أنْ تصل الجمهورية الفرنسية إلى أن تعلن تحميل المسؤولية لما يقع فيها من اضطرابات عميقة اثارت ذهول العالم كله والعالم الغربي نفسه، للأسر، فذلك ما لم يتوقعه أحد من الذين يتابعون شؤون الجمهورية منذ ميلادها. ولم يتصور، أعتى المتطرفين أن تقوم دولة فرنسا، في شخص رئيسها امانويل ماكرون باقتراح «فرض غرامات مالية على عائلات المراهقين المشاركين في أعمال الشغب، وذلك بعد اعتقال عدد كبير من القاصرين» فذلك إعلان لإفلاس الجمهورية وتَخلٍّ طوعي عن مسؤوليتها الأخلاقية والسياسية والاجتماعية في تدبير الاحتجاجات.! ولنفترض بأن الدول التي تعتبرها «متخلفة عن الركب الحقوقي» قامت بذلك، فماذا كانت «لوموند« ستكتب وماذا كانت "فرانس بريس" ستروج وماذا كانت «فرانس24» ستعلق؟ فلنترك أذرع الاليزيه جانبا ولنتأمل تصريحات ماكرون في القضية: قد قال، عند زيارة إلى مركز للشرطة في باريس ليل الاثنين الثلاثاء، « يجب أن نكون قادرين وبكل سهولة على فرض غرامة مالية على العائلات». وفقا لصحيفة "لوباريزيان" الفرنسية، كما كان يحدث في العصور الوسطي عندما كانت الأسر تدفع ثمن أخطاء افرادها عيْنا. ولعل الذين خبروا الستالينية ودهاليزها المرعبة تذكروا قرارات الأنظمة الشمولية لماَّ كانت تُدفِّع العاملات ثمن أخطاء أبنائها، بل تطلب منهم الوشاية بهم إن هم أرادوا أن ينجوا من عقابها وبأنه آن الآوان لكي يدفع الأباء الغرامات المالية عن شغب أبنائهم أو غضبهم أو احتجاجهم.. لم ننتبه في حينها، لكن سبق لوزارة الداخلية الفرنسية، (انظر موقعها علي الأنرتنيت) أن تساءلت متشككة في ما إذا كانت الدولة مجبرة على مساعدة الأباء أو أولياء الأطفال الذين يوجدون في وضعية الحاجة؟. وأجابت بأن الأبناء هم من يجب أن يقدموا المساعدة الغذائية لأبائهم. ولعلنا نذكر كيف أن بعض الأنظمة الستالينية أو معجبة باستالين كانت تعدم المعارضين أو بعض المذنبين بالجرم العام ثم تطالب عائلاتهم بدفع ثمن رصاصة الإعدام! لقد لطخ ماكرون الجمهورية وضرب بمبادئ الأنوار التي قامت عليها الجمهورية الفرنسية عرض الحائط بل لم يتورع عن اقتراف ما لا يفكر فيه اعتى المستبدين، وهذا نفسه ما قاله عنه واحد من كبار المؤرخين والمفكرين الفرنسيين، «بيير روزانفالون» وصار من حق الدول الأخرى لاسيما في القارة الإفريقية أن تعطيه دروسا في التدبير السليم والحقوقي للاحتجاجات بعد أن اعطته درسا لن ينساه في الديبلوماسية وفي السلوك الاستراتيجي لما زار القارة السمراء.. ولنا عودة إلى الموضوع .. .