غريب كيف دخلت الجزائر في الأسابيع الأخيرة في حالة استعطاف وتسول صارخين للقادة العرب من أجل إنقاذ القمة العربية المرتقبة في بداية شهر نونبر القادم بالجزائر. فقد ارتدت معطف الدولة المسالمة الملتزمة بمبدأ الحياد في "قضية تهم فقط المغرب والبوليساربو"، على حد قول الرئيس عبد المجيد تبون، وتحاول تقديم نفسها على أنها الدولة التي لا شأن لها بقضية الصحراء، وتعمل ضمن مبادئ حسن الجوار، على ترجيح التفاهم على التصادم. الغاية من هذا الانقلاب التكتيكي من الضد إلى الضد هو استعطاف القادة العرب من رؤساء وملوك للمشاركة الشخصية في القمة العربية التي تريدها قمة "للم شمل العرب"، متناسية أن لمّ الشمل العربي يقتضي أول ما يقتضيه احترام الوحدة الوطنية للدول العربية ورفض كل ما يمكن أن يؤدي إلى التقسيم أو إلى المس بالمصالح العليا لأي عضو من أعضاء الجامعة العربية. واحترام الوحدة الوطنية للدول العربية يقتضي من الدولة المضيفة أن تعمل خلال القمة المرتقبة على وضع بيانات تفصيلية عن كافة البلدان العربية بأعلامها الوطنية وخرائطها الجغرافية كاملة غير مبتورة على البوابات الإلكترونية لكل وفد من الوفود المشاركة. خرائط كما تقرها الجامعة العربية الحاضنة للوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه. وليس اعتباطا أن وجهت جامعة الدول العربية قبل سنتين مذكرة إلى جميع المنظمات والهيئات المنضوية تحت لوائها، شددت فيها على ضرورة إبراز خريطة المملكة المغربية كاملة، بما يشمل الأقاليم الجنوبية. غير أن لمّ الشمل العربي بمفهوم محور الشر ويضم الجزائروإيرانوسوريا وبدرجة أقل تونس، يعني الإبقاء على اختلاف المواقف والرؤى بين الدول العربية في العديد من القضايا وأهمها القضية الليبية التي تعرف دعما جزائريا وتركيا قويا لحكومة الدبيبة المنتهية ولايتها على خلاف مصر التي ترفض هذا التوجه جملة وتفصيلا، وترفض أن يملي طرف ثالث حلولا كيفما كان نوعها على الشعب الليبي. ويتجلى الدعم الجزائري لحكومة ليبية غير منتخبة، في الاستقبال المتميز الذي خصت به السلطات الجزائرية عبد الحميد الدبيبة لدى زيارته قبل ثلاثة أشهر للجزائر، حيث كان في مقدمة مستقبليه رئيس الحكومة ووزير الخارجية والداخلية بالإضافة إلى رئيس الأركان العامة، كما حظي باستقبال رسمي من الرئيس عبد المجيد تبون الذي طمأنه على أنه لن يحدث تطبيق أي حل سياسي في ليبيا من دون استشارة ومشاركة جزائرية. مثل هذا التوجه أدانته مصر في عدة مناسبات كان آخرها انسحاب الوفد المصري برئاسة وزير الخارجية من الجلسة الافتتاحية لمجلس وزراء الخارجية العرب،احتجاجا على ترؤس وزيرة خارجية ليبيا للجلسة، علما أن ولاية حكومة عبد الحميد الدبيبة قد انتهت. لمّ الشمل العربي بمفهوم محور الشر هو أيضا السعي إلى استصدار توصية من القادة العرب تدعو إلى عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية في ظل غياب التوافق العربي حول هذه المسألة. ويأتي المسعى الجزائري تحت تأثير الإيديولوجيات الاشتراكية الزائفة المشتركة بين البلدين، وقبل شهرين من توجيه الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة مع "روسيا اليوم" نقدا لاذعا لجامعة الدول العربية، معتبرا أن عودة سوريا إليها "مسألة شكلية". لمّ الشمل العربي بمفهوم الدولة المضيفة هو السعي وبتنسيق مع حليفتها إيران، تضمين البيان الختامي صيغة مستلطفة تجاه الدولة الفارسية وتجنُّب الإشارة إلى الأعمال التخريبية التي تقوم بها في المنطقة العربية عبر الدعم المتواصل لمليشياتها في العراقوسوريا ولبنان واليمن. وأيضا في المنطقة المغاربية التي تبحث فيها إيران عن موطئ قدم في الغرب الإفريقي، علما أنها ما فتئت تقوم، وبشكل منتظم، بتزويد جبهة البوليساريو بأسلحة متطورة والإشراف على معسكرات تدريب عناصرها. ومن هنا يمكن فهم ترحيب إيران، الدولة الإسلامية الوحيدة، بقرار الجزائر قطع علاقاتها مع المغرب. لمّ الشمل العربي بالمفهوم الجزائري هو الانحياز لإثيوبيا في خلافها مع مصر والسودان بشأن سد النهضة ورغبتها في صياغة بيان لا يحمّلها المسئولية فيما يخص التملص من المفاوضات واتخاذ مواقف أحادية تضر بمصالح مصروالسودان بشأن النزاع المائي مع إثيوبيا. وترى القاهرة أن الجزائر تساعد إثيوبيا كأداة ضغط على مصر، خاصة بعد المعاملة الخاصة التي حظي به الوفد الإثيوبي أثناء الاحتفالات بذكرى استرجاع استقلال الجزائر. ومن هنا فإن لم الشمل العربي لا يمكن أن يتم في ظل اختلاف الرؤى والمواقف بين الدول العربية، بل يستدعي التوافق على مجموعة من القضايا والملفات التي يمكن اعتمادها لترتيب البيت العربي. وفي قراءة أولية لكواليس التحضير للقمة المقبلة، يتجلى واضحا أن المنحى النزاعي يأخذ السبق على المنحى التصالحي، ويسير في اتجاه فرض مجموعة من الأجندات مثل الأجندة السورية والإيرانية والإثيوبية ضدا على غالبية المواقف العربية. ومن غرائب الصدف أن الجزائر حاضرة في كل النزاعات والخلافات العربية. حاضرة بقوة في النزاع مع المغرب حول قضية الصحراء المغربية، وفي النزاع مع مصر حول القضية الليبية، وفي النزاع مع السودان ومصر في قضية سد النهضة، وفي خلاف مع عدد من الدول العربية في القضية السورية وفي الموقف الداعم بشكل ارتجالي لخط المقاومة الذي تمثله حماس والجهاد الإسلامي وتُمليه الراعية إيران. وكل هذا من أجل استعادة دورها في المنطقة بعد غياب دام أزيد من ثلاثين سنة. والمغرب الذي قد لا يرى مانعا من المشاركة في القمة على أعلى مستوى إذا كانت ستكرس فعلا التضامن العربي، وتمهّد للتعامل بإيجابية مع المبادرات المتتالية للملك محمد السادس، ومع نداءات الحوار التي أطلقها من أجل بناء جسور الثقة بين البلدين والبحث في مستقبل ومصير العلاقات المغربية الجزائرية والعلاقات المغاربية بشكل عام.