أكد مولاي اسماعيل بصير أن الدورة 43 للندوة الدولية التي تنظمها زاوية الشيخ سيدي ابراهيم البصير تحت شعار 'حقوق الإنسان بين الحقيقة و الاستغلال' أيام 17 و 18 يونيو الجاري تخليدا لذكرى الشهيد محمد بصير لانتفاضة زملة بالعيون سيحضرها ضيوف أجانب عددهم 25ضيفا من الجزائر و السودان و بوركينافاسو و سوريا و إسبانيا و أمريكا و الهند و علماء المغرب إلى جانب 140 مدعو من مختلف قبائل الجنوب بالصحراء المغربية و أضاف أن اختيار شعار هذه الدورة لم يأت من فراغ خصوصا و أن القنصلية الإسبانبة رفضت شهر نونبر 2012تسليمه و أخوه عبد المغيت تأشيرة الدخول إلى أراضيها من أجل تنظيم محاضرة تخص قضية الشهيد بكلية وسط مدريد و يأتي هذا القرار بعدما أعلنت الأسرة نيتها مقاضاة إسبانيا و معلوم أنه كان أول دخوله إلى الصحراء عبر بوابتها الكبيرة مدينة طنطان، وكان ذلك رفقة أخيه مولاي على بصير الذي كان يتردد بصفة مستمرة على الصحراء المغربية المحتلة لزيارة الأهل وخاصة أبناء العم الولي الصالح سيدي محمد البصير بن سيدي مبارك البصير الذين استوطنوا بالقرب منها وقتئذ . يقول الفقيد محمد بصير: "وصلت إلى طانطان مع الأخ مولاي علي، ورغم أنها المرة الأولى التي أزور فيها الصحراء..." كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فكان طبيعيا في البداية أن ينهج نهج سلفه الصالح الذين عرفوا بطبعهم الاجتماعي والانسجام التام في كل بلد حلوا به، لذلك لم يشعر بأنه غريب منذ الوهلة الأولى يقول واصفا شعوره خلال مقامه بين بني عمومته:" ورغم أنها المرة الأولى التي أزور فيها الصحراء، فقد أحسست أنني أعرف كل كبيرة وصغيرة هنا، أعرف كل الناس وكل البيوت ولم أشعر بأية غربة أو انعزال" وما إن أنس من أهل الصحراء أمانا حتى بدأ في تعبئتهم وتوعيتهم بالواجب المقدس الذي رحل من أجله، وقد وجد صدى طيبا لدى النفوس الشريفة وبعث فيه روحا جديدة وأنار أمامه السبل يقول الفقيد:" حدثت كثيرا من الإخوان عن هدف رحلتي إلى الصحراء ورحبوا بالفكرة وتحمسوا كثيرا، إن هذا أول تشجيع لي، ولقد بدأت تتضح أمامي سبل العمل وطرقه". وما لبث أن غادر مدينة طنطان إلى مدينة السمارة يقول:" سوف نغادر طنطان مع إحدى القوافل الصحراوية بحول الله الخميس القادم" وعلى عادته لا يرغب في فصم عرى هذا التواصل بينه وبين إخوانه في الداخل لذا ترجي أخاه أن لا يبخل عليه بالكتابة إليه يقول الفقيد:" أرجوا أن تكتب إلي، إنني في أشد الحاجة إلى كتاباتك ورسائلك وآرائك، المخلص بصير". لقد تزامن حلول الفقيد محمد بصير بالسمارة مع تنامي الشعور الوطني الصحراوي، الذي خلق تحديا للاستعمار مثل ما حدث لأغلب الحركات الوطنية خلال الستينات والسبعينات، وقد شعرت السلطات الاستعمارية الإسبانية بوجود حركة غير عادية في البلاد، فشرعت في تتبع خيوطها لمضايقة متزعمها، إلى أن تبين لها أن فتى قادم من أرض العدو لا يذكر المستعمر بخير، وأنه ما حل هنا إلا لاجتثاث جذوره حتى لا يبقي له قرارا، فنسف مخططاتها إذ جمع الناس حول دروس محو الأمية للقضاء على سياسة التجهيل، وتعليم الناس أمور دينهم لتنفيرهم من التنصير، وإشعارهم بأن لهم انتماء لا يمكن مسخه ما دام لهم ارتباط وطيد بوطن مسلم غيور عليهم، تربطهم به أسس البيعة الشرعية، وشددت عليه الخناق حينما علمت بأن له انتماءه أسريا -لعائلة آل البصير يحظى باحترام أهل الصحراء قاطبة لأنهم ما جربوا عنهم كذبا قط في قول ولا عمل، وزاد من تشديد وطأتها عليه اتهامهم لآل البصير قاطبة أنهم يعملون في دعوتهم لصالح مغربية الصحراء. لقد شابه الفقيد محمد بصير سلفه الصالح الممتثلين قول الله تعالى: ﴿ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين﴾ وقوله تعالى: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن﴾ مقتفين سيرة جدهم المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه ربه: ﴿ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر﴾ فالتفت حوله قلوب الناس قبل أجسادهم من كل القبائل الصحراوية لأنهم يدركون تمام الإدراك مكانة هذا القادم ومنزلته فيهم. إن دخول الفقيد محمد بصير إلى مدينة السمارة يعتبر بداية خطوة جديدة في تاريخ الصحراء النضالي والتحرري، الذي غير كل المفاهيم والعقليات، وضرب قوة العدو ضربة قوية، أسمعت صوت الصحراء إلى العالم، إن هذه المرحلة هي أم المراحل النضالية القادمة التي زعزعت إيوان المستعمر، فبدأ يراجع حساباته الخاطئة طوال هذه المدة التي قضاها جاثما على صدر الصحراء المغربية. ويصف الفقيد عمله في هذه المرحلة قائلا :"ها أنا في قلب المعركة أبلغك سلام وتحيات الأهالي والأصدقاء، مجموعة الشبان الذين كنا نسمع عن بطولاتهم يبلغونك السلام، إن أهالينا صامدون، كما لم نتخيل، واعُون بكل شيء، لقد اجتمعت بعدد كبير من شيوخ الصحراء وشبابها وأعضاء الجمعية وكلهم ناقمون على الوجود الاستعماري ببلادنا، حققت معي السلطات العسكرية مرتين...وبدأت في تنفيذ الخطة من أولها، إن قيام تنظيم حزبي علني لتحرير الصحراء وعودتها إلى الوطن غير ممكن لسببين : الأول: هو مراقبة السلطات الإسبانية ومنعُها لأي نشاط سياسي على الإطلاق، والثاني: هو تردد الإخوان هنا في العمل مع حزب مباشر علني، إنهم يفضلون ومستعدون للعمل في تنظيم سري وذلك ما باشرته في الحال. فقد اجتمعت مع عدد من الشبان وأطلقنا على هذا التنظيم [الحركة الوطنية لتحرير الصحراء] ولا أخفيك أنني معجب لوعي إخواننا هنا وسرعة حماسهم وإدراكهم للعمل، فقد كبر عدد المنخرطين بشكل مدهش، إلا أننا نرى أنه لا ضرورة لتوزيع مناشير سرية، وأن ذلك يعطي إشارة للقوات الإسبانية وقد تتبعنا، لدينا كمية من السلاح الصحراويون بالمناسبة لا يتنازلون عن سلاحهم أبدا، تنقصنا أشياء كثيرة منها الكتب إنني لا أكاد اعثر على كتاب اقرأه، فقط نتسلى بإذاعة حسن الداودي، إنه شيء غريب فعلا، وقد اجتمعت به وبلغته الرسالة". من خلال قراءة هذه الرسالة يمكن أن نستنتج : أنه بعد عملية اكفيون التي كانت تهدف إلى القضاء الكلي على جذور المقاومة الصحراوية، هذه المقاومة التي ظلت بالمرصاد للاستعمار الذي لم يهدأ له بال طوال فترة احتلاله للصحراء المغربية، حيث كانت العمليات الجهادية تنطلق مستهدفة مواقع الاحتلال أينما وجدت، وبقي عمل المقاومة على هذا الحال، إلى أن وصل الفقيد محمد بصير إلى المنطقة لم يعجبه النهج الذي سلكه الاستعمار الإسباني حيال المطالبين برجوع الصحراء إلى الوطن الأم، فرأى أنه من الأليق تغيير المعادلة النضالية، لينقل المقاومة الوطنية الصحراوية إلى مرحلة جديدة من الكفاح الوطني الذي أعطى فيه للنشاط السياسي الدور الأول، فإليه يعود الفضل في تأسيس أول حزب سياسي صحراوي ذو توجه وطني أصيل، أطلق على تسميته "الحركة الوطنية لتحرير الصحراء" سنة 1966 والتي عرفت أيضا ب" الحركة الطليعية لتحرير الصحراء" أطلقت عليها السلطات الاستعمارية الإسبانية "حزب المسلم" لأن مؤسسه زعيم وطني عربي النسب مسلم الديانة شديد التمسك بوطنه ودينه، وتتكون القيادة من ستة أفراد وهم: "محمد بصير سيدي إبراهيم أمينا عاما، وعبد الحي ولد سيدي أمحمد أمينا عاما مساعد، سيدي لبصير أمين الصندوق، مولاي أحمد ولد بابا،سلامة المامي، وأحمد محمود أمينا للمراسلات". وهكذا حاول الفقيد محمد بصير أن يجمع حوله الشباب المومن بقضيته الوطنية العادلة، فتجمع حوله جم غفير من الشباب والشيوخ الذي كان له الفضل في محو عار الأمية عليهم و بث روح الجهاد ضد المستعمر بجمع الأموال لتسليح الشعب، حصلت إثرها القيادة في العيونوالسمارة وبير أم كرين على أسلحة مختلفة تقرر استعمالها في الوقت المناسب، وقد شعرت السلطات الاستعمارية بوجود حركة غير عادية في البلاد، وتحركت أجهزة المخابرات لتتبع " حركة الوطنية " إلا أن الحركة ظلت سرا وأمانة عند جميع السكان رغم القبض على عدد من الشبان. كما كان على اتصال دائم بالطلبة الصحراويين بمدينة العيون للإعداد الجيد وتوعية الجماهير لاستقبال الأفكار الجديدة للحركة. وما إن دخل شهر يونيو من سنة 1970 حتى اكتسحت الحركة جل ميادين الحياة وحتى العاملين من أبناء الصحراء بأجهزة المستعمر، في هذه الأثناء خرج الفقيد محمد بصير من مدينة السمارة خائفا يترقب، لأن عيون المستعمر تراقبه عن كثب إلى أن دخل مدينة العيون لكنه دخلها على حين غفلة من المستعمر فوجد الأشبال الصحراويين على أهبة الاستعداد لأي عمل نضالي قد يقرره الزعيم، وقد صادف دخوله استعداد السلطات الاستعمارية لإقامة مهرجان دعائي ضخم بحي الزملة، غايته الترويج للسياسة الاستعمارية في المنطقة، ومحاولة كسب التأييد الشعبي لبقاء الصحراء المغربية مندمجة مع الدولة الإسبانية، وفي يوم الموعد خرجت حشود الأباة الغيورين على دينهم ووطنهم في مظاهرة سلمية رافضة لكل مساومة ومزايدة، جابهتها القوات الاستعمارية بإطلاق النار على الجموع عشوائيا، تسبب عنه انتفاضة 17 يونيو 1970، التي تحولت إلى مجزرة رهيبة، وتم اعتقال عدد كبير من الشباب والشيوخ، وقد راح ضحيتها الأول الفقيد محمد بصير ولد سيدي إبراهيم الذي ألقي عليه القبض مع مجموعة ممن كانوا معه والذين سيقوا إلى سجن العيون، وللتذكير فقد أشارت إلى هذا الحادث مجموعة من الصحف الوطنية والدولية آن ذاك، وعلى رأسها صحيفة العلم التي أثارت انتباه الحكومة المغربية إلى هذه الواقعة المسماة بانتفاضة الزملة وذكرت قائدها الفقيد محمد بصير ولد سيدي إبراهيم. ولكن ما مرت خمسة عشر يوما على اعتقاله حتى انقطع خبر وجوده بسجن العيون، في الوقت الذي كانت إحدى قريباته تزوره وتزوده بما يحتاج إليه وهي عيشة بنت سيدي الحنفي ولد سيدي محمد البصير شقيق سيدي إبراهيم البصير والتي لا زالت على قيد الحياة. ولدفع التهم عن الحكومة الإسبانية بادرت هذه الأخيرة بإشاعة خبر فرار الفقيد محمد بصير من السجن، وذلك عن طريق توزيع صوره في الشوارع وتعليقها على الجدران الشيء الذي زاد الطين بلة، ورسخ فكرة تمسك الصحراويين به.