لا يمكن للمرء أن يتعاطف مع إدريس الراضي في مطالبه الفايسبوكية، وهو يسمعه ينادي بالتمييز بين السجناء والتفرقة بينهم في الحقوق والواجبات! فهذه هي المرة الأولى التي نسمع فيها رجلا يتظلم من إعمال مبدأ المساواة بين جميع السجناء! مشتكيا في الفايسبوك من إيداع ابنه رفقة سجناء آخرين يتمتعون بنفس الحقوق ويخضعون لنفس الواجبات. كما لا يمكن، على الأقل مستقبلا، تصديق إدريس الراضي الذي ظل يكتب رسائل تدعي بأن ابنه يعيش في "الكاشو" الانفرادي، مقدما ذلك على أنه عقوبة قاسية، قبل أن نكتشف بأن هذا الأخير هو من اختار العزلة عن باقي السجناء، وأن إدارة السجن هي من استجابت لمطلبه وخصصت له حيزا مكانيا يصون حميميته! واليوم بعدما تم التعاطي مع حالة السجين عمر الراضي كبقية السجناء، تغيرت المطالب وانقلبت الملتمسات، فأصبحت الزنزانة الانفرادية مطلبا مشروعا بعدما كانت تقدم للمنظمات التي تنهش صورة المغرب على أنها عقوبة وتمييز وإمعان في الاستهداف!!! كما أصبح عنبر السجن الجماعي هو عنوان للاستهداف ومنتهى التمييز والإقصاء، بعدما كان في الرسائل الفايسبوكية السابقة هو الهدف الظاهري المنشود، وهي الغاية السجنية المأمولة. أكثر من ذلك، أضحت حالة السجين عمر الراضي حالة فايسبوكية شاذة، لسبب بسيط هو أن هناك من يحاول أن يملي ظروف الإيداع على مؤسسة السجن انطلاقا من شبكات التواصل الاجتماعي، وليس من رحم قانون المؤسسات السجنية والعقابية والإصلاحية. بل إن هناك من يحاول أن يستخلص مكاسب سجنية عبر الابتزاز الافتراضي، معتقدا أنه كلما تكاثرت التدوينات وتواترت الرسائل الفايسبوكية كلما تزايد حجم المكاسب وتباينت الهوة مع باقي السجناء! ومسوغهم في ذلك أن هذا السجين ليس معتقل حق عام! مع أن صوت ضحية الاغتصاب لازال يهز أركان الفايسبوك منذ أول يوم من الاعتقال. ومن المفارقات الغريبة التي تحفل بها هذه القضية كذلك، أننا أصبحنا نسمع مؤخرا دعوات فايسبوكية عديدة تتهم إدارة السجون بمصادرة حق بعض السجناء في كتابة الروايات والقصص والمؤلفات والمعلقات الشعرية! ومن عبث الصدفة أو سخريتها أن هذه الدعوات صدرت بشكل متزامن، مما يوحي بالاتفاق والتصميم المسبق فيما بينهم، وصدرت كذلك عن كل من توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني وعمر الراضي، الذين يجتمعون معا في لجان التضامن المزعومة. وهنا نتساءل: كم من القصص والروايات والإصدارات التي كتبها هؤلاء المساجين عندما كانوا عتقاء خارج السجون؟ أم أنهم لم يكتشفوا قريحة الرواية وملكة الشعر إلا بعد اعتقالهم على ذمة قضايا زجرية؟ وكم من دور النشر في الرباط وبيروت تعاقد معها عمر الراضي عندما كان يهيم على وجهه طليقا في أحياء الرباط؟ أم أن هذه المزاعم لا تعدو أن تكون مجرد وسيلة من وسائل الابتزاز الافتراضي التي تبتغي الضغط على مؤسسات السجون لتحقيق مآرب سجنية تخرق في العمق مبدأ المساواة بين السجناء؟ فلحسن الحظ أن إدارة السجون قررت أخيرا التعاطي مع حالة السجين عمر الراضي مثله مثل باقي السجناء، لأن هذه المساواة هي التي كشفت لنا بأن الزنزانة الانفرادية لم تكن عقوبة ولا تمييزا سلبيا وإنما منحة ومكسبا وتمييزا إيجابيا! كما أدركنا كذلك بأن مطالب تحسين شروط الاعتقال التي كان يرفعها الراضي الأب إنما كانت مطالب فئوية وخاصة تخفي وراءها ملتمسات تمييزية وإقصائية ضد باقي السجناء.