يبدو أن الجزائر ، ومن خلال تحريكها لجبهة “البوليساريو” الانفصالية، قد شرعت في تنفيذ خطة خطيرة تروم محاولة إجهاض ما حققه المغرب في الآونة الأخيرة من اختراق دبلوماسي غير مسبوق على المستوى الافريقي، والمتمثل في عودته القوية إلى حضيرة الاتحاد الافريقي وسط ترحيب غالبية دول القارة، وتركيز الحضور المغربي في دول القارة من خلال جولات الملك محمد السادس الافريقية، خاصة في دول كانت حتى الأمس القريب تعتبر موالية للموقف الجزائري وداعمة لأطروحة الانفصال التي تنفذها “البوليساريو” في الأقاليم الجنوبية. بعد التوتر الخطير الذي افتعلته مليشيات الانفصاليين في منطقة الكاركارات على الحدود الجنوبية للمملكة مع موريتانيا، وفي الوقت الذي اختار المغرب، ضبط النفس والالتزام بما تضمنه بيان الأممالمتحدة ، إزاء هذا التوتر الناجم ، اختار “البوليساريو”، ومن ورائها الجزائر لغة التصعيد وتحدي الأممالمتحدة واستفزاز المغرب ، بهدف واضح يتمثل في إجهاض كل ما حققته المملكة خلال الشهور الأخيرة من مكاسب دبلوماسية . فبينما قررت القوات المسلحة الملكية أمس الأحد، تنفيذا لتعليمات الملك ، الانسحاب الأحادي الجانب من هذه المنطقة تفاديا للتصعيد ومحافظة على وقف إطلاق النار ، أعلن مسؤولو الجبهة الانفصالية رفضهم الانسحاب من الكاركارات ، وقالت منابر إعلامية تابعة لهم أن قواتهم بسطت سيطرتها "بشكل كامل" على المناطق التي انسحبت منها القوات المغربية. ونسبت لمصدر صحراوي "رفيع المستوى" قوله "إن الجيش الصحراوي باقي في منطقة الكركرات وسيعمل على تطبيق القانون القاضي بمنع كافة الشاحنات والعربات التي تحمل اي اشارة تتنافى والوضع القانوني للصحراء الغربية من المرور عبر المنطقة". وكانت مجموعة من الشاحنات المغربية التي تعبر هذه المنطقة الحدودية في اتجاه موريتانيا ودول افريقية، قد تعرض سائقوها إلى استفزازات من قبل مليشيات البوليساريو التي فرضت عليهم إزالة خارطة المغرب الكاملة الملصقة على تلك الشاحنات. وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قد دعا أمس الأحد في بيان له ،إلى”ممارسة أقصى درجات ضبط النفس واتخاذ جميع الخطوات اللازمة لتجنب تصعيد التوتر في منطقة الكاركارات”. وحث الأمين العام “الطرفين على سحب غير المشروط لجميع العناصر المسلحة من المنطقة العازلة في أقرب وقت ممكن، لخلق بيئة مواتية لاستئناف الحوار في سياق العملية السياسية التي تقودها الأممالمتحدة”. ويأتي هذا الموقف تفاعلا مع الاتصال الهاتفي الذي أجراه الملك محمد السادس يوم الجمعة الماضي مع غوتيريس، ودعاه إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوضع حد للأعمال الاستفزازية ، التي يقوم بها "البوليساريو" في منطقة "الكاركارات" ، والوضع “الخطير” الناجم عن ذلك بسبب “التسللات المتكررة للعناصر المسلحة للبوليساريو، وأعمالهم الاستفزازية”، فوق ما ذكره بلاغ صادر عن الديوان الملكي. ويعد قرار المغرب الانسحاب من منطقة الكاركارات، والذي رحبت به عدة عواصم دولية في مقدمته باريس ومدريد وواشنطن، عبرت الرباط ، وفق بلاغ للخارجية، عن “الأمل في أن يمكن تدخل الأمين العام للأمم المتحدة من العودة إلى الوضعية السابقة للمنطقة المعنية، والحفاظ على وضعها، وضمان مرونة حركة النقل الطرقي الاعتيادية، وكذا الحفاظ على وقف إطلاق النار، وتعزيز الاستقرار الإقليمي". لكن البوليساريو ومن ورائها الجزائر، فضلت الإبقاء على التوتر، بل والتصعيد من خلال نشر عناصرها المسلحة في المنطقة التي انسحب منها الجانب المغربي وأعلنت استمرارها في مراقبة حركة المرور بالمنطقة الحدودية واستفزاز سائقي الشاحنات المغربية المتجهة إلى موريتانيا. ولدر الرماد في العيون والامعان في المراوغة ، قالت الجبهة الانفصالية في بيان لها إنها “تشاطر” موقف الأمين العام للأمم المتحدة حول الوضع الراهن في منطقة الكركرات و”تدعم دعوته الى احترام روح ونص اتفاق وقف إطلاق النار الموقع سنة 1991 كجزء من خطة التسوية الأممي الذي تشرف علية الأممالمتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية والذي يدعو الى تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية”. وزعمت الجبهة الانفصالية أن الوضع في منطقة الكركرات “ليست حالة معزولة، وبالتالي يجب الأخذ بعين الاعتبار وضعية مسلسل تصفية الاستعمار بكامله بالطريقة التي تسمح بتجاوز الوضعية الحالية”. وشكك بيان الجبهة في قرار انسحاب المغرب من المنطقة، واصفة هذا القرار ب”ذر الرماد في الأعين”، محملة المسؤولية للمملكة “وحدها في الوضعية وكل ما ينجر عنها “. وفي هذا السياق سجل المتتبعون للوضع بالمنطقة أن هذا التصعيد من جانب “البوليساريو” ، والذي يحرك خيوطه جنرالات الجزائر وأجهزتها الدبلوماسية والمخابراتية ، كان متزامنا مع تأكيد الرئاسة الجزائرية على استمرار دعم الجزائر “الراسخ” لجبهة “البوليساريو”. جاء ذلك ضمن برقية تهنئة بعثها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من على فراش المرض إلى زعيم الانفصاليين إبراهيم غالي بمناسبة ما اعتبره “الذكرى ال 41 لقيام الجمهورية الصحراوية”. وجاء في البرقية:”لا يفوتني في هذا المقام، أن أجدد لكم الإعراب عن دعم الجزائر وتأييدها, وأؤكد لكم مواصلة سعيها الدؤوب من أجل مساعدتكم تحت إشراف منظمة الأممالمتحدة تطبيقا للوائح ذات الصلة لمجلس الأمن”. وهذه كلها مؤشرات خطيرة، يرصدها المتتبعون، تكشف نوايا الجزائر وتحضيرها لمرحلة تدق من خلالها طبول الحرب في المنطقة في محاولة لمحاصرة المغرب وإجهاض كل ما حققه من مكاسب.