أصيب المغاربة بصدمة أخرى إثر مقتل السائحتين النرويجية و الدانمركية على يد اشخاص يعتقد أن لهم ارتباط بالمد الداعشي في منطقة إمليل السياحية بإقليم الحوز بجهة مراكش اسفي . الحادث خلف عدة ردود أفعال كلها تدين العملية وتطالب بتأمين المواطنين و الأجانب من العمليات الإرهابية ، لأن الكل أصبح معرضا لخطر الجماعات المندسة بين ثنايا المجتمع تحت غطاء ديني و تدبر القيام بعمليات إجرامية في حق الأبرياء .لقد عاش المغاربة هذه الأفعال الإجرامية التي تتجلى في الاغتيالات من لدن جماعات متأسلمة لأهداف سياسية و أيديولوجية منذ 1975 . و هكذا ظلت أسئلة مطروحة في أوساط مجتمعنا منذ 1975 على إثر اغتيال الشهيد عمر بنجلون إلى الآن و هي : لماذا استمرار المظاهر الإرهابية في بلادنا ؟ من يرعى هذا الإرهاب و يوفر له البيئة المناسبة و البنية التحتية و التغطية السياسية كي ينتعش و يمتد طولا و عرضا في المدن و في القرى ؟ إن هذه الأسئلة تجعلنا نتساءل عن الأبعاد السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و عن كيف الحد من مظاهر الإرهاب في بلادنا ؟ و ما هي الآليات المطلوبة لتجفيف مستنقعات انتعاشه ؟ إن الجواب على هذه الأسئلة يطرح مجموعة من الفرضيات: الفرضية الأولى : الاغتيالات التي عرفها مجتمعنا مردها إلى نزاعات شخصية أو عرفية أو قبلية . الفرضية الثانية : الفقر و الأمية سببان رئيسيان في انتعاش مظاهر الإرهاب ، الفرضية الثالثة : قبل التحقق من ضحة كل فرضية أو عدم صحتها لا بد أولا من التعريف بالإرهاب و ثانيا استحضار المحطات الإرهابية و السياق الذي تمت فيه في بلادنا . 1 مفهوم الإرهاب: لغةً : أ مصدر للفعل الثلاثي “رهب” ومعناه خاف وفزع ورُعِب، فالإرهاب هو الإخافة والإفزاع حسب بعض الباحثين في هتا المجال . ب مصدر أَرْهَبَ: * مجموع أعمال العنف التي تقوم بها منظّمة أو أفراد قصد الإخلال بأمن الدَّولة وتحقيق أهداف سياسيَّة أو مصلح خاصَّة أو محاولة قلب نظام الحكم (معجم المعاني الجامع) * أنواع الإرهاب : * أ الإرهاب الدولي : و هو عمليات وممارسات تقوم بها منظمات أو دول خارج الأعراف الدولية و القوانين المنظمة للعلاقات بين الأمم ، تهدف إلى خلق الرعب وسط الجمهور أو مجموعة من الناس لأسباب سياسيّة الهدف منها هو احتلال أراضي الغير أو الاستيلاء على الحكم أو الاستيطان غير المشروع أو استعباد الناس . * ب إرهاب الجماعات تحت غطاء ديني : هو الإرهاب الذي يهدف إلى خلخلة الاستقرار و خلق الرعب و الهلع و سط المجتمع و فرض السيطرة و الولاء للشيخ الذي يعتبر الأمير . * ج إرهاب الأنظمة : هو الإرهاب الذي يجعل الشعب يعيش الاغتيالات السياسية و الإعدامات و الملاحقات و الاعتقالات التعسفية كلما طالب بحقه في الحرية و الكرامة و المساواة ( نظام سيسيكو : رئيس زايير سابقا ، نظام بوكاسا سابقا بإفريقيا الوسطى ) * النظام الإرهابي : نظام ذا طابع استبدادي يحكم الشعب بالعنف و السعي إلى القضاء على المعارضة و على الحركات التحررية أو الاستقلالية . بعد التعرف على المفاهيم المرتبطة بالإرهاب يمكننا مناقشة الفرضية الأولى والتي هي الاغتيالات التي عرفها مجتمعنا مردها إلى نزاعات شخصية أو عرفية أو إثنية إن اول عملية اغتيال كان ضحيتها الشهيد عمر بنجلون في 18 دجنبر 1975 تحت غطاء ديني ، على يد عناصر من الشبيبة الإسلامية التي هي نواة نشأة حزب العدالة و التنمية , هذا الاغتيال لم يكن بدوافع عرقية أو طبقية بقدر ما هو بدوافع استراتيجية و من ورائه أنظمة عربية رجعية و جماعات ظلامية مثل الوهابية بهدف اغتيال أي يساري يتبنى مشروع البناء الديمقراطي و الدولة الحديثة. كما يهدف إلى عدم تمكين الشعوب من حقها في تقرير مصيرها بنفسها سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا . جاء هذا الاغتيال في سياق دولي و عربي عرف تحولا كبيرا بعد حربي 1967 و حرب أكتوبر 1973 حيث تأكد من أن أسباب انهزام العرب عسكريا و سياسيا بالنسبة للقضية الفلسطينية مرده إلى طبيعة الأنظمة العربية التي تتميز بالاستبداد و الحكم المطلق و التسلط . كانت هذه قناعة الشعوب العربية التي اكتوت بهزائم الجيوش العربية أمام الجيش الإسرائيلي ، كما كانت نفس القناعة لدى أغلب قيادات المقاومة الفلسطينية ( جورج حبش) . في هذه المرحلة اصبح لليسار وضوح في الرؤيا التي تتجلى في تحرير الإنسان العربي من قيود الحكم المطلق و من التبعية و التخلص من الفكر الخرافي الذي تغذيه الأنظمة العربية الرجعية من خلال الجماعات المتأسلمة ضد الفكر العلمي ثم تحرير الأرض من الاستعمار و الاستعمار الجديد الذ ي هو امتداد للاستعمار المنسحب . ذلك ما عبر عنه عمر بنجلون في التقرير الأيديولوجي بمناسبة المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي سنة 1975 . فالأنظمة الرجعية العربية وبدعم من الإمبريالية لم تعد تقبل بوجود امتداد يساري في الدول العربية ومنها على الخصوص المغرب و السودان و تونس و لبنان و السعودية . في هذه المرحلة كانت الالية الوحيدة هى اعتماد ترسيخ الأمية و الفقر و الكراهية لكل مظهر يوحي بالتقدم أو بالحداثة من جهة ، و استخدام الأميين كأدوات لترسيخ الفكر الظلامي و محاصرة علماء الدين الملتزمين أو قتلهم من جهة أخرى . و كذلك تم صنع الجماعات المتطرفة لاغتيال زعماء اليسار . فكانت البداية من الدارالبيضاء سنة 1975 بتصفية عمر بنجلون على يد الشبيبة الإسلامية , و تظل التهم دائما موجهة للنظام و أدواته من المتاسلمين. و ينتقل عنف الجماعات الظلامية تحت غطاء الأجهزة المخزنية إلى الجامعات بشكل منظم لتخريبها على المستوى الثقافي و الفكري ، فتم التآمر على الفكر التقدمي و الحداثي و محاصرة أي مطلب للديمقراطية الحقة و ذلك بالقضاء على الفلسفة و الفكر النقدي من طرف النظام و تعويضه بالدراسات الإسلامية التي الهدف منها هو ترسيخ الفكر الظلامي و التكفيري و الإقصائي ضدا على القيم الإسلامية التي تدعو إلى فعل الخيرات و ترسيخ روح التسامح و المساواة بين الناس و القيم الإنسانية . لقد دعم النظام سرا و علانية القوي المتاسلمة لتحويل الجامعة إلى فضاء يسوده العنف و الكراهية و القتل ضد كل عنصر ينتمي إلى اليسار، و من تم كان الهجوم على جامعة وجدة من طرف الجماعات الإرهابية أمام أعين السلطات حيث تمت تصفية الشهيد المعطي بوملي و بعدها جامعة فاس لتعنيف الطلبة و اغتيال الشهيد ايت الجيد محمد بنعيسى . و من الاغتيالات الفردية إلى الاغتيالات الجماعية على يد الجماعات الارهابية حيث عرفت الدارالبيضاء هجمات انتحارية على الأبرياء في 16 مايو 2003 . و كان من ورائها جماعة تسمى ب “السلفية الجهادية” ثم اهتزت يوم 11 مارس من سنة 2007 على وقع تفجير انتحاري في أحد محلات الإنترنت بحي سيدي مومن . ثم تفجير مقهى اركانة الشهير المطل على الساحة الشهيرة جامع الفنا بمراكش ، مُخلفا مقتل 17 مواطنا مغربيا وأجنبيا وإصابة 21 شخصا ، زوال يوم الخميس 28 أبريل 2011 . إذن فالاعتقاد بأن الاغتيالات كان مردها إلى نزاعات شخصية أو عرقية أو قبلية فرضية غير صحيحة . فلاغتيالات التي عرفها المغرب جاءت في سياق حرب شاملة على اليسار في العالم العربي و الإسلامي و على الديمقراطية و حقوق الإنسان حتى لا تنعم الشعوب العربية والإسلامية بالديمقراطية الحقة و بالمساواة و العدالة الاجتماعية و بالتوزيع العادل للثروات ، و أن جميع الاغتيالات كان من ورائها جماعات لها نفس المرجعية الجهادية التي هي التكفير و القتل . و لقد اعتبرت الجماعة الإرهابية التي أشرف على تأسيسها عبد الكريم مطيع بان اغتيال عمر هي” مهمة فتح جديدة في أدغال اليسار ” و يؤكد بيان صادر عن الشبيبة الإسلامية – اللجنة الثورية الإسلامية “الشاب المجاهد ( أحد قتلة عمر ) المسلم الذي فتح درب الشهداء“ الفرضية الثانية : الفقر و الأمية سببان رئيسيان في انتعاش مظاهر الإرهاب . ما كان للفقر والجوع أن يولدا الاغتيالات ، بل يولدان الانتفاضة ، خاصة إذا عرفت الشعوب الفقيرة أن سبب فقرها و جوعها هو سرقة أموالها من قبل سلطات فاسدة . إن هذا التولد الذي تخافه الانظمة الرجعية العربية هو الذي دفع بها إلى خلق الجماعات الظلامية التي تستغل الأمية من أجل تحويل الفقر و الجوع من طبيعته الانتفاضية إلى كونه قدرا و غضبا من الله لعدم طاعة أولياء الأمور و اتباع دعاة العلمانية الكافرين .و من المعلوم بان ثورة الجياع عبر التاريخ أطاحت بمملكات عريقة وإمبراطوريات وجمهوريات عظيمة في العصر الحديث ، بدءا من ثورة الحرافيش في عهد المماليك و ثورة الفرنسيين في عهد ماري انطوانيت إلى ثورة الياسمين بتونس و الباقية تأتي ، إن عزائم الشعوب لا تموت بل تموت الرجعية التي عمرها قصير ، ذلك ما علمنا التاريخ . إذن فأن الفرضية الثانية الفقر و الأمية سببان رئيسيان في انتعاش مظاهر لإرهاب غير صحيحة ، لأن الحقيقة هي أن الأنظمة العربية الرجعية إنما تسعى إلى نشر الأمية و الفقر و الجوع كبيئة ينتعش فيها الفكر الخرافي/الظلامي و البؤس و اليأس المؤدين إلى السقوط بين أيدي الجماعات الإرهابية التي تعمل على تنفيذ المخططات اللإمبريالية /الصهيونية و الأنظمة الرجعية العربية .فالعمليات الإرهابية ستستمر و الاغتيالات في صفوف اليساريين ستستمر مادام النظام يوفر الأرضية المناسبة لتنشئة اجتماعية متطرفة خارج السياق العام للتطور السليم الذي تعرفه للمجتمعات بالدول الغربية أو الشرقية او الأسيوية بل حتى بعض الدول الإفريقية . إن المستقبل اليسار في العالم العربي هو مستقبل صراع ثقافي و فكري لمواجهة الفكر الخرافي /الظلامي و تجفيف منابعه من أجل أي بناء لدولة حداثية . البدالي صافي الدين