كتب الصحفي عبد الحميد الجماهري مدير نشر جريدة الإتحاد الإشتراكي، حول القمة العربية التي ستحتضنها الجزائر، غدا الثلاثاء وبعد غد الأربعاء، وحمل عمود الجماهري كسر الخاطر ضمن عدد يوم غد الثلاثاء، عنوان "قمة الجزائر: والآن؟؟؟ أن ترضى من الغنيمة بالإياب". وقال الجماهري: "استعصى على دولة العسكر، في لحظة من أهم اللحظات التي تحصل في تاريخ الدبلوماسية عند دولة ما، أن تميز بين قانون غريزتها الخاصة، المشحونة بالأحقاد، والقاعدة القانونية الخارجة عن جموح رغباتها، لهذا تعاملت دولة الجزائر في ترتيب القمة مع ممثلي المغرب تعاملا محكوما بالمشاعر الذاتية لا التعاملات التي سطرتها دول العالم للتعامل مع بعضها البعض أثناء القمم ذات الأهمية. وسجل الجماهري، "تصرفت ببلطجية مع وصول وفد الخارجية المغربية، وتعاملت بإسفاف مع تنقلاته وكل مراسم البروتوكول الخاص بالإقامة ومآدب العشاء وزادت على ذلك إطلاق ذات اليد لجواسيس مخابراتها للتنصت وتسجيل المحادثات وتبادل الأخبار بين أعضاء الوفد، ميزت في التعامل مع الوفد المغربي.. وكلها مسلكيات تعيد إلى الأذهان التركة الستالينية في شرق أوروبا أيام الحرب الباردة". وتابع ذات المتحدث، لقد سجنت نفسها، في وقت كانت الفرصة سانحة لها للتعامل مثل دولة تحترم نفسها وتقر بأصول الفقه الدولي في التعامل، وشريعة التمدن في العلاقات البينية في سياق عام وكبير. وتابع القول: طبعا لقد تصرف المغرب، بناء على قناعاته العربية، وبناء على ما يفهمه كدولة راكمت تجربة طويلة وكبيرة في المنتظم الدولي وجمع الفرقاء، ولهذا لم يتصرف كما خطط له من طرف نظام المخابرات. أولا، أن المغرب يعتبر أن حضور القمة فوق التراب الجزائري لا يعني أنها صاحبة الملكية الفكرية والسياسية لكل ما يتعلق بها، بل هناك أعراف وقوانين تنظم العمل بين المجموعة العربية. ثانيا: كان المغرب يعرف بأنه سيقدم خدمة كبيرة لإيران، العدو الجديد في شمال إفريقيا، إن هو ترك المقعد شاغرا، ويقدم خدمة وفرصة لفضح ما يتم حبكه. ثالثا: كان المغرب يعرف بأن هناك بيداغوجيا ديبلوماسية تقتضي بأن تعري الذي يعمل ضدك، ولا سيما إذا كان موضوع العداء قضية الصحراء، التي تعتبرها الأغلبية الساحقة من الدول العربية مغربية وتساند الطرح المغربي حولها دوليا وقاريا... رابعا: ليس للمغرب أن يتصرف بناء على مشاعر خاصة بمن يوكل لهم مهام ديبلوماسية تتطلب الموضوعية وبعد النظر وقدرة التحمل ... والأهم من ذلك فالمغرب لم يكن في موضع ضعف وهو فوق التراب الجزائري، لاعتبارين أساسيين: أولهما أن حضور وزير خارجيته كان أهم حدث صاحب القمة منذ الإعلان عنها هو: هل سيحضر ملك المغرب أم لا، ومن سيحضر القمة إلى جانبه وما هي حدود مناورة السياسيين الجزائريين الدمويين منهم والعسكريين في حالة حضوره. وما زال موقف جلالة الملك محط انتظار، لاسيما بعد أن ارتأت أكثر القيادات العربية، ولاسيما الملكيات، تخفيض تمثيليتها. والواضح أن ملك المغرب نجم القمة، أكان بالحضور أو كان بالغياب. ثانيا، في اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى الوزراء كان وصول وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة وتدخلاته هي الحدث، ولعب المغرب دور المحفز والمحرض على احترام أخلاقيات القمم والأعراف الديبلوماسية التي تجب مراعاتها، بل فرض ما كانت الجزائر تنوي وضعه على الرف كما هو حال العلاقة مع إيران... لقد خفضت الجزائر من أمانيها التي سوقتها للقمة، فلا هي استطاعت عودة سوريا، كما أراد الثنائي الروسي الإيراني ولا هي استطاعت حشر الموضوع المتعلق بالصحراء في الأجندة العربية، بل سارع ممثلها في الأممالمتحدة إلى نفي حضور زعيم الانفصال إبراهيم غالي بن بطوش، ولا هي استطاعت أن تسوق لعزل "المطبعين" من الدول العربية، بل لم تستطع أن تلعب بالورقة الفلسطينية إلا في حدود دنيا عبر اتفاق ولد ميتا وتعرض للسخرية من الفلسطينيين أنفسهم، لكنه في المقابل كشف خطة الجزائر لتجاوز دور مصر والسعودية وقطر نفسها في الملف الفلسطيني .. لقد استطاع الوزراء أن يتفقوا حول 19 نقطة في جدول الأعمال، وهو رقم مهول في الواقع .. هذه النقط كلها نقط خلافية بين أغلبية العرب والجزائر: الموضوع الإيراني والموضوع السوري والموضوع اليمني وموضوع الانفصال والأمن القومي العربي وقضايا الأمن الغذائي والإرهاب .. وما إلى ذلك. قد ترضى الجزائر من هذه القمة.. من الغنيمة بالإياب، كما روي عن الشاعر امرؤ القيس، الذي طاف كل القبائل والدول يجمع جيشا لثأره ولما أعيته الحيلة قال: وقد طوفت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب... الواضح أن القمة تنعقد بحدها الأدنى سياسيا وتنظيميا، بالرغم من توافق الجدولة، فإن الأسئلة الحارقة ما زالت تنتظر ومنها سؤالان اثنان : = كيف ستتم صياغة ما تم الاتفاق عليه، وما هي المخارج الديبلوماسية التي ستَبْرع فيها الجزائر في صياغة القرارات التي يتم تبنيها بالإجماع؟ = هل ستجد القمة، في سياق توتري خلافي بين أغلب العواصم العربية آليات فعلية لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه؟ لقد فشلت الجزائر حقا وليس فقط من باب التقريع في توفيرمناخ عربي للم الشمل، وبل لم تسارع إلى أي خطوة تعطيها الجدية والمصداقية في لعب هذا الدور بل إنها سعت إلى توفير كل الشروط لكي لا تكون القمة ناجحة في توحيد الصف. وما زالت الخطابات الإنشائية تعيد على مسامعنا وحدة عربية كارطبوسطالية لمن يراها ويشنف أسماعه بها. وما زالت أوضاع الشعوب العربية أمام القادة في موضع المتفرج على مآسيها وهي حبيسة أقفاص مشاكلها مثل كائنات منذورة للانقراض.. ولا يمكن المراهنة كثيرا على القمة في ظل الشلل الشامل لكل هيئات ومقومات البناء العربي المشترك، وأي تحليل متجرد وموضوعي للواقع العربي يكشف درجات العجز المتقدم التي تعاني منها مجموع الدول العربية. لقد حولت الجزائر المؤتمر إلى غاية في حد ذاته، وهي بذلك لم تخرج عما سبقها من قمم، وكان يغيب عنها بفعل الوضع الداخلي الخاص بها وسرعان ما تحولت القمة إلى مجرد اجتماع مناسباتي رست عليه الأبجدية! المغرب الذي راكم تجربة طويلة في القمم الناجحة من قمة الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني في 1974 إلى قمة مؤتمر فاس 1982 ، للاتفاق على المبادرة السعودية للسلام ووصولا إلى سنة 1989 لعودة مصر إلى حاضرة الدول العربية، يعرف بأن الأكثر جدية ودقة هو تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وهذا يقتضي نفس التحليل ونفس الإرادة ونفس التجرد: وهنا هل يمكن أن نقول إن قادة الجزائر يشتركون مع بقية الدول العربية في نفس التحليل ( حول دور إيران، وموقع روسيا في الخارطة العربية وفي الشأن الليبي)، ونفس الإرادة في تفعيل الآليات المشتركة، في وقت هناك سعي حثيث إلى منازعة المغرب( تصل الوقاحة إلى درجة وصف بلادنا بدولة الاحتلال في بلاغات رسمية). لقد انتهت كل القيادات الوازنة إلى عدم حضورها، ومنها الدول ذات المركز العربي المحوري مثل السعودية والأردن ودول الخليج، كما أن الكثير من القادة يكون حضورهم أو غيابهم أقل ضررا.. وهو ما يرخي بظلال قاتمة على نتائج المؤتمر كما أنه يلقي بظلال أكثر قتامة على جدية تنفيذ قراراته. لقد سبق للمغرب أن اعتذر عن استضافة القمة ال27 في سنة 2016 ولم يؤثر ذلك على أدائه العربي، بل لعل حيوية المغرب في الفضاء العربي، ثنائيا وجماعيا، تعززت أكثر، كما أن التزاماته القوية مع القدس وفلسطين لم تتأثر أبدا بمستوى الأداء العربي وغيابه عن القمم منذ 2005.. ولعل من صدف التاريخ أن ملك المغرب قد شارك في آخر قمة يحضرها في 2005..وكانت بالجزائر!!! وهذا التصادف التاريخي مناسبة لتنظر جارتنا إلى إعادة تحقيق ضربة معلم بتوفير شروط حضور جلالة الملك باحترام شروط انعقاد قمة ناضجة ومسؤولة وعاقلة.. ويتسائل الجماهري في آخر المقال، والآن: هل الأمل ممكن في حد أدنى عربي ؟ والآن : هل الأمل ممكن في قرارات تملك مقومات الأجرأة والتطبيق على أرض الواقع؟ والآن : هل هناك حياة للجامعة العربية بعد القمة؟ إن التوافق حول جدول الأعمال لا يعني نجاحها، كما لم يكن تحديد تاريخ القمة من قبل دليلا على قيمة الحضور فيها؟ والمستقبل دخل الغموض النهائي.. وسقط في يد الجزائر محتضرا !