الجو بارد جدا ، الحرارة وصلت إلى 17 درجة تحت الصفر، عاصفة ثلجية لم تشهد لها الساكنة مثيلا منذ الستينات ، حسب ما صرح لنا به احد المواطنين ، أقسام بنوافذ مفتوحة طيلة السنة صيفا وشتاء ، خشب التدفئة منعدم في مختلف المؤسسات التعليمية ، انقطاع الطريق في وجه حركة المرور بسبب كثافة الثلوج وعلوها الذي تجاوز المتر في بعض الأماكن ، الشيء الذي تسبب في الانقطاع التام للمنطقة عن العالم الخارجي بكامله ... هذه الوضعية ليست وصفا او سيناريو مفبرك لمشهد من مشاهد سيبيريا في احد أفلام سينما هوليود أو من نسج الخيال ، إنما هي واقع حي حقيقي يعيشه أبناء منطقة ايت بوكماز بالأطلس الكبير إلى جانب إخوانهم في مناطق جبلية كثيرة من هذا الإقليم المغضوب عليه اوالذي أريد له أن يكون كذلك . وما هذا كله إلا غيض من فيض من الظروف المناخية والطبيعية القاسية التي اجتاز فيها تلاميذ وتلميذات منطقة ايت بوكماز امتحانات الاسدس الأول من السنة الدراسية الحالية ، تنضاف إليها الوضعية الاجتماعية البئيسة ( ملابس متهرئة ، أحذية بلاستيكية بدون جوارب ...) التي يعيشها اغلب المتعلمين والمتعلمات بسبب الفقر الذي شيد له قصورا من المرارة والبؤس والإحباط في واقعهم بل وحتى في مخيلتهم أيضا. لقد كان من المقرر أن تبدأ الحصة الأولى من الامتحانات على الساعة الثامنة صباحا، إلا أن التلاميذ لم يلتحقوا بالمدارس إلا عند التاسعة بسبب الظروف الجوية المذكورة أعلاه ، رغم ما تكبدوه من عناء الوصول إلى المؤسسات وما رافق ذلك من معاناة أخرى داخل الفصل ، إذ كان يستعصى على جلهم التحكم في الأقلام بسبب البرودة المفرطة ... وتجدر الإشارة إلى أن هذه الامتحانات تمت بشكل مستمر ودون انقطاع اللهم بعض الدقائق الخاصة بالاستراحة ووجبة الإطعام المدرسي الغنية عن الوصف وكل تعليق ، والتي اقتصر عليها التلاميذ الى جانب بعض الأطر التربوية كذلك ، ليس طواعية ولكن لأنهم لا يستطيعون العودة إلى منازلهم جراء العواصف الثلجية القوية التي استمرت لمدة تجاوزت يوما ونصف . في الفترة المسائية بدأت أعداد كبيرة من الآباء والأمهات تلتحق بالمؤسسات التعليمية بغية الاطمئنان على سلامة وحياة فلذات أكبادهم وقصد مرافقتهم إلى بيوتهم بعد الانتهاء من الامتحانات والصوراسفله تغني عن كل تعليق. وفي حوار مع بعض الآباء والأمهات – بتزامن مع تساقط الثلوج - أكدوا لنا وبامتعاض كبير وحرقة اكبر ، أنهم يحسون أن أبناءهم لم يعد لهم مكان في المدارس العمومية وان مستقبلهم أصبح في مهب الريح بسبب السياسة الاقصائية المقصودة التي تنهجها الإدارة الوصية ضد المناطق القروية بشكل عام وايت بوكماز بصفة خاصة . متسائلين: لماذا التمييز بين أبناء الفقراء وأبناء الأغنياء في الحقوق الاجتماعية وغيرها ؟ خاصة وان الدستور المغربي المستورد يكفل مبدأ المساواة الاجتماعية بين مختلف شرائح المجتمع ؟ ألا تستحق مثل هذه المناطق في إقليم ازيلال التفاتة ولو بسيطة تجعل الساكنة المحلية تحس بالمواطنة وبانتمائها لهذا البلد خصوصا في فترات الشتاء الباردة أم أن السلطات الوصية تنتظر حتى تحصل كارثة على منوال ما حصل بانفكو الصامدة صمود أبناء غزة في وجه الاحتلال ؟ ألا يستحق هؤلاء التلاميذ ولو تزويدهم بخشب للتدفئة كأقل ما يمكن تقديمه لهم ؟ تساؤلات وعلامات استفهام كثيرة عبر من خلالها سكان المنطقة بكل عفوية وتلقائية عن احتياجاتهم الأساسية التي تكفل لهم حقهم في الحياة – البسيطة فقط كما صرح بذلك احدهم- والعيش بكرامة إلى جانب إخوانهم في مناطق أخرى. والى حين التفات احد المسؤولين محليا أو جهويا أو وطنيا إلى وضعية هؤلاء التلاميذ وآبائهم والساكنة كلها ، لا يزال الحال على ما هو عليه إلى حين تدخل احد الأطراف لرفع الحيف الذي يطالهم أو صدور قرار آخر ينسخ الوضع الحالي ،يبقى التلاميذ كل سنة يجتازون الامتحانات على نغمات وإيقاعات البرد القارس والعواصف الثلجية في غياب اي التفاتة ولو بخشب التدفئة . نورالدين حنين [email protected] إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل