الخط : تحولت باريس مع مطلع الخريف إلى عاصمة عالمية للأزياء باحتضانها دورة الخريف للأزياء الخاصة بالرجال. فبعد دورتي لندن ثم ميلانو، تدفق هواة الموضة على باريس للاطلاع على الموضة الذكورية من خلال ما يعرضه نحو عشرين من كبار المصممين العالميين من أمثال جان بول غوتييه، وجون غاليانو، وكريس فان آش، وغاسبار يوركيفيتش وغيرهم، من تصاميم تمزج بكثير من الثراء والتنوع، بين الجرأة والتمرد والمحافظة، مستلهمين أفكارهم من الأزياء الغربية والآسيوية القديمة التي يتم إغناؤها بالإكسسوارات اللازمة لإعطائها بُعدا جماليا وتاريخيا في آن واحد. وحرص معظم المصممين على استلهام إكسسوارات الموروث القديم كالتطريزات والنقوش والأحزمة الجلدية مع ميولات إلى الألوان الفاتحة الدّالة على أن أزياء الرجل هي أيضا مجال خصب للإبداع والابتكار. وقد أصبحت موضة الملابس الذكورية الجاهزة جزءا هاما من برامج التطور والتسويق التي تركز عليها شركات الملابس الفاخرة بعد أن كانت تُعتبر لمدة طويلة اقل أهمية وتسويقا من ملابس النساء. كما شهدت إكسسوارات الرجال منذ العقد الأخير ارتفاعا كبيرا في المبيعات، حيث أصبحت المنتجات الجلدية والنظارات والساعات وغيرها أكثر شعبية بين الرجال الشغوفين بمتابعة الموضة، وبدأت في شغل مكانة مرموقة في المتاجر. وسجلت دور الأزياء خلال سنة 2021 نموا في المبيعات بنسبة 30 في المائة، وذلك بفضل ما يمكن تسميتها بالسراويل الذكورية "السائبة" أو المتمردة التي أخذت في اكتساح أنماط الحياة الملبسية في باريس بأشكال وتصاميم تقترب من الألبسة الأنثوية في مظهرها، وتتمرد في عمق جوهرها على الأنماط التقليدية التي ترمز إلى شيء من الفحولة الرجولية.. ويرفض المصممون الباريسيون اليوم اجترار الأنماط الهندامية الماضوية، ويُصرّون على أن يعطوا للشباب أنوثة يافعة متدفقة تثير غيرة الفتيات. والواقع أن شريحة واسعة من الشباب الفرنسي لم تعد تقتصر على منافسة الفتيات في رعاية البشرة ومسايرة مستجدات الموضة البناتية باختلاف أشكالها وتصاميمها، بل تجاوزت ذلك إلى الإغراءات الجسدية، حيث تحدثك السراويل المسلوتة الضيقة التي تظهر معالم الجسد عن شذوذ صارخ وأنوثة مفرطة تدعو إلى الرثاء. وإذا كانت الموضة الذكورية بنشازها الصارخ قد اكتسحت الفضاء الملبسي الفرنسي، فإن ما يشفع لدور الأزياء أنها لا تتوقف عند تقليد معيّن أو قناعة بعينها، بل تسعى إلى تلبية كل الأذواق. فبعد النجاح الذي شهدته موضة الأزياء التي حملت ماركة "حلال" والتي صُمّمت بغاية التناسق والتناسب مع التقاليد اللباسية لمسلمي فرنسا، إثر الجدل الدائر بشأن ارتداء الحجاب والعباءات في المدارس والمؤسسات الحكومية، طرحت إحدى مؤسسات تصميم الأزياء دُفعة من سراويل الجينز "الإسلامية" صُممت لتتلاءم مع أداء فروض الصلاة. والسراويل هي واسعة الخصر تتيح لمن يرتديها السجود من دون عناء أثناء الصلاة، وقد نُسجت من خيوط خضراء مستلهمة دلالة ورمزية اللون الأخضر عند المسلمين. وبينما بيع منها ما يزيد عن 100 ألف سروال في السوق الفرنسية، فإن مُصممي الأزياء غير مؤكدين بأن يلقى هذا النوع من السراويل رواجا كبيرا لدى غير المسلمين بالرغم من أن المنتوج الجديد خالي من أية رسائل سياسية أو دينية بمفهومها السلبي. وقد استحضر العارضون بكثير من الألم خلال هذه الدورة رحيل المصمم الفرنسي إيف سان لوران، الذي وافته المنية قبل 15 سنة. ويعتبر واحدا من الأسماء الكبيرة التي بصمت الموضة العالمية في القرن العشرين بعد أن أحدث أسلوبا فريدا ومتميزا في ميدان الخياطة والتصميم. وكان إيف سان لوران شديد الاهتمام والعناية بأناقة المرأة التي كان يجتهد في الابتكار والإبداع من أجل أن تحافظ من خلال تصاميمه على "نعومتها وكبريائها". وكان بذلك يعطيها القوة والمسؤولية اللازمتين، مما جعله يُلقّب بأمير الموضة النسائية بامتياز. وقد تألق في مجال الموضة وعمره لا يتجاوز 21 سنة بفضل اللباس النسائي الأول الذي أطلق عليه اسم "المربع المنحرف". ودشن ماركته الخاصة سنة 1971 بمساعدة صديقه وشريكيه بيير برجي. ولم تمر سوى بضع سنوات حتى أصبح الرجل الذي استوحى اللون الأسود /سيد الألوان/ من لوحات كبار الرسامين، من أبرز المبدعين المازجين بين الحرية والتمرد في تصاميمه المختلفة. وقد توفي عن سن يناهز 71 عاما وأُحرق جثمانه وحُفظ رماده في قبر أقيم في حديقة منزله بمدينة مراكش، المدينة التي كانت تمارس عليه جاذبية استثنائية، على حد قوله.