في إطار مشروع: “حقوق القاصرات، مسؤولية جماعية”، نظمت جمعية البلسم للمرأة والطفل بشراكة مع منتدى الزهراء للمرأة المغربية وبدعم من وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان الندوة العلمية الحوارية الثانية لتقديم خلاصات الدراسة القانونية والبحث السوسيولوجي حول موضوع: “تزويج القاصرات” وذلك يوم السبت الماضي 7 مارس 2020 بالغرفة الفلاحية بني ملال، شارك فيها عدد من المتخصصين والمتخصصات من قضاة بهيئة قضاء الأسرة وأساتذة جامعيين في علم الاجتماع والنفس ومحامين وعدول وفاعلين مدنيين. وفي كلمة له بالمناسبة أكد محمد يماني ممثل وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، على أهمية هذا اللقاء العلمي الذي يروم تقديم مخرجات الدراسة الميدانية والقانونية بخصوص تحليل المقررات والأحكام القضائية الصادرة في موضوع تزويج القاصرات في المغرب وكذا الدراسة السوسيولوجية بخصوص تزويج القاصرات واللتان تم إعدادهما في إطار مشروع الشراكة برسم سنة 2019. وأضاف خالد يماني أن هذا النشاط يأتي في سياق إعلان وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان عن طلبات عروض مشاريع الجمعيات تعنى أساسا بالنقاش المجتمعي الذي يستقي مادته من القضايا الخلافية الواردة في التوصية العاشرة من خطة العمل الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان من قبيل عقوبة الإعدام والمصادقة على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والانضمام لاتفاقية منظمة العمل الدولية 87 وبعض القضايا المرتبطة بمدونة الأسرة. ومن جهتها أوضحت أمينة حجي عضوة منتدى الزهراء للمرأة المغربية أن موضوع تزويج القاصرات يعد من بين القضايا التي كثر حولها النقاش وهو من القضايا الخلافية داخل مجتمعنا في الوقت الراهن، بين مُطالب بالإلغاء ومُطالب بالتعديل، مبرزة أن منتدى الزهراء يشتغل على مثل هذه القضايا الخلافية بمقاربة علمية قصد بناء تصور ورأي علمي بعيد عن الانطباع أو العاطفة. وأضافت حجي أن مدونة الأسرة المغربية نصت على أن سن الزواج القانوني هو 18 سنة شمسية، وتركت المجال بصفة استثنائية لقاضي الأسرة بالإذن بزواج من هُنّ دون ذلك بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب وفق شروط وإجراءات حددتها المادة 20 من المدونة. غير أن الممارسة والتطبيق العملي لهذه المادة تضيف حجي نحت في اتجاه تحويل هذا الاستثناء إلى شبه قاعدة، حيث أن المعطيات التي ترصدها وزارة العدل تشير إلى وجود نسبة مهمة من طلبات الإذن بتزويج القاصرات تقترب إلى 40 ألف طلب سنويا، والأكثر من ذلك أن هناك تطورا ملحوظا في نسبة الطلبات من سنة إلى أخرى إذ انتقل العدد من 30312 طلب سنة 2006 إلى 43508 طلب سنة 2013، كما أظهرت الإحصائيات كذلك أن أغلبية هذه الطلبات المقدمة يستجاب إليها فمن أصل 43508 طلب مثلا سنة 2013 تمت الاستجابة إلى 37183 طلب. وأشارت عضوة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، أن بعض الدراسات الميدانية كشفت أنه يتم اللجوء في كثير من حالات زواج القاصرات إلى التحايل على النص القانوني والتلاعب في الخبرة الطبية، وكذا البحث الاجتماعي والذي يعتمد فقط على أقوال القاصر والولي، أو اللجوء إلى الزواج بالفاتحة، وعند حدوث الحمل يتم اللجوء إلى مسطرة ثبوت الزوجية. وفي ذات السياق أكدت فطومة ميزاك رئيسة جمعية البلسم للمرأة والطفل أن موضوع تزويج القاصرات يمس شريحة عظيمة من بنات مجتمعنا، ولمقاربة هذا الموضوع من الزاويتين القانونية والسوسيولوجية قامت الجمعية باستدعاء مجموعة من الأساتذة والأستاذات من هيئة قضاء الأسرة وأساتذة علم الاجتماع والنفس وهيئة المحامين والعدول وممثلي المجتمع المدني. هذا وقد قدم الطالب الباحث مصطفى بن زروالة ملخصا للدراسة الميدانية حول “زواج القاصرات أسبابه وتأثيره على الفتاة والأسرة والمجتمع: دراسة سوسيولوجية” التي أجريت على عينات من المستجوبات بكل من جهتي بني ملالخنيفرةوالرباطسلاالقنيطرة. وأوضح بن زروالة أن موضوع الدراسة ينهل من إشكال اجتماعي عميق متعدد الأبعاد، يهم البناء الأساس للمجتمع المتمثل في الأسرة، مبرزا أن زواج القاصرات وتأثيراته على الفتاة والأسرة والمجتمع هي القضية المركزية والموضوع الأساسي الذي تروم الدراسة مقاربته والاشتغال على تبيان أسبابه وعوامله من جهة وتوضيح أهم تأثيراته على الفتاة والأسرة والمجتمع عموما وذلك من خلال المساءلة الميدانية والاستقصاء الإمبريقي. وأشار إلى أن هذه الدراسة السوسيولوجية تهدف إلى الوقوف على الأسباب الرئيسية المساهمة في خيار زواج القاصرات، وأنه من أجل التوقف على الآثار المختلفة ثقافيا واجتماعيا ونفسيا لهذا النوع من الزواج، وبهدف الخلوص إلى تكوين رؤية واقعية عن موضوع زواج القاصرات تم إجراء هذه الدراسة السوسيولوجية الميدانية حول الموضوع باستعمال تقنية الاستمارة والمقابلات الموجهة والتي همت جهتين هما الرباطسلاالقنيطرةوبني ملالخنيفرة، بحوالي سبع جماعات ترابية وبعينة تقديرية ناهزت 328 مستجيبة، وقد تمت مراعاة مجموعة من المتغيرات في اختيار العينة منها التنوع المجالي، بين القرى والمدن، وكذلك مراعاة متغير الظروف الاجتماعية والمستوى التعليمي وغيرها من المؤشرات الكفيلة بتفسير خيار الزواج دون السن القانوني. وأكد الباحث بن زروالة أنه تم الانطلاق من مجموعة من الفرضيات الموجهة التي تم استخلاصها من الملاحظات الأولية والقراءات في بعض التقارير والدراسات السابقة، واعتمدها بمثابة موجه ومؤطر في البحث الميداني بهدف التحقق من صدقها وصلاحيتها، وقد همت هذه الفرضيات بعض العوامل المساهمة في تزكية زواج القاصر منها ما هو اجتماعي مرتبط بالوضعية الاجتماعية الهشة للعينة المستجيبة، فضلا عن فرضية البعد الثقافي وسيادة التمثلات الثقافية التي تربط المرأة بوظائف تقليدية وتجعل من بيت الزوج المكان الطبيعي لها، ناهيك عن المستوى التعليمي و ما له من دور في تزكية هذه التمثلات، والهدر المدرسي عند الفتاة خاصة القروية بالتحديد. وقد خلصت الدراسة إلى العديد من النتائج التي تؤكد على الفرضيات التي تم اعتمادها خاصة ما يتعلق بالأسباب الرئيسية ومنها المستوى الدراسي للزوجات موضوع الدراسة، المتدني بشكل كبير إذ بلغ عدد المستجيبات اللواتي لم يتجاوزن المستوى الابتدائي 47 % أي ما يعادل نصف العينة، كما بلغت نسبة غير المتمدرسات نسبة تقارب 19 % وأغلبهن من الأوساط القروية، نفس الأمر ينطبق على محيطهم الأسري. ذات الأمر تكرر مع الأسباب الاقتصادية والاجتماعية إذ أن أغلب المشاركات في الدراسة يعانين من عوز مادي وهشاشة اجتماعية، فالأغلبية الساحقة من المستجيبات صرحت بأن دخلها الأسري يتراوح بين 1000 و 3000 درهم وذلك بنسبة 56 % ، كما أنه من بين الأسباب الجزئية القرابة الأسرية، والطابع المحافظ للمحيط الاجتماعي وبعض الحالات المعزولة التي ترتبط بالاغتصاب والحمل خارج مؤسسات الزواج… وفي ما يتعلق بالآثار التي يخلفها هذا النوع من الزواج، خلصت الدراسة إلى أثار إيجابية منها الاستقرار الاجتماعي، استقرار نفسي، بناء الأسرة … بالنسبة لبعض المستجيبات، وأثار سلبية تتراوح بين العنف الزوجي، ارتفاع حالات الطلاق، ضعف القدرة على تحمل المسؤولية، أثار صحية ونفسية بالنسبة للفتاة، وفي بعض الأحيان الحرمان من الحقوق كفتاة وكزوجة.
ومن جهته قدم الأستاذ خالد حجازي محام وباحث في قانون الأسرة نتائج دراسته القانونية حول: “تزويج القاصرات بالمغرب بين النص القانوني وموقف الاجتهاد القضائي دراسة تحليلية مقارنة”، حيث أكد أوضح هذا البحث عمل على دراسة وتحليل المقتضيات القانونية التي تؤطر زواج القاصر وخاصة زواج الفتاة القاصرة، سواء على مستوى القانون المغربي مدونة الأسرة لسنه 2004 أو على مستوى القوانين والتشريعات المقارنة، الأجنبية منها كالقانون الفرنسي والعربية كالقانون التونسي، بالإضافة إلى ذلك تناول البحث أحكام أهم الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي تطرقت لموضوع زواج القاصرات. وأضاف الأستاذ حجازي إلى أن هذا البحث سعى إلى تسليط الضوء على واقع زواج الفتيات القاصرات، نظرا لغلبة طلبات الإناث مقارنة بعدد الطلبات المقدمة من طرف الذكور، وذلك من خلال موقف الاجتهاد القضائي المغربي عبر دراسة وتحليل عينة من الأوامر القضائية الصادرة في الموضوع سواء بالقبول أو الرفض مع مراعاة التنوع الجغرافي للمحاكم. وأشار الباحث أنه إلى جانب ذلك، فقد كانت للمقابلات العلمية مع الخبراء (قضاة، محامون، عدول) مكانة كبيرة، انعكست على محاور البحث والإشكالات التي طرحها، بل وساهمت أيضا في بلورة العديد من التوصيات في الموضوع. و تبعا لما تم اعتماده من خطوات فإن البحث قسم الموضوع إلى محورين، تناول المحور الأول الإطار التشريعي لزواج الفتيات القاصرات بين القانون المغربي والقانون المقارن في ضوء المواثيق الدولية، فيما تم تخصيص المحور الثاني لدراسة وتحليل المقررات القضائية الخاصة بالإذن بزواج الفتيات القاصرات سواء بالرفض أو القبول وختم البحث بخاتمة عبارة عن تجميع الاستنتاجات والخلاصات المتحصلة من البحث وأبرز التوصيات الممكنة. و أكد الأستاذ خالد حجازي أن هذه الدراسة أفضت إلى مجموعة من الخلاصات العامة أولها: أن السمة الغالبة لكل التشريعات المقارنة، أنها تتجه نحو التضييق على تزويج القاصرات، فرغم الاختلاف الحاصل على مستوى زوايا النظر والمعالجة حيث أن كل التشريعات اشترطت بلوغ سن قانوني للزواج، مع الاحتفاظ بإمكانية تزويج الفتاة القاصرة كاستثناء، وثانيها: أن هناك ضعف كبير على مستوى إعمال بعض الوسائل القانونية أثناء بحث ملف زواج الفتاة القاصرة، وخاصة وسيلة البحث الاجتماعي، إذ تكاد تكون شبه معطلة، وثالثها: أن أغلب القضاة مع تزويج القاصرات وهذا يظهر من خلال المعطيات الميدانية فأغلب الطلبات مصيرها القبول. وإن كان الملاحظ أن القبول يهم 17 سنة و16 سنة بحجم أقل.. وخلصت الدراسة إلى عدد من التوصيات: أ- على مستوى مراجعة أحكام مدونة الأسرة: إخراج تزويج القاصرات من دائرة سماح دعوى الزوجية، حفاظا على الطابع الاستثنائي لهذا الصنف من الزيجات؛ التنصيص صراحة على ضرورة تسمية الخاطب وحضوره لجلسات الاستماع التي تعقدها المحاكم، بل وضرورة إجراء بحث اجتماعي على وضعيته المادية والعائلية. الأخذ بعين الاعتبار رأي النائب الشرعي في زواج الفتاة القاصرة، خاصة إذا تعلق الأمر بالأب أو الأم. إلزامية اعتماد السادة قضاة الأسرة على الخبرة النفسية إلى جانب الخبرة الطبية في كل حالة على حدة. إلزامية إجراء السادة القضاة المكلفين بالإذن بزواج القاصر لجلسة مع الفتاة طالبة الإذن دون أبويها أو وليها عموما، فضلا عن جلسة مع الأب وجلسة أخرى مع الأم. ب على مستوى مراجعة أحكام مدونة الأسرة: اشتراط موافقة الأب والأم معا على زواج الفتاة القاصرة، ربط تزويج الفتاة القاصرة بمعدل سن معقول بالنسبة للخاطب بحيث لا يتجاوز 10 سنوات على أقصى تقدير. وهنا يجب ألا يتجاوز فارق سن الخاطب 10 سنوات مقارنة بسن الفتاة القاصرة المراد التزوج بها، فرض عقوبات تأديبية وغرامات مالية رادعة في مواجهة أبوي الفتاة القاصرة في حالة تزويج الفتاة القاصرة رغم رفض القضاء طلبها ؛ ج على المستوى التنظيمي: إعداد مناشير ومراسلات وزارية تحث السادة قضاة الأسرة على مراعاة مصلحة الفتاة القاصرة عبر دراسة أحوالها الاجتماعية والثقافية بحيث لا يكون الإذن إلا في حالة اليتم أو على مستوى التدابير الموازية : تتحمل الدولة لمسؤوليتها في تحصين الفتيات القاصرات، وذلك عبر إجبارية تمدرسهن بالسلك الإعدادي والثانوي؛ إلزامية اللجوء إلى التكوين المهني في حالة عدم القدرة على مواكبة الدراسة؛ تشجيع وتطوير التعليم الجماعاتي أو تمدرس القرب؛ تنزيل منتوج إعلامي عبر الإعلام العمومي -على الأقل- يعنى بالتحسيس والتوعية بخطورة تزويج الفتيات القاصرات، ونوصي في هذا الإطار بتعديل دفاتر التحمل الخاصة بذلك من أجل تقنين إلزامية القيام بذلك. خلق فضاءات للعمل والإنتاج، ومساعدة الأسر الفقيرة حتى لا تضطر للتخلص من بناتها في أقرب فرصة. وفي تصريح للجريدة، أوضحت الأستاذة آمنة حاجي ممثلة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، أن الجمعية تسعى من خلال هذه الندوة إلى تكوين رأي علمي يشارك فيه المنتدى وجمعيات المجتمع المدني لتقديم مقترحات وتوصيات ستسهم في تعديل مدونة الأسرة. وشددت حاجي على أن “تزويج القاصرات” هو موضوع تقاطبات داخل المجتمع المغربي بين جهة محافظة وجهة تستند إلى مرجعية دولية ترى ضرورة منع زواج القاصرات بشكل نهائي، وهو ما دفع المنتدى لإنجاز هذا البحث السوسيولوجي والدراسة القانونية، للتحرر من كل الخلفيات وتكوين رأي علمي رصين مبني على بحث علمي بعيدا عن العاطفة والانطباع. ومن جانبها قالت الأستاذة فطومة ميزاك، رئيسة جمعية البلسم للمرأة والطفل في تصريح للجريدة إن هذه الندوة تأتي في إطار الأنشطة التي تقوم بها الجمعية وفي إطار مشروع تزويج القاصرات، مشيرة إلى هذه الندوة ومن خلال الدراستين القانونية والسوسيولوجية المقدمتين ستساهم في تكوين رؤية واضحة حول هذا الموضوع الذي يستأثر باهتمام غالبية المجتمع المغربي. وجدير بالذكر أن هذه الندوة العلمية الحوارية الثانية من نوعها عرفت مشاركة مجموعة من الباحثين والمهتمين من تخصصات مختلفة منهم الدكتور خالد عاتق أستاذ علم الاجتماع ببني ملال، الدكتورة ابتسام فهيم قاضية بهيئة قضاء الأسرة ببني ملال، الدكتورة غيثة دكراوي قاضية بهيئة قضاء الأسرة ببني ملال، الدكتورة ثورية لمبعد أستاذة جامعية ببني ملال، الأستاذ محمد بوعدود عضو مكتب جمعية المحامين الشباب، الأستاذ عبد الواحد بويتلان عضو هيئة عدول استئنافية بني ملال، الدكتورة ليلى بن سدرين أستاذة التعليم العالي قانون الأسرة بجامعة محمد الخامس بالرباط، الأستاذة بشرى المرابطي أخصائية نفسية وباحثة في علم النفس الاجتماعي، النائب البرلماني المهندس محمد مرزوق، وعدد من فعاليات المجتمع المدني المهتمة بهذا الموضوع.