من مصلحته إثارة نقاش مغلوط حول وضعية المجلس الوطني للصحافة؟ مبرر هذا السؤال، هو أن هناك من يريد تحريف النقاش الحقيقي، حول مشاكل الصحافة، ويختزل تحديات هذه المهنة في "الآجال القانونية" لانتخابات هذا المجلس. من هم هؤلاء الذين يمتهنون هذا النقاش؟ إنهم الأقلية داخل المهنة وتنظيماتها التمثيلية، لأن أغلبية الهيآت الممثلة لهذه المهنة تعتبر أن الإشكال ليس في الدعوة لانتخابات المجلس من عدمها، بل في قضايا أخرى أكثر أهمية، وعلى رأسها مدونة الصحافة والنشر التي تضم قانون الصحافة والنشر والقانون الأساسي للصحافيين المهنيين والقانون المحدث للمجلس،التي تحتاج إلى مراجعة شاملة. بدل أن ينصب النقاش على الإصلاحات الضرورية، التي فشلت الحكومة التي كان يرأسها حزب العدالة والتنمية، في أن تكون مجدية لتطور الصحافة المغربية، تحاول الأقلية، المشكلة من بعض الناشرين، محسوبين على رؤوس الأصابع، توجيه الأنظار نحو المجلس الوطني للصحافة. الإشكالات الحقيقية، التي ينبغي أن ينصب عليها النقاش، هي هل المدونة التي وضعها وزير العدالة والتنمية، مصطفى الخلفي، صالحة الآن؟ ما هو مؤكد من خلال مواقف أغلب الهيآت الكبرى، التمثيلية للمهنيين، ومن التجربة الملموسة، لتطبيقات القوانين المؤطرة للصحافة والصحافيين، أن الوزير الأصولي أخطأ كثيرا، ذلك بشهادة هذه الهيآت المهنية، عندما دفع بحركات إستعجالية إلى المصادقة على قوانين، تعتبر من أخطر وأدق التشريعات. النتيجة هي أننا أمام قوانين، تحتوي على تناقضات كثيرة، كان من الممكن تشذيبها، غير أن الوزير كان على عجلة من أمره، لضمان منصب جديد في الحكومة، ساعده المستفيدين من ولايته، الذين كان يهمهم ضمان مكتسبات ريعية كبيرة. من لا يعرف ما الذي راكمه أحدهم، خلال ولاية الخلفي، من أموال، بدون احترام أية مسطرة قانونية لتوزيع الدعم، وهو ما رصده تقرير المجلس الأعلى للحسابات، بكل وضوح. ما يحصل اليوم ليس إلا امتدادا لهذا المسار، فبقايا الخلفي تحاول أن تحور النقاش عن مساره الجدي، أي عن الضرورة القصوى لإدخال تعديلات جوهرية على القوانين التي تهم الصحافة والصحافيين، من أجل تقوية هذا القطاع وإنقاذه من الأزمة والتسيب اللذان يتهددانه. ما يهم بقايا الخلفي هو إرضاء غرور شخصي، أي الطموح الجامح للسيطرة على المجلس المذكور، ضاربين عرض الحائط بأية إصلاحات ضرورية. أغلب التنظيمات الكبرى التمثيلية للمهنة تعتبر أن الأسبقية يجب أن تعطى للإصلاح، لأنه لا يعقل أن تسبق العربة الحصان، فقانون المجلس الوطني للصحافة محتاج قبل أي قانون آخر للإصلاح، فكيف يعقل أن تنظم انتخابات جديدة للمجلس، ثم يعاد فيه النظر بعد شهور؟ أليس هذا منتهى العبث؟ هذا هو النقاش الحقيقي، ما عدا ذلك، ليس إلا تغليفا لطموحات شخصية، بشعارات "ديمقراطية" رنانة، من قبيل "تنظيم انتخابات"... من طرف من عاش في الريع واستفاد منه طيلة مساره.