الخط : إستمع للمقال أتوقع حال اطلاعهم على رأيي بشأن الهدنة المؤقتة في غزة، أن ينهض هواة السياسة، ومعهم صناع الانتصارات بلغة الضجيج، فيقذفونني بأحقر النعوت وأرذل الصفات، بعد أن يُمشتقوا شعار العروبة والإسلام، ضمن بروبغندا سخيفة يروج لها التنظيم الإخواني الدولي، تحت يافطة " إما مع حماس أو صهيوني ". ورأيي وإن أدخل هؤلاء، في هيستيريا من الغضب، هو أن قادة حماس، سواء المختبئون في جحورهم منذ الثامن أكتوبر 2023، قبل أن يخرجوا بسياراتهم متنوعة الماركات، للتباهي بالنصر العظيم، أو المقيمون في المنازل الفاخرة وفي الفنادق خمس نجوم، ببُلدان توفر لهم كل شروط الإقامة المريحة، ومعظمهم يحتفل بلا حياء ولا خجل، بنصر تبخيسي للدم الفلسطيني"، كما عبر عن ذلك المجلس الثوري لحركة فتح، وهي الحركة التي يسجل لها التاريخ العربي والفلسطيني، لمن عليه أن يتذكر، الكثير من الملاحم والبطولات في الكفاح المسلح الذي خاضته ضد الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، قبل ميلاد حماس بسنوات. أي نصر هذا والناجون من أبناء غزة يحسدون الموتى كونهم لم يشاهدوا ما تبقى من دمار ومن تقتيل وتشريد طال شيوخ ونساء غزة، ولم يقفوا على المزيد من أشلاء القتلى والجرحى وشلالات الدم، والوجوه النازفة في مستشفيات القطاع. أي نصر هذا وقادة حماس على اختلاف درجاتهم ومراتبهم، ظلوا يستغيثون العالم ويستنجدونه على مدار السنة، عبر عشرات التصريحات والنداءات، من أجل التدخل لوقف العدوان ولإنقاذ فلسطين وشعب فلسطين، ليخرجوا في بهرجة تبعث على الحسرة، احتفاءً بالنصر العظيم على إسرائيل، فيما أطفال غزة لا يزالون نياما في العراء، وفيما العائلات تبحث عن ملاجئ ومآوي في المساجد والمدارس. هل يجوز لحماس، والحالة هاته، توظيف صمود الشعب الفلسطيني، كإنجاز تاريخي لها، والنظر إليه كمشروع شهادة، يضمن لها البقاء؟ وهل يقبل عاقل من أبناء الوطن العربي، أن تستمر حماس في بناء نصرها على أشلاء أطفال غزة ودموع أمهاتهم، وفي استخدام معاناة أهل القطاع، كغطاء لتحقيق مكاسب سياسية، على خلفية حماس مُزيّف يقتضي منا كعرب تعظيمه خشيه أن نُنعت ب"بخونة للقضية الفلسطينية؟ النصر الحقيقي يا قادة حماس هو الذي يوفر أسباب الأمن والطمأنينة للشعب الفلسطيني، وهو ما يعيد الكرامة لأهل غزة، وليس من يتركهم في حالة من الدمار والتشرد. أوليس في قادة حماس، وقد وضعوا من بين أولويات الهدنة، ضمان الأمن الشخصي لهم، من يتجرأ القول بوجوب التخلي عن هكذا بهرجة كاذبة تُولّد لدى شعب غزة الشعور بأن مآسييهم لا قيمة لها، وأن الشعارات الكلامية التي ترفعها الحركة، لا تسترجع حقا ولا تستعيد كرامة، بل هي ارتماءة غير محسوبة العواقب في أحضان الحليف الفارسي الذي تخلى عنها طواعية في غزة، كما تخلى عن حزب الله مُكرها في سوريا، وهما العضوان البارزان في محور الممانعة الذي شكلته إيران من غزة إلى تندوف لزرع الفتنة في أرجاء الوطن العربي. وهل أدركت حماس بعد أن تسببت في دمار غزة وإعادة احتلالها،أن إيران التي ظلت تتباهى منذ عقود بقوة فيلق القدس وقدرته على محو إسرائيل من الوجود، تسعى اليوم، لا للقضاء على إسرائيل لأن ذلك شعار فارغ، بل إلى توظيف كتائب القسام لينوبوا عنها في حرب ظاهرها مواجهة "الشيطان اللدود"، إسرائيل، وباطنها توسيع المدّ الشيعي في الوطن العربي وتأجيج الصراع الطائفي الذي وصل في بعض البلدان إلى حد الاقتتال، كما يحدث في اليمن ولبنانوسورياوالعراق. والمثير في كل هذا، أن حماس، الحركة الإخوانية السُّنية، لم تكلف نفسها أيضا عناء قراءة المشروع التوسعي الإيراني في الوطن العربي، قراءة دقيقة، لتُدرك أنه ليس في مصلحة إيران دعمها لتحقيق نصر عسكري أو سياسي كبير، لأن ذلك سيعطي دفعة دينية قوية لحركة سُنّية لا تؤمن بولاية الفقيه، على حساب حركات شيعية مثل "الجهاد الإسلامي"، تدين بالولاء لفيلق القدس الذي رفع منذ تأسيسه شعار "طريق القدس يمر عبر كربلاء". ومن هنا فإن توظيف إيران لحماس ولجناحها العسكري في الحرب ضد إسرائيل، هو توظيف تكتيكي آني، وليس استراتيجي، حيث الاثنان وإن كانا يتشاركان في مصلحة إضعاف إسرائيل واستنزافها، فإنهما يفترقان في البعد الطائفي ما بين شيعي وسُني. ويقف المواطن العربي من كل هذا موقفا صعبا للغاية. فلا يمكنه من جهة انتقاد المغامرة الحمساوية التي كلفت الفلسطينيين خسائر كارثية في الأرواح والممتلكات، لأن أي انتقاد من هذا القبيل سيتم اعتباره انحيازا لإسرائيل وضربا للتعاطف الشعبي مع المقاومة الفلسطينية. ويصعب عليه من جهة ثانية، مباركة مغامرة حماس وما نتج عنها من ضرائب بشرية ومادية باهظة. غير أن ما يثير القلق، هو أن تسعى إيران إلى تعويض خساراتها المُدوية في غزةولبنانوسورياوالعراق، والمنطقة الشرق أوسطية بشكل عام، عن طريق خلق حالة من التوتر وعدم الاستقرار بمنطقة المغرب العربي، التي عثرت فيها على ذراع ثمين اسمه البوليساريو، لا يقل أهمية عن الذراع الحمساوي والجهادي في فلسطين، والحوثي في اليمن، وحزب الله في لبنان، وعصائب أهل الحق في العراق.. وكلها كتائب خرجت على شكل دويلات من رحم الدول الأصلية، إيران، فخلقت لها هوية خاصة وعلَما ونشيدا وطنيين خاصًين، بعد أن أعلنت ولاءها المطلق للأب الروحي العجوز خامنئي. الوسوم أحمد الميداوي حماس غزة الفلسطينية