الخط : إستمع للمقال كل شيء مُترهِّل في تلك المسماة أمال بوسعادة: وجهها وأحداقها ومآقيها، وحتى خيالها الدافق. فقد رأت فيما يَراه النائم في الهَزيع الأخير من الليل، بأن عبد اللطيف حموشي تَناوب على أربع عُلب سجائر عندما سَمع بصُدور مذكرات بحث في حقه من طرف عدالة نيقوسياالجديدة. لكن رَنين المنبِّه دق بسرعة واستيقظت أمال بوسعادة من أحلام اليقظة، وهي تُطالع تَكذيب المُتحدث باسم وزارة الخارجية القبرصية، الذي نفى فيه روايتها ومزاعمها الكاذبة. وللأسف، لم يَستغرق سُبات المعنية بالأمر طويلا، حتى تَقول لنا أي نوع من السجائر تلك التي كانت موضوعة في مكتب الحموشي، هل هي "طابا" سوداء أم شقراء، وهل تسببت في سُعال للرجل من فرط الاستهلاك، أم أن دخانها كان يَنساب في خُيلاء خارج أرجاء المكتب. ولم يُسعِف الوقت كذلك أمال بوسعادة لتحكي لنا نوع القهوة التي ارتشفها عبد اللطيف حموشي، ونوعية المياه المعدنية التي كان يُبلِّل بها الريق بعد الجفاف الحلقي، الذي قد تكون تسببت فيه مذكرات البحث المزعومة. لقد كان حريا بأمال بوسعادة أن تُؤثِّث روايتها جيدا، وأن تَحبك قصتها الدرامية، لا أن تتركها بدون عقدة وبدون تفاصيل مشوقة!. أو كان من الأجدر أن تُمطِّط نومها بعض الشيء، وتُعطِّل جرس منبه وزارة الخارجية القبرصية، حتى يتسنى لها الاستمرار نسبيا في التنجيم وقراءة التمائم وفك طلاسم التعاويذ التي تأتيها بالأخبار حتى من وراء قلاع المخابرات الحصينة. فالسيدة القابعة في متلاشيات قبرص، والتي لا تَعرف عن المغرب إلا ما يجود به من إشاعات ادريس فرحان ومحيط محمد زيان، استطاعت أن تَنفذ بخيالها الجامح إلى مكتب مدير الأمن والمخابرات! بل إن شيطانها المارد ظل مشغولا باحتساب عدد السجائر التي تطاير دخانها في أرجاء المكتب، وكأنه شيطان رجيم يشتغل في شركة التبغ، وليس مارد خرج لتوه من قمقم الجن. إنها هلوسات آمال بوسعادة التي اعتمدتها الجزائر "كمصدر للإشاعة المغرضة"، لمهاجمة المغرب واستهداف مؤسسته الأمنية. والمفارقة الغريبة أن هذه السيدة غير المُتزِنة عقلا ومظهرا، لم تُحدِّد لنا في أي يوم من الأيام استهلك فيه عبد اللطيف حموشي السجائر المفترى عليها؟ وهل كان ذلك قبل آذان المغرب أو بعد حلول موعد الشفق؟ فهذا التحديد وهذه الدِّقة مطلوبان في حَبك الروايات القصصية التي تتناول شخصية معروفة مثل عبد اللطيف حموشي! فالرجل معروف أنه لا يُدخن، وأنه من المرابطين والمواظبين على سنة الصيام يومي الاثنين والخميس! لذلك، كان جديرا بأمال بوسعادة أن تتحرى مصادرها غير العليمة، وأن تَحبك روايتها بشكل لا يتناقض مع الواقع كثيرا. فكيف سينظر الناس الآن إلى محيا أمال بوسعادة بعدما ثَبت أنها كانت تكذب على عبد اللطيف حموشي، وأن روايتها حول السجائر كانت مُجرد أضغاث أحلام ؟ آه نسيت! فلا أحد يَجرؤ أصلا على مشاهدة محيا السيدة، بسبب تورم "السيلكون" في وجهها، وتخشب وجنتاها، وتحلل الأخاديد في مجرى مدامعها. فتحمل كذب أمال بوسعادة على شخص الحموشي هو أهون بكثير من تحمل بشاعة التصرف العشوائي في خلقتها. ولعل من المضحكات المبكيات كذلك هو أن أمال بوسعادة كانت قد سرحت في منامها وأحلامها بعيدا، قبل أن يَرُجَّها رَجّا بلاغ الخارجية القبرصية. فالسيدة حلمت بأنها تُدير ندوة صحفية حاشدة، يُشارك فيها مستشارها القانوني، ومدير الشرطة القبرصية، وممثل الادعاء، ورئيس قضاة نيقوسيا، وشهبندر التجار في الأرخبيل! والمناسبة هو الحديث عن مذكرات البحث المفترضة في حق المسؤولين المغاربة. كما ساورها في المنام أيضا أن السجائر الشقراء والسوداء والصهباء انقرضت من السوق المغربي بعدما طالب حموشي معاونيه بشراء كل العلب المتاحة! لكن فجأة صَدر تصريح المتحدث باسم الخارجية القبرصية، ليُقوض كل ما قالته أمال بوسعادة، ويُثبت أنه مجرد تخاريف من وحي الخيال الجامح، وأنه عبارة عن كوابيس منام بعد العصر. هنا.. أيقنت أمال بوسعادة بأنها هي من تُدخِّن وليس عبد اللطيف حموشي، وأنها هي من ابتلعت في أحشائها أربع علب سجائر على الريق، بسبب انفضاح روايتها وتأزم وضعيتها القانونية. وفي خضم كل هذا التجني المفضوح، تبقى الحقيقة الساطعة هي أن أمال بوسعادة هي مجرد "نَكِرة" أفرزتها التفاهة من ثنايا الشبكات الافتراضية، لا يُصدقها أحد سوى مرضى النفوس وأصحاب العِلَل العقلية في الجزائر وفي إيطاليا وبلجيكا وكندا.