذا التقرير، والذي كان واعدا من خلال التوصيات التي تضمنها، لكنه اختفى دون أن يتم تحقيقها. والأمر يمس قرارات أخرى مثل نشر القرار الإداري حول مساعدة الإدماج الاجتماعي والعائلي، والتي كانت الحد الذي يمكن أن يتحقق، والورش الكبير من أجل إصلاح هذه المساكن التي تأوي "معذبو الشيخوخة" والذين يسكنون فيها في حالة تثير السخط. n ماذا يمكن للبلدان الأصلية لهؤلاء الشيوخ مثل المغرب أن تفعل من أجل تحسين وضعيتهم؟ p علينا أولا أن نحدد أمرا أساسيا، وهو أن هذا المشكل لا يخص البلد الأصلي المغرب، بل أولا بلد الاستقبال فرنسا. فبفرنسا اشتعل هؤلاء ، وبفرنسا أفنوا وأضاعوا صحتهم وعمرهم، وهو ما يعني أن حقوقهم توجد بفرنسا. وبعد قول ذلك، فإننا لا يمكننا أن نقول إن البلد الأصلي المغرب ليست له أية مسؤولية، خاصة أن هذه الهجرة هي هجرة عمل، ووصلت الى فرنسا في إطار اتفاق تبادل اليد العاملة بين البلدين. وبشكل منطقي، على بلد الاستقبال أن يوفر لهم كل الشروط اللازمة اعترافا بعملهم، في مقدمتها ولوج عادل الى كل المصالح سواء في إطار الاستقبال الجيد والاعتراف بعملهم. مسؤولية ومساعدة المغرب لهم يجب أن تتبلور في حفظ حقوقهم ومصالحهم والقيام بعمليات مواكبة لهم في حياتهم اليومية ولتخفيف عن معاناة الغربة وكذلك الحفاظ على ارتباطهم ببلدهم الأصلي وظروف إقامتهم به وعودتهم. اليوم لا يمكننا أن نتحدث عن مشروع للهجرة، لقد أصبح متجاوزا مع التحولات الكبيرة على المستوى الاجتماعي التي عرفتها الهجرة، والتي ترجمت بالتحول الاجتماعي من خلال التجمع العائلي، من خلال الاستقرار الطويل للعائلات وازدياد عدد كبير من الأطفال الذين لهم اليوم شرعية المطالبة بحقهم في بلد الازدياد وبالجذور التي تربطهم بالبلد الأصلي وبآبائهم. n عمر السمولي، كل أبحاثك الجامعية كرستها في قضية شيخوخة الهجرة، لماذا الاهتمام بهذا المجال الذي لا تخصص له تمويلات للبحث ولا تهتم به السلطات العمومية بفرنسا؟ p إذا كان في بعض المجالات وبعض التخصصات نوع من الصدفة هي التي تقود التفكير والاشتغال الجامعي على موضوع ما، لكن اختياري جاء في مفترق بين التربية، ثقافة والتزام المواطنة. الهجرة لم تكن مآل بحث "جد نبيل" بالنسبة للمثقفين، وعالم البحث العلمي. وكان هذا المجال يوجد على هامش البحث إلا في اللحظات التي كانت فيها قضية الهجرة في احد أوجهها قضية من القضايا السياسية الساخنة، خاصة فيما يخص قضايا الشباب، الاندماج.. ولا أعرف ماذا. لكن الكهول كما هم، النساء أو الشيوخ، لم تعط لهم المكانة التي يستحقونها. وهذا يطرح علي مشكلا لا بد من معرفته، هل التحليل الفكري يجب أن ترتبط نتائجه بالضرورة بالانعكاس السياسي السريع؟ أم أن التحليل الفكري هو وسيلة تساهم في توجيه السياسة العمومية، وذلك من خلال وضع إضاءات وجيهة رهن إشارة أصحاب القرار. وإلى جانب ذلك، نعرف ما كان يشبه متنفسا سياسيا، وذلك من خلال طلبات عروض لدراسات حول الهجرة نادرا ما كان يتم تحقيقها. ويمكننا أن نضيف التقرير الذي يتكون من حوالي 600 صفحة الذي قامت به اللجنة البرلمانية، وكل ما قدمته الحكومة الفرنسية من جواب على ذلك هو تسهيل الحصول على الجنسية لهذه الفئة من السكان. وسبق لي التعبير عن رأيي حول هذا الحل غير الملائم، وذلك لعدة اعتبارات: في أجواء يعتبر فيها المهاجر ( وذلك أمر خاطئ) كمشكل كبير بالمجتمع الفرنسي. هذا الإجراء يمكن أن ينظر له من طرف المجتمع الفرنسي كتجنيس انتهازي من أجل مصلحة مالية. والأمر جد مثير في نفس الوقت، عندما نشرح أنه إذا أردنا أن نكون فرنسيين لا بد من إرادة لذلك، وفجأة نغير قانون اللعبة. وليس في هذا السن المتقدم، تكون لهؤلاء الناس القدرة على تحمل التعقيدات والإجراءات الإدارية، والإدارة لها السر من أجل الحصول على حقوقهم الشرعية والعادلة. لقد سمعنا في الأخبار مؤخرا مثال على الخدمات التي تقدم لهؤلاء الشيوخ والقدرة على نقلها خارج فرنسا، يعني إلى المغرب: وذلك بمناسبة الاجتماع العالي المستوى بباريس بين الحكومة المغربية والحكومة الفرنسية. لا أعرف عن أية دراسة أو أي معطيات متوفرة تم القول إن المغاربة المتقاعدين بفرنسا يرغبون في الدخول بشكل نهائي الى المغرب لقضاء تقاعدهم. وهذه ليست هي رغبة هؤلاء المتقاعدين المغاربة، وهذا ليس لعدم حبهم لبلدهم المغرب، بل لأن حياتهم أصبحت اليوم بفرنسا. هل عمال المناجم شمال فرنسا الذين ناضلوا طوال حياتهم من أجل الحصول على منازل العمل، هل يرغبون في العودة والاستقرار بشكل نهائي بالمغرب؟ يمكننا القول إن رفض أغلبية المهاجرين لبطاقة الإقامة "للمتقاعد " والتي تمس بحقوقهم الاجتماعية، خاصة التغطية الصحية، هو مؤشر على أن هؤلاء الناس ليست لهم الرغبة في المغادرة النهائية لفرنسا. والطلب الوحيد الواضح في نبرتهم هو رغبتهم في دفن جثمانهم بالمغرب. ما يريده هؤلاء المهاجرون حقيقة في شيخوختهم هو الحق في التحرك بحرية، والاستقرار أينما يريدون بدون شروط وأن ترافقهم مكتسباتهم الاجتماعية وترتبط بشخصهم وليس بمكان إقامتهم. ويمكننا التساؤل أيضا، هل نتوفر في المغرب على اللوجيستيك السوسيو- صحي من أجل أن نتكفل بهؤلاء الشيوخ. وليس لنا في المغرب سياسة حقيقية موجهة إلى هذا الفئة من السكان. ومند سنوات وأمام المعطيات التي نشرتها المندوبية السامية للتخطيط والإحصاء. ( دراسة حول الأشخاص المسنين معطيات إحصائية)، ركزنا على أهمية اهتمام السياسات العمومية، التعليم والتكوين بمميزات دراسة الشيخوخة المستعملة في كل المجتمعات التي تريد مواجهة الشيخوخة بمجتمعاتها والتي تريد أن تعطي لنفسها إمكانية مواكبة هذه الشيخوخة في أحسن الظروف. n هل هناك علاقة بين الظروف الصعبة التي عاشها "الشبانيون " على سلوكات الشباب المنحدر من الهجرة؟ p بدون شك،علينا أن نحذر من عدم الاهتمام، وهذه التعقيدات التي تعرض لها هؤلاء الشيوخ، وأن تعود كاتهامات بالإهمال من طرف الشباب. وخلال مدة 30 سنة كيف تملك هؤلاء الشباب إشكالية الشيوخ كمدخل وكمعركة أولية، معركة من أجل العدالة، ومن أجل الإنصاف، من أجل آبائهم وكل الشيوخ الذين عانوا في حياتهم. يكون تعاطف الشباب معهم أكبر ووعي لما تعرضوا له آباؤهم أو أجدادهم. أمر مثير للجدل ومفهوم في نفس الوقت: كلما تحرر الشيوخ وتحدثوا عن حياتهم وعن معاناتهم، واللاعدالة التي تعرضوا لها.. يكون تعاطف الشباب أكبر معهم، وهو نوع من الوعي المؤلم والشقي حول ما تعرض له آباؤهم أو أجدادهم الشيوخ. n هل قمت بدارسة حول هذه الظاهرة الجديدة، وهي شيخوخة النساء المهاجرات، خاصة حياة العزلة التي تعتبر الأكثر تعقيدا من نظرائهم الرجال؟ p كانت لي الفرصة في مناسبة متعددة لتعبير عن هذه الظاهرة التي ستصبح أحد أهم الإشكالات في السنوات المقبلة. المرور إلى التقاعد وشيخوخة النساء المهاجرات وتسليط الضوء على ظاهرة غير معروفة، فليس لهن ما يفاوضن من أجله، وضعيتهن في مجتمع الاستقبال مرتبطة بوضعية التجمع العائلي ومرتبطة بوضعية وحقوق أزواجهن. يمكننا أن نقول إن شروط التواجد هذه، دون شرعية العمل التي تعتبر أساسية في تواجد المهاجرين، كانت عائقا اجتماعيا في مسار العديد من النساء المهاجرات. بالإضافة إلى ذلك، وفي خضم هذا النسيان لحياة هؤلاء النساء في الهجرة، أسباب متعددة يمكننا أن نلخصها فيما يلي: -الموضوع غير محفز، لأنه يبتعد عن ما هو متعارف عليه، من هو المهاجر، وبسبب أقوى من هو العامل المهاجر وينتسب الى هجرة العمل. -وضع النساء في الفضاء المنزلي، يجعل منهن "سجينات" الفضاء العائلي، وهو ما يكون من الصعب مناقشة هذا الموضوع في قوانين الهجرة أو حول الهجرة، وضع النساء لمدة طويلة تحت "وصاية "أزواجهن وأصحاب الجميل عليهن. واللواتي عليهن أن يكن ممتنات لذلك حتى في وجودهن الإداري بفرنسا. - مقاربة النساء ووضعية النساء استفادت من تحرك عدد من النساء الباحثات بالميدان في هذا الموضوع. وقد أشرت إلى محدودية والصعوبات التي تعترض المقابلات التي أقوم بها. مع النساء وخاصة الجيل الأول من هؤلاء النساء. هذا القرب نفسه الذي يمكن أن يصبح عائقا. والذي يضع حدودا لما يمكننا أن نأخذه من أقوالهن وما نراه. -وفي الأخير يمكننا التساؤل أيضا وأن نعرف هل الالتزامات الواضحة التي تمت تجاه النساء المهاجرات تعني الجيل الأول منهن،المسنات وغير المرئيات. اللواتي لا يخرجن من منازلهن أو في مرات قليلة. ولا يخرجن وإلا هن مع مرافق لأنهن لا يعرفن أين يتجهن. هؤلاء اللواتي لا نراهن إلا في المطارات أو في ممرات الحدود.. لنكتشف أنهن موجودات ويعشن أيضا بفرنسا. وأين توجد كل اللواتي تتم الإشارة إليهن ب " عائلة عادية" واللواتي لا تصل إليهن نظرتنا وتساؤلاتنا؟ n ما هي الظواهر الجديدة التي تلاحظها في شيخوخة الهجرة المغربية؟ p أظن أننا لن نتوقف عن الحديث عن هذه الوضعية التي ليس لها مثيل، وهي وضعية الشيوخ الذين تركوا أسرهم بالمغرب، والذين يتصرفون كما لو أنهم عمال مازالوا في نشاطهم. والذين يعطون أخبارا عنهم من وقت لآخر ويبعثون بقليل من المال لأسرهم، وأعتقد أن هذه الصورة كاريكاتورية لهجرة بئيسة والتي لم تستفد من التجمع العائلي أو من عودة نهائية من أجل أن يأخذ مكانه بالأسرة. إحصائيا هذا النوع من الهجرة ليس هو المهيمن على الهجرة المغربية، لكنه موجود ولا يمكننا نسيانه. ظاهرة أخرى نلاحظها أيضا، طريقة الحياة بالهجرة والتي أثرت على العلاقات وسلوكات الفاعلين في هذه الهجرة. حلم الأسرة الكبيرة، والمنزل الكبير هو جد بعيد، أو يمكننا القول إنه تحمله نوستالجيا عميقة. والنقطة الأخيرة التي تستحق أن نتطرق إليها وهي الضرورة الكبيرة، وهي كتابة تاريخ هذه الهجرة هنا بفرنسا وباقي العالم. لم نحافظ للأجيال الجديدة في الهجرة إلا على مرور أبائهم الى الهجرة وتاريخ العمل وتيارات هذه الهجرة، لكن الهجرة كتجربة إنسانية بحزنها وفرحها لم تكتب بعد. n كيف تنظر إلى تطور الهجرة المغربية بفرنسا ببلد تتطور به بسرعة حركة اليمين المتطرف، معاداة الإسلام والمثقفين المحافظين؟ p بفرنسا توجد أكبر جالية مغربية بالخارج مقارنة مع باقي الجاليات سواء بأوربا أو أمريكا، هذا التواجد يتميز بتعدد مكونات هذه الهجرة، والتي لكل واحد منها أسباب تجعله يشعر أن تواجده شرعي بفرنسا. خطاب اليمين المتطرف الذي أصبح بارزا و مازال خطيرا. والذي يجب محاربته بالوسائل الشرعية التي توجد بفرنسا، لكن لا بد من دعم البلد الأصلي لمواطنيه، عندما يكونون ضحايا الميز أو أي شيء آخر. ما نعيشه اليوم بفرنسا حول تمثيلية أو النظرة إلى المهاجر شيء مثير: منذ ثلاثين سنة المهاجر هو المغاربي، وبعد ذلك، بشكل متأخر، أصبح المسلم، هذه الأحكام يتم تغذيتها بمقاربات الكراهية وعنيفة وننسى أحيانا أن الحرية الدينية هي من الحقوق الأساسية.