لم يسبق للجسم الصحافي المغربي أن قال نعم لقانون صحافة معدل مقدم من طرف الحكومات المتعاقبة، بل إن كل التعديلات التي أدخلت على قانون الصحافة خلال سنوات الرصاص كانت تراجعية، والغريب أنه حتى مع حكومة التناوب الأولى التي قادها السي عبد الرحمان اليوسفي، والتي رفعت شعار الإصلاحات الرمزية الكبرى التي لا تكلف خزينة الدولة شيئا، لم تستطع إلى إصلاح الإعلام سبيلا، وقد وجد وزير الإعلام حينها ذ. العربي المساري نفسه في حيص بيص سواء مع المدراء المسيرين للإعلام العمومي والقادمين من وزارة الداخلية أو مع قانون الصحافة الذي قدم استقالة مكتوبة بصدده لليوسفي نظرا لعدم قدرته على تمريره، في حين مرّ قانون آخر معيب سنة 2002، وقد تمت المصادقة عليه بالإجماع. مع حكومة إدريس جطو كان المهنيون على وشك التوافق على نص متقدم نسبيا، وهو ما لم يحصل للأسف، وانتظرنا مسلسل ما عرف بالربيع العربي لنصل إلى دستور 2011، حيث ترافع المهنيون بخصوص قضاياهم أمام لجنة المانوني، وصدرت ثلاث مواد في الوثيقة الأسمى تهم ضمان حرية الصحافة ومنع الرقابة القبلية على الصحف، والتنصيص على التنظيم الذاتي للمهنة وعلى الحق في الوصول إلى المعلومة.
ووصل السيد مصطفى الخلفي إلى وزارة الاتصال وقد كان عضوا في الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، وبدا وكأن المشكل القانوني في المغرب قد دقت ساعة حلِّه، إلا أن دروب السياسة الوعرة جعلتنا ننتظر 3 سنوات قبل أن تتوضح معالم إصلاح مدونة الصحافة والنشر التي مرت من مراحل متعددة، أهمها اللجنة العلمية، وكان رئيسها هو ذ. العربي المساري وضمت شخصيات وازنة على رأسها ذ. مشيشي العلمي.
وإذا كان الخلفي قد قدّم السبت المنصرم ملامح مسودة مدونة الصحافة أمام المهنيين ببيت الصحافة في طنجة، فهذه خطوة محمودة، والنقاش الذي أعقبها تميز بالهدوء والتروي. وللحقيقة فإن المسودة التي قدمت للمهنيين قبيل العطلة الصيفية كانت مليئة بالثغرات والعيوب، وقد قدّمت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف 120 تعديلا على 130 مادة تتضمنها مسودة قانون الصحافة وحدها، وقدمت النقابة 3 مذكرات على ما أعتقد، وقدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان مذكرته، وحتى إن بدا في لحظة أن حلم التوافق على حد أدنى من قانون ضامن لحرية الصحافة ولحقوق المجتمع أمر بالغ الصعوبة، فإن تفاعل الوزارة مع المهنيين كان على العموم إيجابيا، وتمت إعادة صياغة حسنت النصوص، كما تم سحب المستحدثات التراجعية، ومنها للتمثيل لا الحصر رفع درجة مسؤولية الطابعين ليتحولوا إلى مراقبين لمضمون الصحف، أو النشر الأوتوماتيكي لأحكام الإدانة بموجب قانون الصحافة، بل كانت هناك نقاط إيجابية جديدة، وعلى رأسها إمكانية تقديم إثباتات من طرف المشتكى به طيلة أطوار دعاوى القذف، وحماية المصادر الصحافية اللهم إلا في ما يتعلق بأمن الدولة الداخلي والدفاع الوطني.
ولكن النقاط الخلافية ماتزال موجودة، والمهنيون لا يعرفون سببا للتلكؤ فيها، ومنها ضرورة إخضاع جميع قضايا الصحافة لقانون الصحافة، فلا يعقل أن نستثني مثلا الثوابت الثلاثة التي ظلت ضمن مواد قانون الصحافة منذ أن كان، وسنضطر حسب مسودة المشروع الحالي في حالة خطأ مهني يتعلق بقضية الصحراء مثلا أن نذهب إلى القانون الجنائي، إن هذه القنطرة بين قانون الصحافة والقانون الجنائي نشاز في كل بنيان مسودة مدونة الصحافة الحافلة بالإيجابيات، فإذا ترك قانون الصحافة لقضايا الصحافة خالصا مع تحسينه بناء على روح الدستور والمعايير الدولية وملاحظات المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمهنيين، فإن هذا الإصلاح سيُسجِّل للمغرب كواحد من الخطوات الرمزية القوية المعززة لمسلسل الانتقال الديموقراطي، ولا يحتاج هذا إلا إلى خطوة جرأة زائدة، عندما ستنضاف إلى جرأة إنشاء المجلس الوطني للصحافة، الذي يتكلف فيه الزملاء ب "حراسة" أخلاقيات المهنة، فإننا يمكن أن نأمل في تعزيز الحرية في بلادنا وخلق ظروف تطور الجودة في المنتوج الإعلامي والتحالف من أجل تحصين مهنة الصحافة التي لها مسؤوليات جسام سياسية ومجتمعية ولكن تراكمت عليها أعطاب ذاتية وموضوعية آن الأوان لكي تصلح.