أطلقت النخبة الحاكمة في النظام الجزائري حملة سعار، مبرمجة ومتتالية الفصول، لم يسبق أن تم تسجيلها في العلاقة بين أي دولتين من دول العالم، مهما بلغت الخلافات، لاسيما إذا كان البلدان جارين وشقيقين. وهي حملة، تجاوزت القاموس المعروف في التعبير عن الخلافات، بل حتى عن القطيعة بين الدول والكيانات، إلى التجييش الجماهيري، والترويع الشعبي، واختلاق الأكاذيب، وتسخير الفن، كأنبل سلوك حضاري في خدمة السعار المَرَضي، وتوظيف اللغة القليلة الحياء ضد الخصم، الذي صار عدوا. ومن أعلى هرم السلطة، وواجبتا المدنية في قصر المرادية إلى وكالة الأنباء الرسمية، مرورا بالقنوات التلفزية ومنتجي البرامج الرمضانية، تعبأت الطغمة العسكرية من أجل حملة باثولوجية ضد المغرب. وفي سياق ذلك، خرج الرئيس عبد المجيد تبون، في حوار مصطنع ومرتب مع الجزيرة «بودكاست»، لكي يعلن «نقطة اللاعودة مع المغرب»، ويزيد في الافتراء بأن اتهم المغرب، دولة الجوار الثابتة في خطابها، بأنها كانت وراء «اختطاف واغتيال ديبلوماسيين جزائريين في مالي»!!! الرجل الذي اعتاد أن يشاهد الكثير من أفلام الخيال السياسي والعلمي الذي سبق له أن ادعى بأن جورج واشنطن قد سلم الأمير عبد القادر مسدسات الحرب الأهلية، بالرغم من أن الواحد منها مات قبل الآخر بعقود!، هو نفسه الرئيس الذي يتهم المغرب بِلُغة مغلفة تنقصها الكثير من العقلانية المفروضة في رئيس دولة، هذا الاتهام الخطير! وفي سياق هذا الانزلاق الخطير، بين دولتين، تعبأت القناة الرسمية الثانية وجعلت من قصاصة وكالة الأنباء الجزائرية، المشبعة بالهلْوسات المبنية على عقدة المغرب، فيلما متحركا في إحدى نشراتها الإخبارية.. وفي النشرة ما لا يمكن أن نتصوره من قذائف لغوية وهجومات حربية شفهية وتداعيات نفسانية مريضة، نقرأ ونسمع عن «مغرب المديونية الذي يوشك على الانهيار»، وعن المخزن الذي جعل من المغرب «مملكة الفساد والشر»، إيه نعم ...، وعن «مملكة الجنس والدولة الأكثر إرشاء التي وضعت الرشوة محل الديبلوماسية» مع كل عبارات «التبشير» بنهاية المغرب والنظام، وخلطت في هذا القيء السمعي البصري، والمبني على قصاصة مرتعشة، كل أنواع العصاب الدهاني، وتحدثت عن ..دولة المغرب «القروسطوية، وممكلة المخدرات التي تعرض أبناءها وبناتها للدعارة» الجزائر الرسمية. خلطت التاريخ والمخيلة وتكلمت عن «المغرب التوسعي وعودة إلى الإمبراطورية وعلال الفاسي وموريطانيا...»! وكذبت القناة والوكالة كذبة مدوية على شعب المتفرجين عندما ادعت، في هذا الباب بأن الخلاف الموريتاني المغربي انتهى في 1972 في القمة التي احتضنتها الجزائر!!! والحقيقة أنه لم تكن هناك أي قمة ثنائية في الجزائر.. وبالرغم من أن الريبورتاج كان على قناة التلفزيون، وبالرغم من أنهم يعتبرون أن ذاكرتهم «التحريرية» (من الحريرة طبعا) من أدق الذاكرات في الحفاظ على التاريخ والوثائق والكتابات.. فلم يجد الكاذبون من أعوان تبون ولو صورة يتيمة لهذه القمة والحقيقة البسيطة هي أن الملك الحسن الثاني رحمه الله، ضحى تضحية جسيمة، في الملف الموريتاني لأجل... القدس وفلسطين، وقد استدعى الرئيس الموريتاني إلى القمة الإسلامية التي انعقدت في الرباط في 1969، بالرغم من الخلاف، مع موريتانيا والاعتراف بنظامها واستقلالها خدمةً للقضية الكبرى للمغرب والعرب والمسلمين، بل هناك شهادة مسجلة ومصورة للرئيس الفسلطيني محمود عباس في الموضوع، شاهدة على كذب النخبة التائهة في الجزائر.. المثير في قصاصة الوكالة التي حولتها القناة إلى فيلم إخباري، أنها استندت في كل لغتها وعناوينها وبنيانها، على كلمة الوزير السابق للخارجية رمطان لعمامرة في بيان قطع العلاقات الجزائرية مع المغرب، والبيان إياه ذهب صاحبه لكن العقيدة العدوانية ما زالت قائمة وزادت حدة وجنونا. ومن عناصر الجنون هو ما تقوم به البرْمجة التلفزيونية في رمضان من بث مسلسل رمضاني يسخر من المغاربة ويُمثِّل بالجوار تمثيلا منكرا، بل يستعدي المتفرج الجزائري ضد شقيقه المغربي غربا، بلغة تغتنم المشاهدات الرمضانية لأجل بث العداوة والتربية عليها فنيا. وهو أمر برعت فيه الآلة النازية فقط لا غير، وهي الآلة التي تزرع البغضاء بين الشعوب والأجناس البشرية.. ولا عجب إذا ما شاهدنا أو سمعنا في النظام من يعتبر بأن العرق العسكري في الجوار، العرق «الجَزَ...آري» هو الراقي بشريا كما كان هتلر وغوبلز يقولان عن العرق الآري.. الهجوم المتجدد اليوم يريد أن يقنع شعب الجزائر بأن «مملكة الشر على حافة الهاوية» ويشجع المغامرة على الاعتداء عليها وكل ما قيل يدعو إلى الحرب، بالرغم من عجز النظام العسكري على خوضها طبعا وهو في ذلك، واقعيا يحاول تعبئة العدو الخارجي لترميم صراعاته.. الداخلية والزج بالمنطقة في توترات حادة الهدف منها ابتزاز المجتمع الدولي ولا سيما بعد التنويه الشامل باستقرار المغرب ومساعدته على الحفاظ على السلم في المنطقة !