من المؤكد أن 7 أكتوبر 2023 شكل نقطة تحول في النضال الطويل من أجل تحرير الشعب الفلسطيني، الذي بدأ قبل قرن من الزمان، في عام 1923، ضد المحتل البريطاني ثم ضد الأخير والمستوطنين اليهود الأوروبيين الذين جندتهم الوكالة اليهودية للهجرة إلى فلسطين بدعم من إنجلتراوالولاياتالمتحدةالأمريكية وألمانيا النازية. وعبر هذا الفعل، أصابت الدول الإمبريالية عصفورين بحجر واحد:
1- تثبيت قاعدة استراتيجية للحفاظ على هيمنتها على المنطقة ونهب مواردها وإبقائها في حالة من الانقسام والصراع الدائم. 2- التخلص من يهودهم بإرسالهم لاستعمار فلسطين. في الواقع، كان معظم القادة الغربيين معادين للسامية، مثل الرئيسين ويلسون وترومان، واللورد بلفور، ناهيك عن هتلر والعديد من الآخرين. هل نحتاج للتذكير أنه في مؤتمر السلام عام 1919، وافق ويلسون، رئيس الولاياتالمتحدة، على مذكرة نصها: "نوصي بدعوة اليهود للذهاب والاستقرار في فلسطين" … وتضيف المذكرة:"ستتحول فلسطين إلى دولة يهودية بمساعدتنا" وأخيرا: "يمكننا الاعتماد على إنجلترا، التي ستكون هي السلطة المنتدبة، لمنح اليهود المكانة المتميزة التي يحتاجون إليها" (وثيقة مقدمة إلى مؤتمر فرساي). وفي المؤتمر نفسه، أقنع وايزمان، الزعيم الصهيوني، الأميرَ فيصل، وهو ممثل والده ملك الحجاز، بالموافقة على وعد بلفور مقابل الوعد بحكم دولة عربية عظيمة! وبينما كانت القوى الإمبريالية تقتسم الشرق العربي في مؤتمر سان ريمو في 5 مايو 1920 ، وفقا لاتفاقيات سايكس بيكو السرية في عام 1916 ، نفذت عصبة الأمم (التي سبقت منظمة الأممالمتحدة) إرادة تلك القوى من خلال توزيع الانتدابات بلا خجل لاستعمار البلدان العربية ، دون أي تشاور مع السكان: الانتداب البريطاني على فلسطينوالعراق، و الانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا. وهكذا تم إعداد المشهد لقرن من الانقسامات والحروب التي لا نهاية لها. (1) لكن آخر هذه الحروب مختلفة عن الحروب السابقة: لقد انتقلت ساحة المعركة إلى داخل فلسطينالمحتلة بعد أن حملها طوفان الأقصى إلى الداخل، ولو لفترة قصيرة، مدمرا أسطورة أجهزة المخابرات الإسرائيلية التي لا تُقهر. ما كان يمكن أن يظل عملية محدودة سرعان ما خرج عن نطاق السيطرة. لأن الاختراقات التي فتحت في الأسلاك الشائكة الإلكترونية سرعان ما جذبت آلاف الشباب الفلسطينيين للعبور إلى الجانب الآخر نحو أرض آبائهم وأجدادهم ومحاولة الإمساك ببعض الرهائن لمقايضتهم مقابل الإفراج عن الأب أو الأم أو الأخ الذي يقبع في المستعمرات الصهيونية منذ سنوات عديدة. حتى عقود. إن يوم السابع من أكتوبر 2023 دق ناقوس النهاية لهذا القرن. لقد كان آخر ضحايا الاستعمار في العالم، الفلسطينيون الموجودون في سجن غزة، هم الذين انتفضوا كما لو كانوا يحتفلون بتلك النهاية. هذه المرة، كانت فرصة عبور الحاجز فريدة وغير مسبوقة حتى عاد الشباب المتحمسون إلى منازلهم على الدراجات والدراجات النارية والسيارات وحتى العربات المجرورة. في المقابل، فوجئ الجنود الصهاينة في قاعدتي "غزة" و"إيريز" أثناء نومهم، وسرعان ما تم التحكم في العشرات منهم واقتيادهم نحو غزة بأسلحتهم ولاذ الآخرون بالفرار. وبمجرد تجاوز عنصر المفاجأة، أطلقت هيئة الأركان العامة الإسرائيلية عملياتها العسكرية ضد الشباب الفلسطينيين، وطبقت العقيدة العزيزة على الفاشيين: عقيدة حنبعل. قامت المروحيات الصهيونية بإلقاء القنابل الحارقة والرصاص على جميع مجموعات الفلسطينيين، سواء من تحتجز الرهائن أو لا. منذ البداية، سارع ناتنياهو وأجهزته الدعائية بترويج رواية جديرة بأفعال غوبلز النازي الشهير مفادها الحديث عن إحراق الأطفال وقطع رؤوس آخرين، واغتصاب وذبح النساء، وغير ذلك من مشاهد الرعب التي من شأنها التذكير بمشاهد "المحرقة" وإثارة التعاطف في جميع أنحاء العالم، وهو ما دفع فئة من رؤساء الدول الغربية للتعبير عن "الغضب الشديد". لقد نجحت الخدعة! في اليوم التالي، أمر ناتنياهو، دون تردد، بالبداية في تنفيذ إبادة جماعية لسكان غزة. وهو يقارن المقاومة الفلسطينية بتنظيم داعش والقتال الذي تخوضه إسرائيل بالصراع بين "الحضارة ضد الهمجية". وبالفعل، وقبله، في عام 1896، كتب ثيودور هرتزل في كتابه "الدولة اليهودية"، وهو يتوقع التنازل عن أرض فلسطين للصهاينة: "سوف نؤسس هناك القاعدة المتقدمة للحضارة ضد الهمجية". وفقا لعدة مصادر، فإن الحصيلة كانت 900 قتيل إسرائيلي وما بين ثلاثة وأربعة آلاف فلسطيني. على الفور، جاء الغرب الاستعماري على شكل كتلة واحدة لمساعدة إسرائيل و "إنقاذها". لقد برز "تحالف مقدس" حقيقي حول الولاياتالمتحدة وبريطانيا العظمى وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا لتسليح وتمويل وتوفير غطاء سياسي ودعائي لحرب إبادة منهجية ومخططة للسكان المدنيين في غزة وهي مستمرة منذ ما يقرب من 13 شهرا من طرف الجيش الصهيوني. لذلك من الواضح أن الولاياتالمتحدة وحلفاءها متورطون في هذه الإبادة الجماعية التي تزعم الدعاية الصهيونية أنها تهدف إلى تدمير حماس وحزب الله، ولكن الهدف الحقيقي هو إفراغ الأرض من سكانها وضمها إلى "إسرائيل". هكذا يتراءى في الأفق هذا الحل للمشكلة الفلسطينية الذي يشبه أسماه النازيون "الحل النهائي" وفي هذا الأفق، سيتأسس "الشرق الأوسط الجديد" العزيز على المحافظين الجدد ، على أنقاض فلسطين وحيث ستفرض "إسرائيل الكبرى" (التي لا نعرف حدودها بعد!) سيطرتها على الجميع وتتفوق على البلدان العربية بعد إخضاعها. أليست هذه هي الرؤية المرعبة للقرن الأمريكي الجديد! وكما أشار زبيغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي السابق للرئيس جيمي كارتر: "إن سياسة المحافظين الجدد هذه، التي لها مرادفها في الجانب الإسرائيلي، ستكون قاتلة لأمريكا ولإسرائيل في نهاية المطاف. إنها ستؤجج مشاعر الأغلبية الساحقة من سكان الشرق الأوسط ضد الولاياتالمتحدة، ودروس العراق غنية عن البيان. إذا استمرت سياسة المحافظين الجدد هذه، ستكون نتيجتها طرد الولاياتالمتحدة من المنطقة وبداية النهاية لإسرائيل أيضا". إن النظام العالمي الجديد بدأت ملامحه تتبيّن من خلال المقاومة الفلسطينيةواللبنانية ودعم اليمن والمقاومة العراقية: إن العدالة وحدها هي التي تضمن السلام الدائم. بغض النظر عن حجم القوة المستخدمة، لا يمكنها أبدا الانتصار على مقاومة شعب بأكمله. إن الدول المستقلة حقا تشتغل من أجل المصلحة الوطنية، بينما أنظمة الدول الخاضعة للإمبريالية والصهيونية تعمل ضد شعوبها ومصالحها. في هذه المواجهة مع المقاومة في غزةولبنان وإيران، تستعيد "إسرائيل" وظيفتها الحقيقية وهي كونها قاعدة أمريكية كبيرة في الشرق الأوسط. وهي تصوب سلاحها ونيرانها النارية ضد المدنيين وتنفذ عمليات القتل المستهدف وتدمير المباني المدنية. كما يتميز النظام العالمي الجديد بوجود حركة دولية مساندة للمقاومة وضد الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في فلسطينولبنان: – ضد السخرية والنفاق من طرف الدول الغربية. – ضد الكيل بمكيالين في تطبيق القوانين والقواعد الدولية. – من أجل التخلص من الإفلات من العقاب بالنسبة للمجرمين، – من أجل فرض عقوبات على "إسرائيل"، – من أجل هزيمة الصهيونية وجميع أشكال الاستعمار. – ضد جميع أشكال العلاقات الاستعمارية الجديدة بين الغرب ودول الجنوب – من أجل إصلاح المؤسسات الدولية والسعي نحو عدالة دولية مستقلة حقا. (2) إن العالم الذي سيخرج من رحم هذه الحرب سوف يُدين "إسرائيل" والولاياتالمتحدة والدول التي ساندت عملية الإبادة الجماعية ولن يتسامح ولن ينسى أو يغفر هذه الجرائم. وستكون التداعيات ضخمة على المنطقة كلها والعواقب أكبر من تلك التي خلفتها نكبة عام 1948. لقد بدأت موجة الصدمة للتو وسوف تهز أركان جميع الدول العربية وتمتد إلى أبعد منها. فاتح نونبر 2024 الترجمة من الفرنسية للعربية : موقع لكم2 (1) كان هذا هو حلم "مسيرة العودة" التي ساهم فيها خلال عامي 2018 و2019 عشرات الآلاف من الفلسطينيين كل يوم جمعة أمام الجدار الفاصل. وعلى الجانب الآخر، كان الجنود الإسرائيليون يطلقون الرصاص الحي على المتظاهرين غير المسلحين، مما أسفر عن مقتل وجرح العشرات. … (2) في أغسطس 1941وفي خضم الحرب العالمية الثانية اجتمع الرئيس الأمريكي روزفلت والوزير الأول البريطاني تشرشل لرسم ملامح العالم ما بعد الحرب. ونتج عن هذا الاجتماع وثيقة سياسية أساسية هي "ميثاق الأطلسي" الذي اعترف بحق الشعوب في تقرير المصير، والتقاسم العادل للموارد، وصون السلام ونزع السلاح، وإنشاء مؤسسات دولية جديدة لتنظيم العالم. هل لدى الولاياتالمتحدة وبريطانيا العظمى ذاكرة قصيرة إلى حد نسيان هذه الأحداث كلها؟