يبدو أن علي لمرابط يصنع بنفسه، في إشارة إلى ما يحيك الجاهل بنفسه، أكثر ما يصنع العدو بعدوه! فعلي لمرابط تلقف شذرات من مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية، خاصة في الشق المتعلق ب"الاختراق"، وشَرَعَ في مهاجمة الشرطة المغربية والمدير العام للأمن الوطني عبد اللطيف حموشي، بكثير من الجهل والسطحية والعدمية. وليس الجهل وحده، هو من يغذي تدوينات علي لمرابط، بل حتى عُقده المرضية تَنفلق وتَنبلج بوضوح كلما تحدث عن مصالح الأمن وشخص عبد اللطيف حموشي! والدليل أن علي لمرابط حصر آلية "الاختراق" في موظفي الأمن الوطني دون سواهم وانبرى يهاجمهم بجهله المطبق، والحال أن الاختراق هو تقنية من تقنيات البحث الجنائي مخولة لجميع ضباط الشرطة القضائية، بمن فيهم أولئك العاملين في الأمن الوطني أو في مصالح الدرك الملكي أو المكتب المركزي للأبحاث القضائية. لكن جهل علي لمرابط أو هوسه، أو ربما هما معا، جعلاه يَحصُر هجومه المرضي في الشرطة المغربية، زاعما أن عبد اللطيف حموشي يرغب في الحصول على تَقعِيد (إطار) قانوني لعمليات الاختراق! والحال أن مشروع قانون المسطرة الجنائية الموضوع حاليا للدراسة جاء في سياق مشروع إصلاح منظومة العدالة، وكان أول من تقدم به هو الوزير السابق مصطفى الرميد، في وقت كان فيه عبد اللطيف حموشي لم يتم تعيينه بعد في منصب المدير العام للأمن الوطني. وإمعانا في التوضيح، فالتشريع الجنائي ليس من اختصاص المدير العام للأمن الوطني وليس من صلاحيات الشرطة، وإنما هو من اختصاص المشرع وصانعي السياسات الجنائية! وما دون ذلك من تدوينات ينشرها علي لمرابط وغيره من الجاهلين بالقانون، ما هو إلا لغط كبير وكلام عابر ينهل من معين الهوس والجهل. وما دمنا نتحدث عن الجهل، فإن أعراضه تحولت إلى "بارانويا" مزمنة عند علي لمرابط، من سماتها البارزة الهوس بشيء اسمه "الأمن والشرطة وعبد اللطيف حموشي". فمن المؤسف أن لا يفرق المرء بين "الاختراق" كتقنية من تقنيات البحث الجنائي، وبين العمل السري لأجهزة المخابرات. فالاختراق الذي يتحدث عنه مشروع قانون المسطرة الجنائية، هو تقنية من تقنيات البحث الجنائي، منصوص عليها في المادة 20 من الاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، وفي القوانين الجنائية لمعظم الدول، بما فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا (المادة 706-81) وغيرها. ومن هذا المنطلق، فالمشرع الجنائي المغربي وهو يَدرُس إمكانية التنصيص على الاختراق كآلية قانونية لمواجهة الجرائم المنظمة والخطيرة، إنما يلائم قانونه الوطني مع التزاماته الدولية في مجال مكافحة الجريمة العابرة للحدود الوطنية، كما أنه يُعزّز ترسانته القانونية لتحييد المخاطر الناجمة عن التهديدات الإجرامية المستجدة. ومن باب تبديد غبش الجهل عند علي لمرابط، فالاختراق، سواء في المشروع المغربي أو في القوانين الجنائية الدولية، هو إطار قانوني خاص بالبحث والتحقيق في مجال مكافحة الجرائم، ولا علاقة له نهائيا بعمل أجهزة الاستخبارات كما يَظُن البعض عن جهل أو ربما عن تجاهل. أما بخصوص شكليات هذا الإجراء، فقد حدّدها المشروع الجديد بشكل دقيق وصارم، واستلزم توثيقها في محضر قانوني وإذن قضائي مكتوب ومعلّل تعليلا خاصا، يتضمن تحديد الجريمة أو الجرائم التي تُبرّر اللجوء إلى هذه العملية، وكذا هوية وصفة ضابط الشرطة القضائية الذي تتم تحت مسؤوليته العملية، والمدة المحدّدة للعملية والتي لا يمكن أن تتجاوز ستة أشهر قابلة للتجديد. كما يَحصر هذا المشروع إمكانية اللجوء إلى استخدام هذا الإجراء في الجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية، مثلما هو الحال بالنسبة لتقنية التقاط المكالمات والمراسلات المنجزة عن بعد، وهي جرائم المس بأمن الدولة والجرائم الإرهابية وتكوين عصابات إجرامية والقتل والتسميم والاختطاف وأخذ الرهائن، وتزييف وتزوير النقود وسندات القرض العام، والاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية والأسلحة والذخيرة والمتفجرات، والجرائم الماسة بحماية الصحة وجرائم غسل الأموال والفساد الإداري، والجرائم الماسة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، والجرائم ضد الإنسانية والاتجار بالبشر. أما بخصوص الحصانة المطلقة التي يتحدث عنها علي لمرابط، فهي الأخرى من تداعيات جهله بالقانون، لأن جميع التشريعات الدولية تستحضر فرضية أن "الضابط أو العون المأذون له بالاختراق قد يرتكب جريمة معينة عند وجوده داخل البنية التركيبية للشبكة الإجرامية"، لذلك فجميع هذه القوانين تَنُص على إعفاء الضابط أو العون من المسؤولية الجنائية، كما تُقرر أيضا إعفاء جميع الأشخاص الذين تمت الاستعانة بهم لإتمام عملية الاختراق من المسؤولية الجنائية شريطة أن يكونوا معينين سلفا من طرف ضابط الشرطة القضائية مُنَسّق العملية وأشعرت النيابة العامة بذلك، على أن تقتصر مسألة الإعفاء على الأفعال المرتبطة مباشرة بتنفيذ الاختراق. وفي المحصلة، لا بد من التذكير بأن جهل علي لمرابط بالقانون هو جهل مرضي ومُعدي، لأنه أخرج العديد من ذوي النيات السيئة لمهاجمة الشرطة المغربية، بجهل مُطبق، وهم لا يميزون بين "حرف الواو وعصا الطبال"، وبالأحرى أن يميزوا بين الاختراق الجنائي وعمل أجهزة الاستخبارات.